ووقع في "المعرفة" لابن منده عن صالح بن خوَّات عن أبيه.
المفردات:
صالح بن خوَّات: هو صالح بن خوَّات بن جبير بن النعمان الأنصاري المدني، أحد ثقات التابعين، روى عن أبيه وعن سهل بن أبي حثمة، أحد صغار الصحابة رضي الله عنهم، المولود في السنة الثالثة من الهجرة، لكنه قد ثبت أنه حفِظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أبوه أبو حثمة، فهو عبدالله أو عامر بن ساعدة الأنصاري الحارثي الخزرجي، ممن بايع تحت الشجرة، وشهِد المشاهد كلَّها إلا بدرًا، وكان الدليل ليلةَ أُحُد رضي الله عنه.
ذات الرقاع: هي إحدى غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف أهل السِّير في وقتها اختلافًا كثيرًا؛ فقيل؛ كانت سنة أربع، وقيل: سنة خمس، وقيل: ست، وقيل: سنة سبع، وقد اختار البخاري أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد غزوة الخندق؛ لحديث أبي موسى الأشعري الذي شهِد غزوة ذات الرقاع، وهو ما قدِم إلا بعد خَيْبر، وقد فسَّر أبو موسى رضي الله عنه سبب تسميتها بذات الرقاع، فقال - كما جاء في صحيح البخاري -: "ونحن في ستة نفر بيننا بعيرٌ نعتقبه، فنقِبت أقدامنا، ونقِبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلفُّ على أرجُلِنا الخِرَق، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع لِما كنا نَعصِب من الخِرَق على أرجُلِنا".
ويقال لها أيضًا غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة، وهم من غطفان من قيس عيلان من مُضَر بن نزار.
صلاة الخوف؛ أي: ما رخَّصه الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين من الكيفية التي يؤدُّون بها الصلاة عند خوفِ العدو.
طائفة؛ أي: جماعة وفرقة.
وِجاه العدو؛ أي: تجاهه وقُبالته.
وأتموا؛ أي: وصلَّتِ الفرقة الأولى ركعةً أخرى، وسلمت وانصرفت؛ لتكون في مواجهة العدو.
ثم سلم بهم؛ أي: سلم بالطائفة الثانية عندما صلَّتِ الركعة الثانية لأنفسها.
ووقع في المعرفة لابن منده؛ أي: وجاء في كتاب معرفة الصحابة للإمام ابن منده، أحد كبار أئمة الحديث، في ترجمة الخوات، عن صالح بن خوات عن أبيه؛ يعني أن صالح بن خوات روى هذا الحديث عن أبيه خوات بين جبير، وخوات بن جبير صحابي جليل، أول مشاهده أحد، ومات بالمدينة سنة أربعين رضي الله عنه.
البحث:
جاء هذا الحديث عند البخاري ومسلم من طريق مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات، ولفظه عند البخاري: عمَّن شهِد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف...، إلخ.
ولفظه عند مسلم: عمَّن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف...، إلخ.
وقد وهم الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي في عمدة الأحكام، فقال عقب هذا الحديث: الرجل الذي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سهل بن أبي حثمة - كما وهم غيره في ذلك - وسبب هذا الوهم أن البخاري ومسلمًا قد روَيا في صحيحَيْهما عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة صفةَ صلاة الخوف عن رسول صلى الله عليه وسلم، لكنه ليس فيه صلاة الخوف بغزوة ذات الرقاع، وليس من طريق مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات، وإنما من طريق القاسم بن محمد عن صالح بن خوات.
وقد أشرتُ في مفردات هذا الحديث إلى أن سهل بن أبي حثمة قد ولد في السنة الثالثة للهجرة، ومثله لا يشهد غزوة ذات الرقاع، بخلاف خوات بن جبير والد صالح، فالتفسير الصحيح للرجل الذي شهِد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاةَ الخوف، أو صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاةَ الخوف - هو خوات بن جبير والد صالح؛ كما أخرج ابن منده في كتابه في معرفة الصحابة رضي الله عنهم من طريق أبي أويس - أحد أقرباء مالك وزملائه، وهو من رجال مسلم - عن شيخ مالك يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن أبيه رضي الله عنه.
وكذلك أخرجه البيهقي من طريق عبيدالله بن عمر القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه.
وقد جزم النووي في كتاب تهذيب الأسماء واللغات بأنه خوات بن جبير، وقال: إنه محقق من رواية مسلم وغيرها؛ اهـ.
وهذه الصفة التي وردت في هذا الحديث إحدى صفات صلاة الخوف التي صحَّ الخبر بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهرُ أن هذه الصفات إنما اختلَفَت باختلاف أحوال المسلمين عند ملاقاة العدو، وما يكون من الأحوط في الحراسة والتوقي من العدو، وهي كذلك على السَّعَة، فمَن صلى صلاة الخوف على أية صفة صحَّت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلاته صحيحة.
ما يفيده الحديث:
1- جواز هذه الكيفية في صلاة الخوف.
2- أن مثل هذه الأعمال لا تبطل مثل هذه الصلاة.
3- تأكيد وجوب صلاة الجماعة.
4- تطييب قلوب الجماعة بمساواتهم ومواساتهم.