لأطفال قديماً أبناء الأجانب العرب الذين جاءوا
هنا ليكدحوا ويجمعوا القرش فوق القرش لتأمين
حاضر ومستقبل أولادهم ويستثمروا كل طاقاتهم
وصحتهم في العمل وتحصيل الرزق،
كانوا لا يخرجون من بيوتهم إلى المدرسة
إلا بعد تناول فطورهم حتى يكونوا
أكثر قدرة على التركيز في الحصص الدراسية،
وإذا حان وقت الفسحة أخرجوا سندوتش البيض أو الجبن
أو الفول أو الفلافل مع العصير، وفي نهاية الدوام تناولوا تفاحة أو خيارة
تصحبهم طوال رحلة دراستهم الابتدائية "مطارة" ماء ..
إلى جانب الأدوات الهندسية وأقلام التلوين
والممحاة والقلم الأزرق الناشف والرصاص والحقيبة،
تظل ملازمة لهم ما دامت صالحة للاستعمال،
ثياب المدرسة يورثها الإخوة لبعضهم البعض..
لا تتغير إلا في النادر بعد أن تضيق بفعل
قرب مرحلة البلوغ أو اختلاف الأطوال ... ربما الحذاء كذلك..
لا يفرطون في ذهابهم وعودتهم في
الاستفادة من خدمة الحافلات المدرسية المجانية
فإذا جاءت عطلة الأسبوع
أخذوا الدراجات الهوائية "العجلات" وانتشروا في أقرب
حديقة عامة مجانية يتقافزون بفرح ودهشة مثل الفراشات،
في ذهاب خاطف متكرر لحضن أمهاتهم لتناول قضمة
أو اثنتين من السندوتشات المعدَّة في البيت.. كأسعد ما يكون ...
فإذا مرض أحدهم لزم الفراش والتزم بقوانين الشفاء،
يشرب في اليوم كأساً وثلاثة عصير ليمون،
ويتدفأ جيداً.. ويتناول حساء الخضار و "الفِراخ" على مضض ..
لأنه يعلم أن تكلفة العلاج وزيارة الطبيب
كبيرة لا مكان لها في ميزانية الأسرة..
يومان أو ثلاثة وينهض مثل الحصان فمناعته قوية،
ليعاود الانكباب للاستذكار وحل
واجباته دون أن يُلح عليه أحد، أو يذكره بذلك..
فالأبناء لن يرضوا بغير التفوق مكافأة لشقاء
أبيهم وأمهم طوال الوقت من أجلهم ..
ولن يرضى آباؤهم بغير هذا التقدير..
لتجد في نهاية العام أسماءهم تتصدر قائمة المتفوقين.....
أما أبناؤنا الذين اعتادوا على الخروج إلى المدرسة
على لحم بطونهم لأن عشرة أو عشرين ريالا
مندسة في جيوبهم، يظلون طوال الحصص الأولى
في إعياء وغياب استيعاب بفعل الجوع،
فإذا جاءت الفسحة تناولوا شوكولاتة وشيبس ومشروب غازي
أو فطيرة بائتة لا يُعرف كيف تمّ إعدادها..
وفي الليل وجبتهم الرئيسية الهمبرجر والبيتزا والبيبسي ..
وتستبدل أغراضهم المدرسية
وثيابهم وأحذيتهم عشرات المرات في الفصل الواحد حسب الموضة
وإذا مرض أحدهم بطيف "انفلونزا" اندلعت حالة طوارئ في البيت كله،
جولة منهكة حول المستشفيات والمراكز الصحية،
إبر مغذية ومضادات حيوية، طريح الفراش.
. لأن مناعة جسمه ضعيفة تعاني فقراً من العناصر الغذائية
هؤلاء هم الذين لا يرضون في عطلة نهاية الأسبوع
بغير الذهاب للملاهي المكلفة، والعشاء المكلف ..
والشراء المكلف.. وفي نهاية اليوم وقبل الوصول إلى البيت بثوانٍ
لا تجد على ألسنتهم سوى كلمة "طفش" .. "زهق" ..
هؤلاء هم أنفسهم الذين لا يقبلون على المذاكرة إلا بعد
قيام ثورة عارمة في البيت من الصراخ وإلقاء
المحاضرات المنبرية عن أهمية الدراسة والنجاح
ومع وعود بسفريات ومكآفات
وأجهزة جوال و آيباد أو كاميرات..
وفي النهاية وعلى الرغم من كل الدلال والتحفيز ووسائل الترفيه،
وموائد المشويات والوجبات اللذيذة المكلفة التي تُمد في الاختبارات..
تجد نجاحاً باهتاً في ذيل القائمة ..
فإذا كبروا لم يرضوا بغير المناصب القيادية،
فكل الأمور كانت منذ القديم رهن إشارتهم..
وتلبستهم نقمة على كل الأوضاع، وكآبة وضيق وضجر، وقولون عصبي ..
والشعور بأنهم أصحاب فضل على آبائهم في المجيء إلى الحياة..
وفقدان لقيمة الأشياء من حولهم لأنه ميسر لهم الحصول على غيرها إذا ما فقدوها ..
فجيوب آبائهم متخمة دائماً بأمانيهم..
أليس الفقر أحياناً مفيداً ؟! ..
مقالة قمة الأبداع تحاكي واقعنا المرير فهل من مستفيد ؟؟
.
.
.
.
.