أ.د. عبدالله فهد المبيريك
اذا كنت تدخن فإن آخر ما يجب عليك أن تتوقعه هو أنك ستكون لائقاً بدنياً أو حتى نفسياً، فمن الناحية البدنية، عليك أن تنسى أن ترشح نفسك لأي من الألعاب الأولمبية، أو حتى لمسابقات رياضية على مستوى بلدنا الحبيب السعودية، وإذا استمررت في التدخين لعدة سنوات فانك لن تمثل حتى حارتك في أي فريق، وإذا أصررت على التدخين فقد ينتهي بك الحال أن تدفع محمولا على كرسي متحرك مربوط به أسطوانة أكسجين.
هذا هو مسار التدخين، بلا مبالغة، بل هناك العديد من القصص المحزنة لمرضى بدأوا بأجسام صحيحة معافاة وتدنى أداؤهم البدني تدريجياً على مر السنين حتى أصبحوا عاجزين، ولأن الضرر يحصل ببطْء شديد فقد لا ينتبه له المريض ويتدارك الأمر بإيقاف هذه العادة السيئة، فلا يصحو إلا وقد فات الأوان.
التدخين يهاجم أهم عضوين في الجسم لهما علاقة مباشرة باكتساب الجسم درجة عالية من اللياقة والكفاءة الجسمية، وهما القلب والرئتين، وبدرجة أقل عضلات الجسم الأخرى.
فالرئتان مضختان تعملان على إدخال الأكسجين من الهواء، والذي تحتاجه عضلات الجسم للحركة والتمرين وتحتاجه أعضاء الجسم الحيوية الأخرى كالدماغ والكبد وغيرهما لتأدية وظائفها الحيوية، كذلك تقوم الرئتان بإخراج الغاز الضار ثاني أكسيد الكربون (CO2) وهو من الفضلات السامة التي ينبغي التخلص منها من الجسم، أما تأثير سموم التدخين فهو تدريجي وبطيء المفعول ويبدأ بإحداث التهابات في الشعب الهوائية وتهيجات في أغشيتها المخاطية مما يسبب تكاثر الجراثيم ونزلات شعبية متكررة، ثم تأتي المرحلة الثانية التي تبدأ فيها الرئتان بالتآكل، علماً بأنّ مساحة السطح الذي توفره الرئتان لنقل الأكسجين وطرد ثاني أكسيد الكربون تقارب مساحة ملعب التنس الأرضي، تبدأ هذه بالتآكل تدريجياً مع استمرار التدخين لتصل إلى مساحة غرفة أو أقل بحيث لا يدخل الجسم الأكسجين الكافي، ولا يطرد ثاني أكسيد الكربون (CO2)، وذلك يؤدي الى نقص تدريجي في أداء العضلات الجسمية التي لم يعد يتوفر لها الأكسجين والطاقة اللازمة لتستطيع الحركة، فتصبح عاجزةً، وتنقص قدراتها من الجري الى الهرولة، ومن الهرولة الى المشي، ثم العجر واللجوء الى كرسي متحرك يدفعه إنسان سليم أو بطارية كهرباء وهكذا يواجه المريض الصدمة المذهلة، بأن موضوع اللياقة البدنية أصبح ترفاً، وكل ما يطمع فيه المدخن عندئذ هو القدرة على أداء ضرورات الحياة اليومية بدون الاعتماد على مساعدة أحد وبدون الاستعانة بالأجهزة.
وفي هذه المرحلة ليس هناك حلول طبية سحرية تقلل المعادلة، فقد يكتب لك الطبيب روشته، ويقذف لك الصيدلي من نافذته الضيقة كيساً به بضع بخاخات، لكن أثرها لن يرجع الأمور الى ما كانت عليه، فلن يصلح العطار ما أفسده السيجار، وأما الحلول الجراحية فمعقدة وصعبة، فعملية زراعة الرئة فعملية كبيرة ذات مخاطر، ولم تصل نسبة نجاحها الى نسبة نجاح زراعة الكلى مثلاً، لذا أنس الموضوع، فلن ينقذك الطب، والأفضل هو ايقاف التدخين من هذه اللحظة.
وأما آثار التدخين على المضخة الرئيسية الثانية في الجسم وهي القلب فمعلوم لدى الجميع، ولكن باختصار تضييق الشرايين يؤدي الى تقليل تدفق الدم إلى عضلة القلب ومن ثم عدم كفاءتها، وقد تتلف أجزاء من عضلات القلب بسبب ذلك (وهو ما يعرف بالجلطة القلبية)، فعندئذ لا يستطيع القلب ضخ الدم بما يكفي لنقل الأكسجين أو طرد ثاني أكسيد الكربون، وشبيهاً بما يحدث في الرئتين، يبدأ الضرر تدريجياً وعلى مر السنين، أو قد يجد المرء نفسه فجأة فاقداً للياقة تماماً وأصبح عاجزاً بعد أزمة قلبية حادة.
وقد يتزامن الضرر الذي يحدثه التدخين على الرئتين والقلب معاً أو يؤثر في أحدهما أكثر من الآخر، تبعاً لعوامل وراثية، أو لوجود مسببات أخرى كالضغط والسكري.
وهناك عنصر آخر مهم أيضاً، وهو أنّ نقص الحركة والتمرين بسبب ضعف القلب والرئتين يضعف بقية عضلات الجسم الأخرى، وهذا بدوره يسبب حالة تسمى De-conditioning أي الكسل العضلي العام، مما يسبب حلقة مفرغة ويزيد وضع اللياقة سوءاً.
ومن الأضرار الأخرى للتدخين الشره، تراكم غاز أول أكسيد الكربون (وهو الغاز السام الذي ينتشر عادة في الحرائق) إلى نسب عالية تمنع استخلاص الأكسجين من الرئتين وتقلل الكفاءة البدنية.
أخيراً، هناك تفاصيل أخرى لا يتسع المقال لذكرها، ولكن نرجو أن نكون قد ذكرنا النقاط الرئيسية، فإذاً عزيزي المدخن لن يصلح العطار ما أفسده السيجار، وإن كنت تفكر أن تكون لائقاً، أو أن تنافس لتكون بطلاً رياضياً، فأرجو أن تكون قد علمت ما ينبغي عليك عمله.