المحظورات – تعريفها وأنواعها-:
المحظورات: هي ما يجب على المحرم بالحج أو العمرة اجتنابه مما هو حلال على غيره بسبب الإحرام.
وعددها تسعة، وهي بمجملها راجعة إلى أربعة أصول:
- ما يتعلق باللباس. ( ويدخل فيه محظوران: لبس المخيط للرجال ، وتغطية الرأس للرجُل ولبس النقاب والقفازين للمرأة )
- ترفيه البدن وتنظيفه. ( ويدخل فيه ثلاث محظورات: الطيب ، وإزالة الشعر بقص أو حلق أو نتف، وقص الأظافر )
- الصيد.( ويدخل فيه محظور واحد: وهو صيد البر )
- النساء. ( ويدخل فيه ثلاث محظورات: عقد النكاح، والمباشرة فيما دون الفرج والاستمناء ، والوطء في الفرج وهو أشد المحظورات)
وتنقسم إلى قسمين باعتبارها مفسداً أو غير مفسد للنسك:
1- نوع لا يفسد النسك به، وهي الأصول الثلاثة الأولى.
2- ونوع يفسد النسك به، وهو الوطء وفيه تفصيل.
الأصل الأول: ما يتعلق باللباس:
( فلا يجوز للرجل المحرم أن يلبس شيئاً مخيطاً أو محيطاً بجسده كالقميص والثوب والسروال وأي لبس على هيئة الجسم أو جزء منه، ولا يجوز له تغطية رأسه بملاصق كالقلنسوة والإزار والخرقة والعمامة، ولا يجوز للمرأة لبس النقاب ولا القفازين، وإنما تغطي وجهها إذا كانت في حضرة رجال أجانب، وتشترك المرأة والرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس أو الطيب )
ويجمع ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس؛ إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) رواه البخاري برقم (1741)، "قال العلماء: هذا من بديع الكلام وجزله، فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم، فقال: لا يلبس كذا وكذا، فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات، ويلبس ما سوى ذلك، وكان التصريح بما لا يلبس أولى؛ لأنه منحصر، وأما الملبوس الجائز للمحرِم فغير منحصر، فضبط الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم لا يلبس كذا وكذا يعنى ويلبس ما سواه.
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيء من هذه المذكورات، وأنه نبه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما، وهو ما كان مُحِيطًا أو مَخِيطًا معمولاً على قدر البدن، أو قدر عضو منه.
ونبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطاً كان أو غيره، حتى العصابة فإنها حرام.
فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدَّها، ولزمته الفدية".[1]
وستر الرأس ينقسم إلى ستة أقسام:
"الأول: جائز بالنص والإجماع، مثل أن يضع الإنسان على رأسه لبداً بأن يلبده بشيء كالحناء مثلاً، أو العسل أو الصمغ؛ لكي يهبط الشعر، ودليله ما في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً"، أي: واضعاً شيئاً يلبد شعره.
الثاني: أن يغطيه بما لا يقصد به التغطية والستر كحمل العفش ونحوه، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصد به الستر، ولا يستر بمثله غالباً.
الثالث: أن يستره بما يلبس عادة على الرأس، مثل الطاقية، والشماغ والعمامة، فهذا حرام بالنص، وهو إجماع.
الرابع: أن يغطى بما لا يعدُّ لبساً لكنه ملاصق، ويقصد به التغطية، فلا يجوز، ودليله قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا تخمروا رأسه)).
الخامس: أن يظلل رأسه بتابع له كالشمسية والسيارة، ومحمل البعير، وما أشبهه، فهذا محل خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازه وهو الصحيح، ومنهم من منعه كما سبق.
السادس: أن يستظل بمنفصل عنه، غير تابع كالاستظلال بالخيمة، وثوب يضعه على شجرة، أو أغصان شجرة أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز بالاتفاق، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضُربتْ له قبة بنمرة فبقي فيها حتى زالت الشمس في عرفة"[2].
"ونبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وجورب وغيرها، وهذا كله حكم الرجال"[3].
"فليس للمحرم ستر بدنه بما عُمِل على قدره، ولا ستْر عضوٍ من أعضائه بما عمل على قدره؛ كالقميص للبدن، والسراويل لبعض البدن، والقفازين لليدين، والخفين للرجلين ونحو ذلك، وليس في هذا كله اختلاف قال ابن عبد البر: لا يجوز لباس شيء من المخيط عند جميع أهل العلم، وأجمعوا على أن المراد بهذا الذكور دون النساء"[4].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وقد توهم بعض العامة أن لبس المخيط هو لبس ما فيه خياطة، وليس الأمر كذلك، وإنما قصد أهل العلم بذلك أن يلبس الإنسان ما فُصِّل على البدن، أو على جزء منه كالقميص والسراويل؛ هذا هو مرادهم، ولهذا لو لبس الإنسان رداءً مرقّعاً، أو إزاراً مرقّعاً؛ فلا حرج عليه، ولو لبس قميصاً منسوجاً بدون خياطة كان حراماً"[5].
لكن من لم يجد إزاراً فله أن يلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فله أن يلبس الخفين؛ بدليل ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فقال: ((من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين)) رواه البخاري برقم (1746)، واللفظ له، ومسلم برقم (1178)، "ومنعه مالك لكونه لم يذكر في حديث ابن عمر السابق، والصواب إباحته بحديث ابن عباس هذا، أما حديث ابن عمر فلا حجة فيه؛ لأنه ذكر فيه حالة وجود الإزار، وذكر في حديث ابن عباس وجابر حالة العدم فلا منافاة، والله أعلم"[6]، "وبهذا نسد العذر على من يقول إذا ركب في الطائرة: إن ثياب الإحرام موجودة في الشنطة في جوف الطائرة، فنقول: هذا ليس بعذر، اجعل الثوب إزاراً، والسراويل رداءً، وإن كان ممن يلبس الغترة اجعل الغترة رداءً، أو اجعل القميص رداءً، والبس السراويل؛ لأنك لا تجد إزاراً"[7].
"وإذا لبس الخفين لعدم النعلين لم يلزمه قطعهما في المشهور عن أحمد ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القداح، وعن أحمد –غير المشهور- أنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فإن لبسهما من غير قطع افتدى، وهذا قول عروة بن الزبير و مالك و الثوري و الشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: ((فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)) رواه البخاري برقم: (5514) ومسلم برقم: (1177) وهو متضمن لزيادة على حديث ابن عباس وجابر والزيادة من الثقة مقبولة. قال الخطابي: العجب من أحمد في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلَّ سنةٌ لم تبلغه، واحتج أحمد بحديث ابن عباس وجابر ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين)) مع قول علي رضي الله عنه: "قطع الخفين فساد، يلبسهما كما هما" مع موافقة القياس فإنه ملبوس أبيح لعدم غيره فأشبه السراويل وقطعه لا يخرجه عن حالة الخطر فإن لبس المقطوع محرَّم مع القدرة على النعلين، ***س الصحيح وفيه إتلاف ما له نقدٌ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته"[8].
قال العلامة ابن عثمين رحمه الله: "الذي يظهر لي أنه لا يلبس الخفين إلا عند الحاجة، أما إذا لم يكن محتاجاً كما في وقتنا الحاضر فلا يلبس"[9].
وقد نقل الإجماع ابن المنذر رحمه الله على أن المحُرم "ممنوع من لبس القميص، والعمامة، والسراويل، والخفاف، والبرانس، بخلاف المرأة فقد أجمعوا على أن لها لبس القميص، والدّروع، والسراويل، والخمر، والخفاف.
بينما الرجل ممنوع من تخمير رأسه"[10].
"قال العلماء: والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم ولباسه الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه، ويتصف بصفة الخاشع الذليل وليتذكر أنه محرم في كل وقت فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته وامتناعه من ارتكاب المحظورات وليتذكر به الموت ولباس الأكفان ويتذكر البعث يوم القيامة والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي"[11].
ويحل للمرأة جميع لباسها، وإنما حرم عليها القفازان والنقاب، "والقفازان: لباس اليدين، والنقاب: لباس الوجه، وهو أن تستر المرأة وجهها وتفتح لعينيها بقدر ما تنظر منه، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه حرم على المحرمة تغطية وجهها، وإنما حرم عليها النقاب فقط؛ لأنه لباس الوجه، وفرقٌ بين النقاب وبين تغطية الوجه، وعلى هذا فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها، لقلنا: هذا لا بأس به، ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب، فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم"[12].
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام )[13]
قال في المغني: " فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها ، لمرور الرجال قريبا منها ، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها . روي ذلك عن عثمان ، وعائشة . وبه قال عطاء ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، ومحمد بن الحسن . ولا نعلم فيه خلافا ؛ وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان الركبان يمرون بنا ، ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا ، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ". رواه أبو داود ، والأثرم . ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها ، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق ، كالعورة"[14]
الأصل الثاني ترفيه البدن وتنظيفه:
وفيه ثلاثة أمور:
- الأول: استعمال الطيب بعد عقد الإحرام.. سواء في ثوبه أو بدنه، أوفي أكله أو في تغسيله أو في أي شيء يكون، فاستعمال الطيب محرم في الإحرام، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال: فأوْقَصَتْهُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيا)) (رواه البخاري: 1206، ومسلم: 1206) "وتحنيط الميت أطياب مجموعة تجعل في مواضع من جسمه، وهذا عام لكل طيب، وقال: ((فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) وهذا دليل على أن المحرم لا يجوز استعماله للطيب"[15].
وقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أحرم في جبة بعدما تضمخ بالطيب : ((أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها )) رواه البخاري ( 4602 ) ومسلم ( 2019 )
- "وليس كل ما كان زكي الرائحة يكون طيباً، فالطيب ما أعد للتطيب به عادة، وعلى هذا فالتفاح والنعناع وما أشبه ذلك مما له رائحة زكية تميل إليها النفس لا يكون طيباً، إنما الطيب ما يستعمل للتطيب به كدهن العود والمسك والريحان والورد وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز للمحرم استعماله"[16].
وأما بالنسبة للصابون بأنواعه هل يعد من الطيب أم لا, فقد قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله أنه "لما كانت تستعمل في الأيدي للتطهر بها من رائحة الطعام، جعلوا فيها هذه الرائحة الزكية، فالذي يظهر لي أن هذا الصابون الذي فيه رائحة طيبة لا يعد من الطيب المحرم."[17].
"وسبب تحريم الطيب أنه داعية إلى الجماع ولأنه ينافى تذلل الحاج فان الحاج أشعث أغبر وسواء في تحريم الطيب الرجل والمرأة"[18].
فقدأجمع العلماء على أن المحرم "ممنوع من لمس زعفران أو ورس، وأن المرأة ممنوعة مما منع منه الرجال في حال الإحرام إلا بعض اللباس"[19].
"وإذا تطيب أو لبس ما نهي عنه لزمته الفدية إن كان عامداً بالإجماع، وان كان ناسياً فلا فدية عند الثورى والشافعي وأحمد وإسحاق وأوجبها أبو حنيفة ومالك"[20].
أما الادّهان بالزيت والسمن ونحوه مما ليس فيه طيب، فقد قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: " وأما الدهن في رأسه أو بدنه بالزيت والسمن ونحوه، إذا لم يكن فيه طيب، فيه نزاع مشهور، وتركه أولى ".[21]
- الثاني: حلق شعر الرأس لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (البقرة: 196).
"وقد أجمع العلماء على أن المحرم ممنوع من: حلق رأسه، وإتلافه بجزه، أو نَوْرة، وغير ذلك...
وله حلق رأسه من علة" أو مرض لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال: ((أيؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأسِك؟)) قلت: نعم، قال: ((فاحْلِق وصُمْ ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة)). رواه البخاري برقم: (3954) ومسلم برقم: (1201)
ومن ثمَّ "أجمعوا على وجوب الفدية على من حلق، وهو محرم". بدليل قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196) وعموم الشعر داخل في هذا الحكم كحلق العانة ونتف الإبط...
- الثالث قص الأظافر: وألحقوا بإزالة الشعر إزالةَ الظفر فـ "أجمعوا على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وله أن يزيل عن نفسه ما كان منكسرًا منه"[22]. وذلك لأن فيه ترفّهاً فقيس كشعر البدن. قال صاحب الدر المنثور : وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال: يعني بالتفث: وضع إحرامهم من حلق الرأس، ولبس الثياب، وقص الأظافر، ونحو ذلك.[23]
الأصل الثالث الصيد:
صيد البحر حلال للمحرم، وصيد البر حرام عليه، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (المائدة: 96) ونقل الإجماع على ذلك ابن قدامة[24]. وقد "أجمعوا على أن المحرم إذا قتل صيداً عامدًا لقتله ذاكرًا لإحرامه أن عليه الجزاء، ولم يخالف إلا مجاهد وقد قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (المائدة: من الآية95).
والصيد هو: كل حيوان بري حلال متوحش طبعاً كالظباء والأرانب والحمام .
فيحرم على المحرم قتل الصيد واصطياده أو الإعانة على قتله، كما يحرم عليه الأكل من صيد البر إذا صاده أو صيد له أو أعان على قتله بإشارة أو مناولة سلاح، لقوله صلى الله عليه وسلم للصعب بن جثامة الليثي لما أهدى إليه ****اً وحشياً: (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم )) متفق عليه.
ويجوز له أن يأكل منه إذا صاده حلالاً بغير سبب منه. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة: (( هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟ )) قالوا: لا. قال: (( فكلوا ما بقي من لحمها )) متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر : (( صيد البر حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم )) رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي.
وفي الصيد الذي يصيبه المحرم شاة.[25]
وأجمعوا على أن صيد البحر للمحرم مباح اصطياده، وأكله، وبيعه، وشراؤه.
الأصل الرابع النساء:
والكلام فيه عن ثلاثة محظورات:
- عقد النكاح.
- المباشرة فيما دون الفرج والاستمناء
- الوطء في الفرج.
- الأول: عقد النكاح: فهو محرم له أو لغيره، لما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَنْكِحُ المحرم ولا يُنْكَحُ ولا يخطب)) (رواه مسلم: 1409) فإن فعل فالنكاح باطل عند الجمهور ولا فدية فيه، فلا يتزوج المحرم ولو بوكيل غير محرم، ولا يزوج بولاية أو وكالة، فإن فعل فالزواج باطل. ولأن الإحرام يحرم الطيب، فيحرم النكاح كالعدة. ومتى تزوج المحرم أو زوَّج، أو زُوِّجت محرمة، فالنكاح باطل؛ لأنه منهي عنه.
قال النووي في شرح مسلم: قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فما بعدهم: لا يصح نكاح المحرم.[26]
وتكره الخطبة للمحرم عند كثير من أهل العلم، وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب لحلال غير محرم، للحديث السابق ((ولا يخطب)) ولأنه تسبب إلى الحرام.. [27].
الثاني : المباشرة فيما دون الفرج: يحرم على المحرم الجماع ومقدماته من تقبيل ولمس بشهوة ومباشرة فيما دون الفرج، لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة:197) والرفث: ما يكنى به عن الجماع وجميع حاجات الرجال إلى النساء.
فإن جامع فيما دون الفرج أو قبل أو لمس بشهوة، أو استمنى، فله حالان:
ـ إذا لم ينزل: فلا يفسد حجه، وهذا قول الجمهور. قال في المغني: لا نعلم أحداً قال بفساد حجه.
ـ إذا أنزل:فالجمهور على أن حجه لا يفسد، ومذهب مالك أنه يفسد.
أما الفدية فسوف تأتي في موضعها مفصلة إن شاء الله
الثالث : الوطء في الفرج: سواء كان قبلاً أو دبراً، إنساناً أو بهيمة، وهو أعظم محظورات الإحرام.
وله حالان:
ـ أن يكون قبل التحلل الأول: سواء قبل الوقوف بعرفة أو بعده. فهذا يفسد الحج عند جمهور أهل العلم. وعند الحنفية ورواية عن مالك يفسد الحج إذا كان قبل الوقوف، وعليه شاة، ولا يفسد إن كان بعد الوقوف بعرفة وعليه بدنة. لحديث ( الحج عرفة ) وحديث عروة ابن مضرس : " من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه " ، أما الجمهور فاستدلوا لقولهم: بأن الجماع يفسد الإحرام ، والإحرام باق بعد عرفة لبقاء ركن الحج وهو طواف للإفاضة، ولا يتصور بقاء الركن بدون إحرام، فصار الحال بعد الوقوف كالحال قبلها، ويدل على ذلك أيضاً أن من لم يطف للإفاضة لم يتم حجه باتفاق. قال النووي رحمه الله: " قوله: إذا وطئها بعد الوقوف بعرفات قبل التحللين فسد حجه وعليه المضي في فاسده وبدنة والقضاء. قال: هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يفسد ولكن عليه بدنة. وعن مالك رواية: أنه لا يفسد . دليلنا أنه وطئ في إحرام كامل فأشبه الوطء قبل الوقوف "[28]
وعليه: فإن الجماع قبل التحلل الأول عند الجمهور يترتب عليه:
ـ فساد الحج ، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
ـ وجوب المضي في الحج الفاسد، وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور أهل العلم. لقوله تعالى: ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ولم يفرق بين صحيح وفاسد.
ـ وجوب الفدية المغلظة، وهي بدنة ، وهذا قول الجمهور. والخلاف هل تجب بدنة على كل منهما أم تكفيهما واحدة.
ـ وجوب قضاء النسك من العام القادم. سواء كان النسك الفاسد فرضاً أو نفلاً. وهذا بإجماع أهل العلم. والخلاف هل القضاء على الفور أم التراخي والراجح أنه على الفور.
ـ التفريق بينهما في القضاء حتى لا يقع منهما ما يفسد حجهما. قال الإمام أحمد: يتفرقا في النزول، وفي المحمل، والفسطاط، ولكن يكون بقربها. وهل يجب التفريق أم يستحب؟ فيه قولان. ورجح ابن قدامة الاستحباب.[29]
قال النووي في المجموع: " و عن ابن عباس (انه سئل عن رجل وقع على أهله وهى بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة) رواه مالك في الموطأ باسناد صحيح وعن ابن عباس أيضا في رجل وقع على امرأته وهو محرم قال (اقضيا نسككما وارجعا إلى بلد كما فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما واهديا هديا) رواه البيهقى باسناد صحيح وفى رواية (ثم أهلا من حيث أهللتما أول مرة) ... وتفسد العمرة أيضا بالجماع قبل التحلل منها وليس لها الا تحلل واحد "[30] ، ويجب المضي فيها فاسدة والقضاء والفدية، والجمهور على أن الفدية مغلظة كفدية إفساد الحج وهذا الذي رجحه النووي.
ـ الحالة الثانية:الوطء في الفرج بعد التحلل الأول : فهذا لا يفسد الحج عند جمهور أهل العلم. وعليه الفدية، وقال مالك لا يجزئه حجه وتلزمه أعمال عمرة. وفي الفدية خلاف هل هي شاة أم بدنة ، والروايتان عند أحمد.
وعند أحمد أنه لا يفسد حجه ولكن يفسد إحرامه، فعليه أن يحرم من الحل حتى يطوف طواف الإفاضة بإحرام صحيح. وعند الشافعي حجه صحيح ولا يلزمه الإحرام.[31]
أنواع المحظورات من حيث الفدية:
"ومحظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: ما لا فدية فيه، وهو عقد النكاح والخطبة . والواجب التوبة والندم والاستغفار.
الثاني: ما فديته مغلظة، وهو الجماع في الفرج قبل التحلل الأول في الحج ، وقبل التحلل في العمرة. فما كان قبل التحلل الأول ترتب عليه فساد النسك ، ووجوب المضي فيه ، ووجوب قضائه في العام القادم ، ووجوب الفدية المغلظة وهي بدنة من الإبل تجزئ في الأضحية، ينحرها ويوزعها على فقراء الحرم ولا يأكل منها شيئاً.
وإن كان الجماع بعد التحلل الأول فالحج صحيح ، وعليه فدية شاة يذبحها ويوزعها على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً على الراجح من أقوال العلماء.
الثالث: ما فديته الجزاء أو بدله، وهو قتل الصيد. وجزاء الصيد ذبح مثله يوزعه على فقراء الحرم ، أو يخرج بقيمته طعاماً يفرقه على فقراء الحرم ، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً .
الرابع: ما فديته فدية أذى، وهو بقية المحظورات. وهو ( تغطية الرأس بملاصق ولبس المخيط للرجال ، ولبس النقاب والقفاز للنساء . ويشترك الرجال والنساء في : إزالة الشعر بحلق أو غيره ، وقص الأظافر ، واستعمال الطيب في البدن والثياب ، ولبس القفازين ، والمباشرة بشهوة فيما دون الفرج بغير إنزال ) .
فمن فعل شيئاً منها يخير بين ذبح شاة توزع على فقراء الحرم ولا يأكل منها شيئاً ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام في أي مكان ولا يشترط التتابع .
( فإن باشر بشهوة فيما دون الفرج وأنزل فعليه شاة عند الحنفية ، وبدنة عند الحنابلة إن كان قبل التحلل الأول ، وفدية أذى عند الشافعية ) .
وفدية الأذى في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196)"[32].
حالات فاعل المحظور
الأولى : أن يفعله عمداً بلا حاجة ولا عذر ، فهذا يأثم وعليه فدية .
الثانية : أن يفعله لحاجة فليس عليه إثم وعليه الفدية . كما لو احتاج تغطية رأسه لبرد أو حر يخاف على نفسه منه جاز له وعليه الفدية . لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196). وحديث كعب بن عجرة في الصحيحين : " أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : (أيؤذيك هوام رأسك؟ ) قلت : نعم ، قال: ( فاحلق ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك نسيكة ).
الثالثة : أن يفعله وهو معذور بجهل أو نسيان أو إكراه أو نوم فهذا فيه خلاف بين العلماء، فعند الحنفية والمالكية عليه الفدية، وعند الشافعية إن كان إتلافاً كالصيد والحلق ففيه الفدية، وإن كان استمتاعا محضاً كالطيب واللباس والجماع فليس فيه فدية، وعند الحنابلة فكقول الحنفية والمالكية، وفي قول آخر لهم إن كان إتلافاً أو وطأ في الفرج أو فيما دون الفرج مع الإنزال ففيه الفدية، وإن كان استمتاعاً محضاً فلا فدية فيه. وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن لا إثم عليه ولا فدية في جميع المحظورات إذا كان ناسياً أو جاهلاً . لعموم قوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة 286 )، وقوله تعالى في جزاء الصيد: { ومن قتله منكم متعمداً } (المائدة 95)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) ( صحيح ابن ماجه 1677)، قال رحمه الله: " والصحيح في هذه المسائل كلها أنه لا جزاء عليه " .... " والصحيح أن جميعها تسقط ـ أي فديتها ـ، وأن المعذور بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء، وذكرنا فيما سبق الدليل من القرآن، والسنة، والنظر.
وهكذا في جميع المحظورات في العبادات، لا يترتب عليها الحكم، إذا كانت مع الجهل أو النسيان، أو الإكراه؛ لعموم النصوص، ولأن الجزاء، أو الفدية، أو الكفارة إنما شرعت لفداء النفس من المخالفة أو للتكفير عن الذنب، والجاهل أو الناسي أو المكره لم يتعمد المخالفة، ولهذا لو كان ذاكراً أو عالماً أو مختاراً لم يفعل."[33]
ارتفاع الحظر عن المحرم:
"إذا طاف الحاج طواف الإفاضة لا يحل له إتيان النساء إلا إذا كان قد استوفى الأمور الأخرى كرمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير ، والسعي، وعند ذلك يباح له النساء وإلا فلا. الطواف وحده لا يكفي، ولابد من رمي الجمرة يوم العيد، ولابد من حلق أو تقصير، ولابد من الطواف والسعي إن كان عليه سعي، وبهذا يحل له مباشرة النساء، أما بدون ذلك فلا، لكن إذا فعل اثنين من ثلاثة بأن رمى وحلق أو قصر فإنه يباح له اللبس والطيب ونحو ذلك ما عدا النساء، وهكذا لو رمى وطاف، أو طاف وحلق، فإنه يحل له الطيب واللباس المخيط، ومثله الصيد وقص الظفر وما أشبه ذلك، لكن لا يحل له جماع النساء إلا باجتماع الثلاثة: أن يرمي جمرة العقبة، ويحلق أو يقصر، ويطوف طواف الإفاضة ويسعى إن كان عليه سعي كالمتمتع، وبعد هذا تحل له النساء"[34].
وكل ما ليس من المحظورات فهو مباح للمحرم، مثل:
إخراج الدم وخروجه من الأسنان وغيرها، والاحتجام دون أن يزيل شعراً.
الترفُّه بالأكل والشرب والاغتسال.
تبديل ملابس الإحرام وغسلها.
حك الرأس والبدن إذا احتاج إليه.
الاستظلال بالبيت والشجرة والخيمة ونحو ذلك.
استعمال الصابون المطيب.
صيد البحر وطعامه.
الاكتحال بما لا طيب فيه.