أمرنا الله عز وجل بالتوكل عليه في كثير من المواضع والآيات في القرآن الكريم وتفويض كل الأمور إليه والاعتماد عليه والالتجاء إليه في تحصيل المنافع ودفع الضرر في كل من أمور الدنيا والآخرة ، التوكل على اللهسبحانه وتعالى لا يعارض الأخذ بالأسباب التي يسرها الله لنا وبذل الانسان ما في وسعه من الجهد حتى ولو كانت ضعيفة في حد ذاتها ولا يعتمد على تلك الأسباب في الوقت ذاته بل يكون اعتماده على عز وجل لا شريك له، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ -لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكل» [سنن الترمذي].
المسلم يتوكل على الله في جميع أمره وواثقا بالله تعالي أنه لن يخذله وسييسر له الخير وأن اختيار الله له أفضل من اختياره ما دام مطيعا لأوامر الله وابتعد عن ما نهى عنه من المعاصيوالذنوب والمحرمات وقد كان من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه :
حفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف .
خرج النبي صلي الله عليه وسلم في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة وهو علي يقين وثقة أن الله سينصره ولن يخذله ومع ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الأخذ بالأسباب فأعد خطة محكمة يحيطها السرية والكتمان، ويتجلي حسن توكل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما رأي صاحبه ورفيق هجرته أبو بكر الصديق رضي الله عنه أقدام المشركين وهو والنبي في الغار فقال الصديق رضي الله عنه يا رسول الله؛ لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال :«يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما» [البخاري ومسلم]
النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في هذا الموقف من مواقف الهجرة بكل الأسباب والوسائل المادية ثم توكل علي اللهسبحانه وتعالى وفي ذلك يقول ربنا:{إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [التوبة: 40]. توكل أم موسى عليه السلام
ومن صورالتوكلعلي الله تبارك وتعالى قصة أم موسى عليه السلام والتي تبين توكل أم موسى وتفويض الأمر لله سبحانه وتعالي وهي من الصفات الأساسية التي يجب توافرها في الشخصية المسلمة، هذا المرأة التي لم تنجب وكانت عاقر فأنجبت موسي عليه السلام وكان فرعون يقتل الأطفال وخافت أم موسى عليه السلام خوفا شديدا فألقت بمولودها الرضيع في البحر دون تردد وهي علي يقين أن الله تبارك وتعالى لن يضيعه فحفظ الله ابنها عليه السلام ورده إليها ، قال تعالى :" وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"(القصص:7).