سؤالي هو عن الأموات، هل عند زيارة الميت يرى ويسمع الزائر أو يحس بما يجري في العالم، وهل وضع ورق النخيل على رأس الميت وسقيه بالماء مشروع أم أنه بدعة فقط، وهل زيارة المرأة القبر لقراءة القرآن يفسد حجها، أفيدوني أفادكم الله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن رؤية الميت لمن يزوره مسألة غيبية يتوقف إثباتها على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة، ولا نعلم دليلاً يثبت ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وفيه آثار عن عائشة. وأما سماع الأموات كلام الأحياء فقد اختلف فيه العلماء فمنهم من أثبته ومنهم من نفاه، والصحيح أن الميت يسمع كلام الأحياء لما ثبت في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا. وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القليب فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاًً... إلى أن قال: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.
وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالسلام على أهل القبور ويقول: قولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون... الحديث
قال ابن تيمية: فهذا خطاب لهم وإنما يخاطب من يسمع. وقال في موضع آخر: إن الميت يسمع من الجملة كلام الحي ولا يجب أن يكون السمع له دائماً، بل قد يسمع في حال دون حال كما قد يعرض للحي، فإنه قد يسمع أحياناً خطاب من يخاطبه وقد لا يسمع لعارض له. اهـ
أما إحساس الميت وعلمه بما يجري في العالم، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري: إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير في الدنيا فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض انظروا أخاكم يستريح، فإنه كان في كرب شديد، قال: فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت. اهـ
وإسناده جيد كما قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء، وروي مرفوعاً ولكن إسناده ضعيف جداً كما قال العراقي والألباني، ولعل هذا هو سبب إعراض ابن تيمية عن المرفوع إلى الموقوف، والموقوف هنا له حكم الرفع لأن الغيبيات لا تعرف بالعقل. وأما وضع ورق النخيل على القبر فهو محل خلاف بين أهل العلم والراجح عدم مشروعيته، وأن وضعه على القبر كان خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم راجع الفتوى رقم: 24505.
وأما سكب الماء، فإن كان المقصود سكبه على القبر فيجوز إذا قصد به تماسك التربة وحفظ الميت من كشف التراب عنه، ولا يكون هذا إلا بعد الدفن، وأما ما يفعله العامة من رش القبر عند الزيارة فهو بدعة، وإن كان مقصود السائل سقي ورق النخيل فهو غير مشروع. وأما الرش المجرد بدون سبب ، أي أن الإنسان يرش الماء على القبر عند كل زيارة ، فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم ، وعليه ، فلا يشرع فعل ذلك ، بل هو إلى البدعة أقرب ، خاصة إذا ظن أن مثل ذلك يفيد الميت في شيء ، أو يخفف عنه ، أو يروح له في قبره ، وكل هذا باطل لا أصل له .
والأولى بالمسلم أن يقتصر على الوارد في زيارة القبور ، وهو السلام على أهلها والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة ، فهذا الذي ينتفع به الأموات ، وأما رش القبور بالماء ، فلا نفع فيه للأموات ، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (156412)
هذه قبور غير المسلمين لا تتشبهوا بهم يا مسلمين
سبق في جواب السؤال رقم : (48958) ، وجواب السؤال رقم : (14370) ، أن وضع الزهور على القبور ، لا يشرع ؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه ، بل هو أقرب إلى التشبه بالكفار ، وأفعالهم عند قبورهم ، من العناية بعمارتها ، وبنائها ، وتزيينها ، وتشييدها .
وعليه : فإذا كان على القبر شيء من تلك الزهور التي وضعت على القبر ، فإنها تزال .
فقد جاء في " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله " (3/200) : " أما تشجير المقبرة ، فهو لا يجوز ، وفيه تشبه بعمل النصارى الذين يجعلون مقابرهم أشبه ما تكون بالحدائق ، فيجب إزالتها وإزالة صنابير الماء التي وضعت لسقيها ، ويبقى من الصنابير ما يحتاج إليه للشرب ، وتليين التربة
أما زيارة النساء للقبور فالراجح جوازها للاتعاظ وتذكر اليوم الآخر شريطة ألا تفضي إلى محرم من شق الجيوب والنياحة وغير ذلك من المنكرات، وراجع الفتوى رقم: 3592 ولا تأثير لزيارة القبر على صحة الحج.
أما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت فالصحيح أنه يصل إليه الثواب، ولكن دون تخصيص القراءة عند القبر، لأن هذا مكروه كما سبق في الفتوى رقم: 14865.