سـلالة الـسومريون وليس في وسعنا رغم ما قام به العلماء من بحوث أن نعرف إلى أية سلالة
من السلالات البشرية ينتمي هؤلاء السومريون، أو أي طريق سلكوه
حتى دخلوا بلاد سومر. ومن يدري لعلهم جاءوا من آسيا الوسطى
أو من بلاد القفقاس أو من أرمينية واخترقوا بلاد ما بين النهرين
من الشمال مُتتبعين في سيرهم مجريي دجلة والفرات- حيث توجد- كما في أشور مثلا شواهد دالة على ثقافتهم الأولى.
أو لعلهم
قد سلكوا الطريق المائي من الخليج الفارسي- كما تروي الأساطير-
أو من مصر أو غيرها من الأقطار، ثم اتخذوا سبيلهم نحو الشمال
متتبعين على مهل النهرين العظيمين. أو لعلهم جاءوا من السوس
حيث يوجد بين آثارها رأس من الإسفلت فيه خواص الجنس السومري كلها.
بل إن في وسعنا أن نذهب إلى أبعد من هذا كله فنقول إنهم قد يكونون
من أصل مغولي قديم موغل في القدم.
ذلك بأن في لغتهم كثيراً من التراكيب الشبيهة بلسان المغول .
لكن علم هذا كله عند علام الغيوب. - أهلها وجنسيتهم – مظهرهم : وتدل آثارهم على أنهم كانوا قصار القامة ممتلئ الجسم، لهم أنوف
شم مصفحة ليست كأنوف الأجناس السامية، وجباه منحدرة قليلا إلى الوراء،
وعيون مائلة إلى أسفل.
وكان كثيرون منهم ملتحين، وبعضهم حليقين، وكثرتهم العظمى
يحفون شواربهم . - لباسهم : وكانوا يتخذون ملابسهم من جلود الغنم، ومن الصوف المغزول الرفيع،
وكانت النساء يسدلن من أكتافهن اليسرى مآزر على أجسامهن،
أما الرجال فكانوا يشدونها على أوساطهم ويتركون الجزء الأعلى
من أجسامهم عارياً. ثم علت أثواب الرجال مع تقدم الحضارة
شيئاً فشيئاً حتى غطت جسمهم كله إلى الرقبة.
أما الخدم رجالا كانوا أو نساء فقد ظلوا يمشون عراة من الرأس
إلى وسط الجسم إذا كانوا في داخل البيوت. وكانوا في العادة
يلبسون قلانس على رؤوسهم وأخفافاً في أقدامهم، ولكن نساء
الموسرين منهم كن ينتعلن أحذية من الجلد اللين الرقيق غير
ذات كعاب عالية، وذات أربطة شبيهة بأربطة أحذيتنا في هذه
الأيام. وكانت الأساور والقلائد والخلاخيل والخواتم والأقراط زينة
النساء السومريات التي يظهرن بها ثراء أزواجهن كما تظهره
النساء الأمريكيات في هذه الأيام. الطوفان السومري : ولما تقدم العهد بمدنيتهم- حوالي 2300 ق.م حاول الشعراء
والعلماء السومريون أن يستعيدوا تاريخ بلادهم القديم.
فكتب الشعراء قصصاً عن بداية الخلق ، وعن جنة بدائية، وعن
طوفان مروع غمر هذه الجنة وخربها عقاباً لأهلها على ذنب ارتكبه
أحد ملوكهم الأقدمين . وتناقل البابليون والعبرانيون قصة هذا الطوفان وأصبحت بعدئذ
جزءاً من العقيدة المسيحية.
وبينما كان الأستاذ َولي ينقب في خرائب أور عام 1929 إذ كشف
على عمق عظيم من سطح الأرض، عن طبقة من الغرين سمكها
ثمان أقدام، رسبت - إذا أخذنا بقوله - على أثر فيضان مروع
لنهر الفرات ظل عالقاً بأذهان الأجيال التالية ومعروفاً لديهم
باسم الطوفان، وصفها الشعراء فيما بعد بأنها العصر الذهبي
لتلك البلاد. - الملوك : وحاول الكهنة المؤرخون في هذه الأثناء أن يخلقوا ماضياً يتسع لنمو
جميع عجائب الحضارة السومرية. فوضعوا من عندهم قوائم بأسماء
ملوكهم الأقدمين، ورجعوا بالأسر المالكة التي حكمت قبل الطوفان
إلى 000ر432 عام ، ورووا عن اثنين من هؤلاء الحكماء وهما
تموز وجلجامش من القصص المؤثرة ما جعل ثانيهما بطل أعظم
ملحمة في الأدب البابلي.
أما تموز فقد انتقل إلى مجمع الآلهة البابليين، وأصبح فيما بعد أدونيس اليونان. ولعل الكهنة قد تغالوا بعض الشيء في قدم حضارتهم ولكن في وسعنا أن نقدر عمر الثقافة السومرية تقديراً تقريبياً إذا لاحظنا أن خرائب نيبور تمتد إلى عمق ست وستين قدما ًوأن ما يمتد منها أسفل آثار سرجون ملك أكد يكاد يعدل ما يمتد فوق هذه الآثار إلى أعلى الطبقات الأرضية (أي إلى بداية القرن الأول من التاريخ الميلادي).
وإذا حسبنا عمر نيبور على هذا الأساس رجع بنا إلى عام 5262 ق.م. ويلوح أن أسراً قوية من ملوك المدن مستمسكة بعروشها قد ازدهرت في كش حوالي عام 4500 ق.م وفي أور حوالي 3500 ق.م.
وإنا لنجد في التنافس الذي قام بين هذين المركزين الأولين من مراكز الحضارة القديمة أول دور من أدوار النزاع بين السامية وغير السامية، وهو النزاع الذي يكوَّن في تاريخ الشرق الأدنى مأساة دموية متصلة تبدأ من عظمة كش السامية وتستمر خلال فتوح الملكين الساميين سرجون الأول وحمورابي إلى استيلاء القائدين الآريين قورش والإسكندر على بابل في القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، وإلى اصطراع الصليبيين والمسلمين لامتلاك قبر المسيح، وإلى التسابق التجاري، وتمتد إلى هذا اليوم الذي يحاول فيه البريطانيون جاهدين أن يسيطروا على الأقوام الساميين المنقسمين على أنفسهم في الشرق الأدنى وينشروا السلام في ربوعه.