كانت تتأمل حبل الغسيل وكأنه قطعة ٌ فنية ٌ أبدعها أحدُهم، اقتربت منه أكثر وبدأت تتلمسه بهدوء، تحدق النظر بأطرافه..
جميع الجيران يتحدثون عنها يومياً، إنها إمرأة الحبل..! الأطفال يتراشقون الضحك عليها أثناء مرورها في الشارع، لمجرد أنها تعشق حبل الغسيل لم يكن أحدهم
ليستوعب أن في حبل الغسيل أسطورةٌ مخبأة… كتبتْ يوماً له :
عزيزي حبل الغسيل..
كيف حالك والطقس؟ أأنت بخير..؟ أرجو أن لا يكون البرد مزعجاً..
يبدو أن تعلقي بك أصبح إثماً أُعاقب عليه، لم أعرف أن تأمل حبل الغسيل حرام! هل هو كذلك شرعاً؟ لا أعرف .. دعنا من ذلك الآن..
منذ أول يوم وِلدتُ تعلق أمر انفصالي عن أمي بحبل..!لم أرد ذلك، فعلوه غصباً عني ومن غير أن أشعر “كما يدعون”،
يومها بكيت كثيراً، أيقنت لحظتها أن العالم مزعج وكئيب ويهوى تقطيع الحبال!
كبرتُ قليلاً لأرى أنك لعبة ٌ مسلية ٌ للأطفال، أيعقل ! يشدونك من طرفين حتى تكاد تتمزق ويصر أحدهم على الفوز
فتضطر أن تُوقع أطفال الطرف الآخر، رغم أنك كل يوم تحمل ملابسهم وتعرضها للشمس حتى تجف،
لكنك لم تحتمل أن يشدوك بهذه الطريقة- لك الحق- ! ،ابنة جارتنا كان تمسكك من أذنيك وتبدأ العد والقفز،
مرات كثيرة أوقعتها فقامت برميك! لم تعرف يوماً التعامل بلطف..
أذكر في أحد الأيام كيف كنت َوسيلة ً لجر سيارة أبي، ربطوها بك كما كنتُ تماماً يوم ولدت وسحبوها لمكان ٍما،
رموك جانباً وكالعادة نسوا أهميتك وفائدتك… أعرف أنك كما علقتها بك، تستطيع أن ترفع خيمة وتسكن عائلةً كاملة،
وكيف تشنق جيشاً بأسره، وقادة برؤوس ٍ أعيت شعوبها
وأعرف كم من السهل عليك أن توصل أناساً للقمم تركبهم نفسك لنهاية الطريق القابع في رؤوسهم
أيقن تماماً كم أنك قادرٌ على فصل بلدين ووصل حبيبن وتطويق العالم أجمع في طرفين ..
أصارحك.. أ
أثناء نشر الغسيل كنت أكره الملاقط وهي تعضك، أحاول بأسرع وقت أن أبعدها عنك
لكني استنتجت بعد ذلك أنكما على وفاق ٍ تام ولا يزعجك التصاقها بك.. ! سمعت قطع الغسيل تتهامس
--نتشبث به بقوة …
ويتمايل بخجل ليهزنا..
يشدنا إليه أحياناً .. ويلفنا حوله ثم ينفضنا في الهواء …
كنا لنطير لولا الملاقط!!--
وأقول لك كذلك أن أمي كانت تحمل همومها والغسيل وتضعها عليك أيضاً..
كان بإمكانك أن تتحمل كل شيء من غير تذمر .. !
في النهاية .. كبرت وكَبرَ معي حلم النشر،نشر همومي ونشر أوراقي ..
بدأت أتمنى لو أن الآخرين يقرأوون ما أكتب..
حاولت كثيراً أن أنشرها، لكني أيقنت بعد ذلك أنك وسيلة النشر الوحيدة التي لا تملك سياسة ً للكتابة ولا خطوطاً حمراء،
وبدأت بهواية ٍ جديدة كل صباح بوضع الأوراق عليك وجعلها سعيدة لأنك كنت وما زلت وستبقى ملاذها الأخير،
بعد ان تفلت نفسها منك وتطير لتقع بيد ِ أحدهم ويعرف أنّ هناك روحاً مستيقظةً في الجانب الآخر من الحبل ...وتفكر…!