خاطرة عن الوطن تعبِّرُ كلمة الوطن عن أصدقِ معاني الحبّ والتعلّق، فهو ليس مجرّد قطعة محدّدة من الأرض يعيش فيها الإنسان ويمارس فيها نشاطاتِه اليوميّة، بل إنه قطعة من روح الإنسان، فالإنسان الذي يعيش في وطنه يستشعر الدفء من الشمس التي تطلع فيه، والخير ممّا ينبت فيه أرضه، ويشعر بأنّه منسجم في البيئة التي وُلدَ فيها من خلال اللهجة المحليّة التي يتكلّم بها ذات الأفراد في البيئة الاجتماعية المحيطة، وما يوجد في هذه البيئة من الإرث التاريخي والحضاري الذي يساهم في تكون الشخصية الإنسانية، أمّا الإنسان الذي يعيش خارج وطنه فهو يشعر بحالةٍ من النقص في داخله؛ لأنه يفتقد إلى تراب وطنه، وكلّ ما هو محسوس فيه. وحب الأوطان من الإيمان لأن هذا الحب يتم ترجمته إلى سلوك حقيقي وليس مجرد كلمات يتم كتابتها لتزيين الجدران أو لتقرأ في الكلمات الصباحية والإذاعات المدرسية، فالجندي الذي يحب وطنه يقف كالصنديد في وجه الأعداء، ويبذل روحه رخيصة في سبيل حمايته من الخطر، والمزارع يهتمّ بالأراضي الزراعية ويعمل على أن تكون خيرات أرضِهِ أفضلَ الخيرات في الأرض، والمعلم يبذل أقصى جهده في تعليم الجيل وتحصينه بالمعرفة كما يغرس في الطلاب مفهوم حبه وكيف يتم ترجمة هذا الحب إلى سلوك حياة، وعامل النظافة يحرص على أن تكون جميع المرافق فيه نظيفة لأن هذا يزيد الوطن جمالاً، والعالم يسعى إلى بذل المعرفة من أجل الوصول إلى ابتكارات تُسهم في رفعتِه وتقدّمِه وسيادتِه. Volume 0% وعلى جميع المواطنين أن يتسابقوا في البذل من أجل يكون الوطن بأفضل حال، وأن يقوموا بتأدية جميع الواجبات التي تترتب عليهم تجاهه قبل أن يطالبوا بحقوقهم داخله، فالمواطن الحقيقي هو الذي يسعى إلى خدمة وطنه قبل أن يخدمه وطنه، أما من يسعى إلى نهب خيراته، ويقدم مصلحته الشخصية على المصلحة الوطنية العامة فهو إنسان لا يعرف معنى المواطنة الحقيقية، لأنه يسرق نفسه قبل أن يسرق الوطن، وما يظن بأن قد حققه لذاته من منافع مؤقته لن يعود عليه في المستقبل إلا بالخزي والعار، ومن باع وطنه فكأنما باع أهله ونفسه دون مقابل. وعلى الإنسان أن يفتخر بهويته الوطنية، وأن يكون مثالًا للمواطن الصالح الذي يتحوّل حبه لوطنه إلى سلوك حقيقي بعيدًا عن العبارات المنمقة، والشعارات الرنانة ألا تسمن ولا تغني من جوع، فالوطن أم يجب أن نقدم لها الرعاية والاهتمام، ونعطيها حقها من البر والوفاء والطاعة، خاصة عند اشتداد الأزمات، والوصول إلى المنعطفات الخطرة التي تبدأ بعدها التحولات السلبية على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي، وفي هذه الحالات يجب على المواطنين توحيد الصفوف والوقوف بثبات أمام جميع التحديات، فالجميع للوطن والوطن للجميع.