ما هو الصراط؟
الصراط لغة: الطريق الواضح الواسع
وشرعًا: جسر ممدود على جهنم، يعبر الناس عليه إلى الجنة.
الصراط ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع:
فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: ٧١]، فقد فسَّرها
عبد الله بن مسعود، وقتادة، وزيد بن أسلم رضي الله عنهم بالمرور على الصراط، وفسَّرها
جماعة منهم ابن عباس رضي الله عنهما بالدخول في النار، لكن ينجون منهـا.
وأمَّا الكفار، والمنافقون فواضح دخولهم النار، فتكون الآية في حقهم على ظاهرها.
ومن السُّنة: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الطويل وفيه: " ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ
عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ"[1]. وأجمع أهل السُّنة على إثبات الصراط.
حال المؤمنين حين المرور على الصراط:
تقدّم أن عرفت شيئًا من ذلك، فالمؤمنون إذا وضع الصراط فوق جهنم، سيكون
الحال ظلام دامس، وتحت الصراط نار سوداء مظلمة، فلا يمكن أن يتجاوزوا إلا بنور
من الله تعالى فيعطيهم الله تعالى نورًا كما سبق.
قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ
الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الحديد:12].
وتكون سرعة تجاوزهم الصراط على حسب أعمالهم، ولا تظن أن المرور على الصراط هيِّن
فالنار أسفل منه، والصراط مدحضة؛ أي: زَلْقٌ، تَزْلُقُ فيه الأقدام، وفيه كلاليب؛ أي:
حديد معطوفة الرأس، تعلق فيها الأشياء، تخطف؛ أي: تسلب الأشياء بسرعة، ويكفي في ذلك
أنه فوق جهنم، ولذا دعاء النَّبي صلى الله عليه وسلم والرسل - عليهم الصلاة والسلام- حينئذ:
" اللَّهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ "، وما ذاك إلا لهول الموقف، والناس يمرون بحسب أعمالهم، ومن الناس
من يكون عمله قليلا لا يسعفه أن يمر، ويتجاوز الصراط، فيسقط في جهنم، والعياذ بالله.
جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وحذيفة رضي الله عنهما قالا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديث الشفاعة، وفيه -:" فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا
صلى الله عليه وسلم فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ، يَمِينًا
وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ" قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: " أَلَمْ تَرَوْا إِلَى
الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ، وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ
أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى
يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ، إِلَّا زَحْفًا" قَالَ: "وَفِي حَافَتَيْ الصِّرَاطِ: كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ
مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النّـَارِ"[2].
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه المتفق عليه، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم:
"... ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ. وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ!
وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: "دَحْضٌ مَزلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ، وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ. تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ
يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ. فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ
وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.... "[3].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في عقيدته الواسطية: "يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمنهم
من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد
ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم
من يزحف زحفًا، ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم". نسأل الله حسن التجاوز عن ذنوبنا في الدنيا، وعلى الصراط يوم الفرار.
قال ابن حجر رحمه الله عند ذكر الأمانة، والرحم في الحديث السابق:" أي يقفان في ناحية الصراط
والمعنى أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما، وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما، يوقفان هناك
للأمين، والخائن، والواصل، والقاطع فيحاجان عن المحقّ، ويشهدان على المبطل "[4].
مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"
[1] رواه البخاري برقم (7440)، رواه مسلم برقم (183).
[2] رواه مسلم برقم (195).
[3] رواه البخاري برقم (7440)، رواه مسلم برقم (183).
و(مدحضة مزلة): أي زَلْقٌ، تَزْلُقُ فيه الأقدام، (كلاليب): جمع كلُّوب؛ وهي حديدة معطوفة
الرأس يعلق فيها اللحم، ويرسل إلى التنور، (خطاطيف): والخطف: استلاب الشيء وأخذه بسرعة
و (الحسك): نبات خشن يتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ شبيهاً له من حديد؛ ليكون من آلات الحرب.
[4] انظر: الفتح المجلد (11) كتاب لرقاق، باب الصراط جسر جهنم.