03-08-2017, 09:09 AM
|
|
|
|
الأم في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
المقـدمة
الحمد لله الذي اختص بالبقاء والدواء، وكتب على جميع الخليقة الفناء والزوال، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل... أما بعد:
فإن الله عز وجل خلق الخليقة وجعل الموت والحياة للابتلاء والامتحان، كما قال عز وجل {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}([1]).
وحكم بأن مصير الخلائق كلها ومردها إليه سبحانه ليجازي كلاً بما عمل كما قال عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}([2]).
وجعل هذه الحياة الدنيا مزرعة للآخرة، يتزود فيها المؤمن العمل الصالح للدار الآخرة: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}([3])، وجعل الدار الآخرة دار الجزاء والثواب والعقاب، وأرسل عز وجل الرسل، وأنزل عليهم الكتب، إرشادًا للخلق وإقامة للحجة عليهم، كما قال عز وجل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}([4]).
ولم يلحق رسول الله r بالرفيق الأعلى إلى بعد أن بلغ أمته البلاغ المبين، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها سواء لا يزيغ عنها إلا هالك وقد أعلمه ربه – بأبي هو وأمي – صلوات الله وسلامه عليه بدنو أجله ليكثر من العبادة، وتسبيح الله، وتحميده، واستغفاره استعدادًا للقاء ربه – وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر – فكان r أكثر ما يكون اجتهادًا في أمر الآخرة استجابة لأمر الله عز وجل له بقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} ولنا فيه صلوات الله وسلامه عليه الأسوة والقدوة. فينبغي للمسلم أن يستعد لهذا اللقاء العظيم، ويزداد استعدادًا كلما تقدم به العمر ليتدارك بقية عمره ويعوض ما فاته.
فتدبر أخي الكريم هذه السورة العظيمة التي آذن الله بها رسوله r بدنو أجله ليتهيأ ويستعد للقاء ربه، وتدبر كلام أهل العلم عليها الذي لخصته في هذا الكتاب وسميته «تدارك بقية العمر في تدبر سورة النصر» عسى الله أن ينفعني وإياك بذلك، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي ووالدي، إنه جواد كريم، وملك بر رءوف رحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة النصر، وتسمى سورة «التوديع»([5])
قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
وقت نزولها:
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: يا ابن عتبة، أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت؟ قلت: نعم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قال: صدقت»([6]).
وعن ابن عمر t قال: «نزلت هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} على رسول الله r أوسط أيام التشريق([7])، فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت، ثم قام فخطب الناس..» فذكر خطبته المشهورة([8]).
موضوعها:
الإيذان بقرب وفاته r، وحثه على لزوم التسبيح بحمد الله، واستغفاره.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} دعا رسول الله r فاطمة وقال: «إنه قد نعيت إلي نفسي» فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: «اصبري فإنك أول أهلي لحاقًا بي فضحكت»([9]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال إنه ممن علمتم. فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت له أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم. فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، قال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله r أعلمه له قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، فذلك علامة أجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فقال عمر بن الخطاب t: «لا أعلم منها إلا ما تقول»([10]).
قال ابن كثير([11]): «فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر y أجمعين من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره؛ يعني: ونصلي له، ونستغفره معنى مليح صحيح، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي r يوم فتح مكة ثماني ركعات. وفي سنن أبي داود: «أنه r كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين»([12]).
وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص t يوم فتح المدائن».
قال ابن كثير: وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله عنهما من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله r نفسه الكريمة: واعلم أنك إذا فتحت مكة – وهي قريتك التي أخرجتك ودخل الناس في دين الله أفواجًا فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا، فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}».
وروي أنها لما نزلت خطب رسول الله r: «إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء الله. فعلم أبو بكر t فقال: بل نفديك، أو فديناك بآبائنا وأمهاتنا وأموالنا»([13]).
وهكذا روي عن جميع المفسرين من التابعين ومن بعدهم أنها في الإخبار بدنو أجله r والاستعداد للقاء ربه ([14]).
معاني المفردات والجمل:
قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}«إذا» ظرفية شرطية غير عاملة قال الزمخشري ([15]): «منصوب بسبح وهو لما يستقبل. قال: والإعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة»([16]).
و «جاء» فعل ماض مبني على الفتح، وهو فعل الشرط.
قوله: {نَصْرُ اللَّهِ} عونه لك على الأعداء من كفار قريش وغيرهم.
قوله: {وَالْفَتْحُ} فتح مكة.
قال ابن كثير([17]): «والمراد بالفتح ههنا فتح مكة قولاً واحدًا، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون إن ظهر على قومه، فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا».
وكان فتح مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، وحين دخلها r وقف على باب الكعبة ثم قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»([18]).
قوله تعالى: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}.
قوله {وَرَأَيْتَ} الخطاب للنبي r.
و{النَّاسَ} البشر، بنو آدم من العرب وغيرهم.
قوله: {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ} يدخلون في محل نصب على الحال، على اعتبار أن «رأيت»، بصرية أو هي مفعول ثان على اعتبار «رأيت» علمية ([19]).
ومعنى {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ} أي: يسلمون، فيدخلون في دين الله «الإسلام» الذي لا يقبل الله الآن من أحد سواه، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([20]).
وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}([21]).
قوله: {أَفْوَاجًا} جمع فوج، والفوج الجماعة، أي جماعات.
عن عمرو بن سلمة t قال: «لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله r، وكانت الأحياء تتلوم ([22]) بإسلامها فتح مكة، يقولون: دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم، فهو نبي»([23]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله r في المدينة إذ قال: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن. قيل يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال : قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية»([24]). وفي رواية زيادة «سخية قلوبهم عظيمة خشيتهم، فدخلوا في دين الله أفواجًا»([25]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية»([26]).
قال ابن كثير ([27]): «فلما فتح عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت ([28]) جزيرة العرب إيمانًا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، ولله الحمد المنة».
وعن جابر بن عبد الله t أنه بكى ذات يوم فقيل له: ما يبكيك؟ قال سمعت رسول الله r يقول: «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون من دين الله أفواجًا»([29]).
والمعنى: إذا أتم الله لك النصر على الأعداء وفتح مكة ودخل الناس في دين الله جماعات جماعات فسبح بحمد ربك الخ. ويؤيد هذا ظاهر السياق، وإجراء «إذا» على معناها للاستقبال ويكون في هذا البشارة بحصول ذلك، وذلك علم من أعلام نبوته r، ويكون نزول السورة قبل فتح مكة.
ويحتمل أن المعنى: قد جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجًا. ويؤيد هذا ما جاء من أن هذه السورة نزلت في حجة الوداع، وفتح مكة قبل ذلك بسنتين تقريبًا، ويكون في ذلك الامتنان عليه r بما تم من النصر والفتح، ودخول الناس في دين الله أفواجًا ([30]).
قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
قوله (فَسَبِّحْ) هذا أمر، والأمر في الأصل للوجوب.
والتسبيح: هو تنزيه الله عن النقائص والعيوب، وعن مشابهة المخلوقين.
وقوله {بِحَمْدِ رَبِّكَ}.
أي: متلبسًا بحمده، أي: حامدًا له قارنًا بين تسبيحه عز وجل وحمده، بقولك: «سبحان الله وبحمده» «سبحانك ربنا وبحمدك» ونحو ذلك، وبما هو أعم من ذلك، بذكره وشكره عز وجل، وعبادته والصلاة له وغير ذلك، ولهذا لما فتح r الكعبة صلى ثمان ركعات ([31]).
{وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: سله واطلب منه المغفرة.
والمغفرة: هي ستر الذنب عن الخلق، والتجاوز عن عقوبته كما جاء في حديث ابن عمر t في المناجاة: «أن الله عز وجل يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه (أي ستره ورحمته) فيقرره بذنوبه، فيقول: أتذكر يوم كذا وكذا حين فعلت كذا وكذا؟ فيقول: أي رب نعم. فيقول الله عز وجل: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»([32]).
وقرن التسبيح والتحميد باسم الرب وصفة الربوبية تذكيرًا بنعمه عز وجل، وهو أنه هو المربي بنعمه.
قوله: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
كان: مسلوبة الزمان، أي: كان وما زال سبحانه وتعالى توابًا.
و {تَوَّابًا}: اسم من أسماء الله عز وجل على وزن فعال، صفة مشبهة، أو صيغة مبالغة، يدل على أنه عز وجل من صفته التوبة الواسعة الكثيرة العظيمة، فهو كثير التوفيق لعباده للتوبة، كثير القبول لتوبة من تاب منهم.
وتوبة الله على العبد تنقسم إلى قسمين: توفيقه عز وجل للعبد أن يتوب، كما قال عز وجل عن الثلاثة الذين خلفوا {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}([33]) أي: وفقهم للتوبة ليتوبوا، والقسم الثاني. قبوله توبة عبده إذا تاب، كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}([34]).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى رسول الله r بعد إذ أنزلت عليه سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقول: فيها: «سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»([35]).
وعنها قالت: «كان رسول الله r يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» يتأول القرآن»([36]).
وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يكثر في آخر أمره من قول «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابًا، فقد رأيتها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}»([37]).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: «سبحان الله وبحمده» فقلت يا رسول الله، إنك تكثر من «سبحان الله وبحمده» لا تذهب ولا تجيء، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: «سبحان الله وبحمده»؟ قال: إني أمرت بها، فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخر السورة»([38]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قال: نعيت لرسول الله r نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة...»([39]).
الفوائد والأحكام:
1- البشارة بنصر الله لرسوله r وفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره، بعد أن كانوا من أعدائه. وقد وقع هذا المبشر به([40]).
2- تحقيق نصر الله عز وجل للرسول r والمسلمين وتمكينهم من فتح مكة وغيرها لقوله {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قال بعضهم: المعنى: قد جاء نصر الله والفتح.
3- دخول الناس في دين الله أفواجًا بعد نصر الله لرسوله r والمسلمين وفتح مكة، بخلاف ما كان عليه الأمر قبل الفتح، ولهذا قال عز وجل: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}([41]).
4- امتنان الله على رسوله r بنصره لهم، وفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، وأن ذلك من نعم الله تعالى عليهم الموجبة لشكره، ولهذا قال بعده {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}.
5- أن النصر بيد الله عز وجل لقوله {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} كما قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}([42]).
وقال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([43]).
وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}([44]).
وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}([45]).
6- الأمر بشكر الله على نعمة النصر، وفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، لقوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}([46]).
7- وجوب تنزيه الله عز وجل عن النقائص والعيوب وعن مشابهة المخلوقين، مقرونًا ذلك بحمده عز وجل لقوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}.
8- أن لله عز وجل الكمال المطلق من جميع الوجوه، والحمد المطلق، فهو المنزه عن جميع النقائص والعيوب وعن مشابهة المخلوقين، وهو المحمود في جميع الأحوال وعلى كل حال لقوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}.
9- التذكير بنعم الله على العباد التي لا تحصى، من نعمة النصر والفتح، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، لقوله {بِحَمْدِ رَبِّكَ} فقرن الحمد باسم الرب ووصف الربوبية فيه تذكير بنعمه عز وجل كما قال عز وجل {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}([47])، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}([48]).
10- أمر الله عز وجل للرسول r بالاستغفار وهو أمر له r ولأمته ممن يصلح له الخطاب بقوله {وَاسْتَغْفِرْهُ}.
ولهذا كان r يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة، أو أكثر من مائة مرة»([49]).
وكان يقول r: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»([50]).
وكان r يقول في دعائه: «اللهم اغفر خطئي وعمدي، وجدي وهزلي، وإسرافي في أمري، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير»([51]).
وليس في أمره عز وجل لنبيه r بالاستغفار ما يلزم منه وقوع الذنب منه r مع أنه r وكذا غيره من الأنبياء معصومون من الخطأ في تبليغ ما أرسلوا به، ومن الوقوع في الكبائر، أما الصغائر فقد تقع منهم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لكنهم لا يقرون عليها، بل سرعان ما يتوبون منها([52]).
11- الإشارة إلى أن النصر يستمر للدين، ويزداد عند شكر الله بالتسبيح بحمده واستغفاره، كما قال عز وجل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}([53]). ولم يزل نصر الله لدينه في عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم لما كانت الأمة شاكرة لله عز وجل، مسبحة لحمده مستغفرة، قائمة بأمره متمسكة بحبله، ولما حدث في الأمة ما حدث من المخالفة لأمر الله أصابها ما أصابها من الضعف والاختلاف والتفرق، ووعد الله بالنصر ثابت لا يتخلف. كما قال عز وجل {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}([54]).
12- وجوب شكر الله على نعمة النصر على الأعداء والفتح للمسلمين وعلى كل نعمة من نعمه عز وجل بتسبيحه وتحميده واستغفاره والتوبة إليه، لقوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}.
13- مشروعية سجدة الشكر، وقول «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي» في الركوع والسجود لقوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: وكان رسول الله r يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. يتأول القرآن»([55]).
14- الإشارة إلى قرب دنو أجله r، وحثه r على ختام عمره بالتسبيح بحمد الله واستغفاره، ليستعد ويتهيأ للقاء ربه ([56]).
15- فضل التسبيح والتحميد والاستغفار، لأن الله أمر بذلك في ختام الأعمار، كما في هذه السورة، وأمر به في ختام الأعمال، كالصلاة والصوم والحج وغير ذلك.
16- وجوب الاستعداد للقاء الله عز وجل، والانتقال من هذه الدار الفانية إلى الدار الآخرة الباقية، كما قال عز وجل: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}([57]). أي: لهي الحياة الحقيقية، فيجب على كل إنسان الاستعداد لهذا اللقاء العظيم، ولذلك الانتقال، وأن يزداد في الاستعداد لذلك كلما تقدم به العمر، فيكثر من التسبيح بحمد الله واستغفاره فإن التسبيح والتحميد والاستغفار ختام الأعمال وختام الأعمار، ولنا في نبينا r خير أسوة فقد أمره الله عز وجل بذلك بعد أن أتم له النصر والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وتقدم به العمر صلوات الله وسلامه عليه، فكان يكثر من تسبيح الله عز وجل وحمده واستغفاره وذكره استجابة لأمر الله عز وجل له في هذه السورة، وفي قوله {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}([58]). فكان أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما([59]).
وإليك أخي الكريم هذه الفائدة في كيفية الاستعداد للقاء الله عز وجل:
|
|
|
|
hgHl td hgrvNk hlgH hgrvNk
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
03-08-2017, 09:16 AM
|
#2
|
رد: الأم في القرآن
جزاك الله خيرا
جعله في ميزان حسناتك
على طرحك القيم والمفيد
انتظر جديدك بكل الشوق
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ ملاك الورد على المشاركة المفيدة:
|
|
03-08-2017, 10:17 AM
|
#3
|
رد: الأم في القرآن
جزاكٍ المولى خيرض الجزاء
وفقتِ للخيرَ
وبلغتَ المُنى
دمتِ على نورَ
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ وَ على المشاركة المفيدة:
|
|
03-08-2017, 12:55 PM
|
#4
|
رد: الأم في القرآن
أسْع‘ـدَالله قَلِبِكْ .. وَشَرَحَ صَدِرِكْ ..
وأنَــــآرَدَرِبــكْ .. وَفَرَجَ هَمِكْ ..
يَع‘ـطِيِكْ رِبي العَ‘ــآآإفِيَه عَلىآ الطَرِحْ المُفِيدْ ..~
جَعَ‘ـلَهْ الله فِي مُيزَآإنْ حَسَنَـآتِك يوًم القِيَــآمَه ..
وشَفِيعْ لَك يَومَ الحِسَــآإبْ ..~
شَرَفَنِي المَرٌوُر فِي مُتَصَفِحِكْ العَ ـطِرْ ..~
دُمت بَحِفْظْ الرَحَمَــــن ـآ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-08-2017, 03:00 PM
|
#5
|
رد: الأم في القرآن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-08-2017, 06:51 PM
|
#6
|
رد: الأم في القرآن
الله عليك رحليووة موضوع قيم ورائع
جزاك الله كل خير
دوم التميز والابدااع بمتصفحك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-08-2017, 07:14 PM
|
#7
|
رد: الأم في القرآن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-08-2017, 07:43 PM
|
#8
|
رد: الأم في القرآن
ملاك
تسسسلم الايـآدي
الله يعطيك الف عافيه يـآرب
لروحك الجوري
وودي
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-08-2017, 07:43 PM
|
#9
|
رد: الأم في القرآن
مها
تسسسلم الايـآدي
الله يعطيك الف عافيه يـآرب
لروحك الجوري
وودي
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-08-2017, 07:43 PM
|
#10
|
رد: الأم في القرآن
تسسسلم الايـآدي
الله يعطيك الف عافيه يـآرب
لروحك الجوري
وودي
اميره
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 07:38 PM
| | | | | | | | | |