قضاء الله سبحانه لنا عدل، ولن يقضى علينا بمثقال ذرة ظلمًا، {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]، ولابد أن نستشعر ذلك بقلوب يملؤها اليقين بأمر الله والرضا بقضائه وقدره... فعندما جاء جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي كما في الحديث الشريف وسأله عن الإيمان قال صلى الله عليه وسلم «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» فقال جبريل: "صدقت" (صحيح الجامع).
ولأننا نحب الله تعالى فنحن نرضى بقضائه، ونصبر على بلائه، ونشكره على نعمائه.
ولأننا نريد الجنة فنحن نوقن بالجزاء الحسن لأهل الإيمان واليقين، ولو عانينا بعض المعاناة في ذلك، إذ نعلم بيقين أن تلك المعاناة مؤقتة سريعة الانقضاء.
ولأننا مسلمون نستسلم لأمر الله تعالى، فنحن نعلم أن كل أمر ينزل بالمؤمن فهو خير له، سواء أكان هذا الأمر يحبه أو لا يحبه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ. إن أمرَه كلَّه خيرٌ. وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ. إن أصابته سراءُ شكرَ. فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراءُ صبر. فكان خيرًا له» (رواه مسلم).
لقد قضى الله تعالى على النبيين وهم أطيب الخلق، المعصومون من الآثام، بأشد الابتلاءات، وما كان عليهم إلا الرضا والصبر، وقد صبروا وضربوا اروع الأمثلة في الصبر والرضا: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34] .
فكيف بنا نحن؟! ولماذا لا نتأسى بهم وهم أدرى الخلق وأحكمهم، وابصرهم بمعاني الحياة والموت، فهذه الدار دار فناء، والتعلق بها زائل والسعادة فيها مؤقتة.
إن الحياة دار ابتلاء واختبار، وكل ما فيها معد للفناء، فإما أن نرحل عنه أو يرحل عنا، وإما أن نستعد لفراقه، أو نصبر على رحيله عنا. حتى أجسادنا وجوارحنا، فهي أمانة عندنا، يجب أن نتقي الله فيها، ونستخدمها في مرضاة الله والإصلاح على أمر الله، فهي شاهدة علينا.
إننا نتناسى تاريخًا طويلًا من الآثام عصينا فيه ربنا، وزمنًا ماضيًا من الغفلة لم نشكر فيه على النعماء، ولم نقم فيها بحق الوفاء. إن الضجر والغضب من قضاء الله سبحانه سمة الحمقى، فالقضاء نازل بنا، فإما أن نستعد له إيمانيًا، ثم نصبر عليه، ونرضى به، وإما أن نحرق أنفسنا ليل نهار، ثم لايكون لنا إلا ما قضي لنا، فاي الفريقين أحق بالصواب؟!
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى ربه عند هجوم الهموم بهذا المعنى العظيم، فيقول في دعائه: "اللهم.. عدل
فينا قضاؤك ماضٍ
فينا حكمك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا".
إن من رزق الله سبحانه أن علمنا كنزًا من كنوز الدعاء عندما تضيق الدنيا في عيوننا بقول {لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] قالها يونس عليه السلام عندما كان في الظلمات في بطن الحوت، ففرج الله كربته. ورزقنا بقول "يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث" نرددها بيقين فترتاح قلوبنا، وتهدأ نفوسنا.
ورزقنا بكلمة "أستغفر الله" صاحبة السر الجميل، التي لا تدع حيرة إلا واستحالت هدى، ولا هما إلا وتحول سعادة ورضا.
يا رب عدل
فينا قضاؤك، أنت خلقتنا وتعلم حالنا وليس لنا رب سواك ندعوه، نؤمن بك، ونتوكل عليك، أنت مولانا فانصرنا واهدنا واسترنا وسددنا.
.