لمهارات التفاوض ودبلوماسية الإقناع
يعتبر(التفاوض)
من الأمور التي نمارسها باستمرار.
وهو عملية ديناميكية تحدث في مواقف حياتنا اليومية
ولكن ما هو التفاوض .. ؟
هو سلوك طبيعي يستخدمه الإنسان عند التفاعل مع محيطه،
وهو عملية التخاطب
والاتصالات المستمرة بين جبهتين
للوصول إلى اتفاق يفي بمصالح الطرفين.
وهي عملية الحوار والتخاطب
والاتصالات المستمرة بين طرفين
أو أكثر بسبب وجود نقاط اتفاق واختلاف في المصالح المشتركة.
ونحن نعيش عصر المفاوضات سواء بين الأفراد والجماعات المنظمة وعلى المستويات الكبيرة والصغيرة
وعلم التفاوض يستمد حتميته
من كونه المخرج أو المنفذ الحضاري الوحيد
الممكن استخدامه
لمعالجة القضايا التفاوضية العالقة بين الناس.
وقد نشأ العلم عبر التاريخ وأوردته النصوص التاريخية
المختلفة وتاريخنا الإسلامي زاخر
بالشواهد القصصية, والأدلة القرآنية
حول هذا جانب كثيرة, فالتفاوض
كأداة للحوار جوهر الرسالة الإسلامية
والأسلوب القرآني خير دليل على ذلك
كأفضل أسلوب للإقناع ،
قال تعالى: "
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن "،
ويقول تعالى : "لا إكراه في الدين"
والإمام علي رضي الله عنه يقول :
" الناس صنفان : أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق "
وقد تطور هذا العلم على مر العصور
وأصبح في الوقت الراهن ضرورة وحتمية
ونحن اليوم في عصر العلم والتكنولوجيا.
ومن المهم جداً نشر الوعي بين
الناس بأهمية الحوار التفاوضي الإيجابي
باستخدام الأساليب العلمية الحديثة
وتسخير وسائل الإعلام والمناهج الدراسية
وتصميمها لتبدأ الأجيال حواراً يوسع مداركنا
ويعدد خياراتنا، وينضج عقولنا ويدفعنا للتفاعل
مع العالم الخارجي وفهمه والإحاطة
بعالمنا نحن أيضًا
والحفاظ على هويتنا وتعزيز انتمائنا،
ويساعد على ذلك اتساع رقعة العالم الإسلامي
بأطرافه المترامية المتصلة مع الآخر شرقاً
وغرباً شمالاً وجنوباً فهذا يوفر للمسلمين
والعرب خاصة منتدى دولياً أو منبراً حوارياً
لكي يتحاوروا ويتناقشوا بحيث تصبح لغة التفاوض
الإيجابي سمة أصيلة
في حياتنا وشخصياتنا وبذلك نزرع في أجيالنا
الناشئة هذه المهارة بقواعدها الذهبية
ليتسنى لهم تبني قيم الحوار الإيجابي والتفاوض
الحر مع بعضهم البعض ومن ثم مع غيرهم
سنعرض موقفاً عملياً لمشكلة
نتعرف من خلالها على أهمية التفاوض
ودوره في حل المشاكل وتفادي التداعيات :
يعمل أحد المصانع بنظام الورديات، حيث يوجد به ورديتا عمل صباحيةـ مسائية
. يدير الوردية الأولى شاب ذكي ومؤهل ...
أما الوردية الثانية فيديرها موظف
قد تجاوز الخمسين عاماً
قضى عمره في المصنع ،فأصبح
ذا خبرة كبيرة في الآلات وطريقة عملها.
وذات يوم خطرت ببال الموظف الشاب
فكرة جديدة لتطوير عمل الآلات وزيادة إنتاجيتها
لكن تنفيذها يحوي بعض المخاطر على سلامة الآلات
وعرض الفكرة على المدير وناقشه فيها،
فوافق المدير عليها.
أسرع الموظف بتنفيذ الفكرة،وبالفعل
زادت سرعة الإنتاج، وعند اقتراب موعد انتهاء
ورديته، اضطر الشاب للخروج مبكراً
من العمل، لارتباطه بموعد مهم،
فكتب التعديلات التي أحدثها
على عمل الآلات والهدف منها
في ورقة، ووضعها على طاولة الموظف
صاحب الخبرة الذي يدير الوردية المسائية،
ولم يستطع انتظاره حتى يحضر ويحاوره في ذلك،
فانصرف
.وعندما حضر الموظف الآخر إلى المصنع،
تفاجأ بطريقة العمل للآلات ففزع من التغييرات
، وخشي على الآلات فأغلقها في الحال،
دون أن ينتبه للورقة التي على مكتبه
مما أدى إلى خسارة كبيرة بسبب توقف الإنتاج المطلوب:
افترض أنك مدير لهذا المصنع كيف ستحاور موظفيك،
بحيث لا تقلل من حرصهم على تطوير المصنع، وفي الوقت نفسه تبين لهم الخطأ بحيث لا تحبط الموظفين
لأنهم كانوا حريصين
على مصلحة المصنع فيجب ألا تخسرهم وأن تخرجوا بحلول للمشكلة، وتتفادوها في المستقبل،
وتوجد الحلول لهذا الخطأ، فما حدث سبب خسارة كبيرة للمصنع، لكن بالطبع خسارة موظفين
أكفاء كهؤلاء، تعتبر خسارة كبيرة أيضًا.
حاول كتابة الحوار الذي سيجريه المدير مع موظفيه.
قبل أن نبدأ في الحوار،
علينا أن نتوقع أن كلا الموظفين
"الشاب ـ والكبير في السن"
يترقبون لوم المدير لهم أو حتى معاقبتهم على ما قاموا به، لذلك فهم مستعدون للدفاع عن أنفسهم
في حالة توجيه أي لوم أو عتاب،
فما قاموا به لم يكن إلا لمصلحة المصنع،
(من وجهة نظرهم)
ولنفرض حوار المدير مع كل منها على حده
يطلب المدير الموظف الشاب
(اسمه محمد )
في البداية للاجتماع به ويرحب به المدير بابتسامه
ويبدأ بمحاورته:
المدير:
مرحباً محمد تفضل بالجلوس كيف حالك
؟أتمنى أن جميع أمورك على ما يرام،
يجلس (محمد)
ويكتف يده وينظر إلى المدير
مستعداً للدفاع عن نفسه
المدير : محمد أنت من الموظفينالذين يفخر المصنع بوجودهم فيه ،
وكفاءتك في العمل ممتازة وحماسك جيد
وهذا كله أثر في تطور سير المصنع خصوصاً
فكرة تعديل طريقة تشغيل الأجهزة لمضاعفة الإنتاج التي طرحتها البارحة
محمد: نعم نعم هذه الفكرة ستضاعف الإنتاج 60%
وستغطي أسواقاً -
واسترسل متحمساً يشرح فكرته تلك
المدير:
أنت على علم بالطبع بما حدث البارحة
من إيقاف للمصنع مما أدى إلى خسارة في الإنتاج ،
ولكنا إن شاء الله سنعوضها بفكرتك
لكن أود أن أستمع لرأيك في سبب حدوث هذه المشكلة ؟
محمد: الفكرة ممتازة.
. لكني أعتقد أننا يجب أن نخطط لطريقة تنفيذها أكثر فعندما نفذتها تركت ورقة للموظف الآخر
، ليكون لديه علم بما أجريته من تعديلات فلقد
كنت مضطراً للخروج مبكراً من العمل ولكنه
للأسف لم يرها بل رأى الآلات تعمل بشكل مغاير
عما تعود عليه فذهل واعتقد أن خللاً ما ألم بها ، فأطفأها
المدير: إذاً المشكلة ليست في الفكرة
وإنما بسبب أمر آخر ما هو برأيك؟
محمد: (نعم المشكلة كانت في طريقة التعامل بيننا
كموظفين فكان عليّ أن أتأكد
من أن الورقة ستصل إلى الموظف الآخر
فالأمر ليس بسيطاً وكان على الموظف الآخر أيضاً
استشارتك قبل إطفاء الأجهزة،وعدم الانفعال
المدير: إذن ماذا تقترح لحل المشكلة ؟
الموظف محمد وقد نسي الدفاع عن نفسه ،
وخوفه من الاتهام من الأفضل أن نحسن وسيلة الاتصال بين الموظفين
حتى يسهل علينا التشاور في شؤون المصنع ،
وأيضاً علينا اتباع نظام محدد في تطبيق الأفكار
، وذلك بإخبار الجميع عنها وأن وأن وأن
( ويستمر محمد في سرد الحلول)
وانتهى الحوار بينهما بوعد من المدير بجمع الموظف الشاب
مع الموظف الآخر لتطبيق هذه الحلول ، فخرج محمد
وهو متحمس لأفكار إنتاجية متطورة جديدة
يدعو المدير الموظف الآخر (أبو علي)
فيدخل وهو متوتر يفكر فيما
يرد به على تساؤلات المدير.
المدير : أهلاً عم أبو علي، تفضل بالجلوس ، كيف حالك؟ هل أطلب لك شيئاً تشربه .عم أبو علي: لا شكراً. المدير
: لا يمكن، يجب أن تشرب شيئاً
. ويطلب له فنجان قهوة ، فيشربها.
المدير: عم أبو علي ..
أنت من الموظفين ،
الذين قضوا عمراً طويلاً في المصنع.
. وأنت أحد الذين بنوه ، فتعرف كل صغيرة وكبيرة فيه
، وربما تكون أكثر مني معرفة بآلاته وطريقة عملها
،ولولا خبرتك ما كنا وصلنا لمستوانا الحالي.
عم أبو علي يبتسم :
ويسعد بهذا الإطراء ، ويقول : هذا واجبي : والمصنع هذا جزء من حياتي ونجاحه هو نجاحي .
المدير :
حسناً عم أبو علي، من خبرتك ومعرفتك
لماذا حدثت المشكلة البارحة في المصنع
هل بإمكانك أن توضح الأمر لي ؟
عم أبو علي يفكر في السؤال:
فلم يتوقع أن يسأله المدير هذا السؤال !!! ثم أجاب: الأسباب كثيرة، أولها أنني لم أكن أعلم عن الفكرة مسبقاً.
. ولم أعلم بالورقة التي تركها لي (محمد)
على مكتبي إلا اليوم ، فلقد انشغلت البارحة بالعمل ، وعندما رأيت الآلات أثناء جولتي التفقدية عليها
، فوجئت بها ، وظننت أن خللاً ما قد أصابها ، فأطفأتها
حتى لا تزيد المشكلة.
المدير :
إذن ما هي الحلول التي تطرحها لحل لهذه المشكلة؟
حتى نتفاداها في المرات القادمة؟
عم أبو علي:
علينا أن نتبع نظاماً واضحاً في إجراء التغييرات
،أي أن أي تغيير يعتمد يجب أن نعلمه قبل تنفيذه
، وعلينا أيضاً أن نوثق الروابط بين الموظفين
وأن نتشاور ونتحاور في أمور المصنع بسلاسة أكبر.
المدير: أشكرك عم أبو علي:
فما ذكرته أنت قريب مما ذكره الموظف محمد
. وسأجمعكم معاً قريباً لتدارس الحلول المقترحة والأخذ بها ".
نلاحظ من الحوار أن المدير استخدام أسلوب النقاش وطرح الأسئلة وابتعد عن أسلوب الإحباط وتوجيه الاتهامات وإذا أردنا أن نعدد أهم المبادئ التي تضمنها الحوار نستطيع أن نجملها كالتالي:
1-لا تكن أنت البادئ بالحوار.
2-كن أذناً صاغية للطرف الآخروجهز نفسك لعملية الإنصات وركز انتباهك على ما يقوله الطرف الآخر.
3-حاول أن تفهم بوضوح ولا تقاطعه.
4-تبنَّ إستراتيجية حيادية المشاعر فلا تجعل المشاعرتؤثر في آرائك.
5- اصبر على كلام محدثك واحذر الملل واعمل على امتصاص مشاعرالهجوم لديه.
6-
احمل راية الرفق والحنان والتقدير والاحترام.
7-
لا تجمد على أسلوب واحد، وإنما تكون حسب مقتضيات الموقف الحواري.
8-
كن رباناً ماهراً فالمحاور الناجح هو الذي لا يستأثر بالحديث حتى تتيح لنفسك فرصة لاستيعاب كلامه وتكوين مردود مناسب.
9-
الجأ إلى دبلوماسية الإطراء قبل النقد واستخدم أسلوب الإقناع بالاستفهام.
10-أخيراً استخدم أسلحة الإقناع مثل الإقناع بذكرقصة, الإقناع بالمقارنة والبدائل، الإقناع بالصورة الذهنية، الإقناع ببيان المزايا والعيوب والإقناع بالبدء مباشرة والبدء بالأهم وبأسلوب المجاز
جاز ليا..وراق ليا..فحبيت انقلة لكم وبامانة...
تحلو الحياة..بعد هاذاالتفاوض فليكن شعارنا
عيني بعينك بالحنون *#**#**#*وضنيوحوارني بالي يرضي ضميرك