01-10-2018, 09:35 AM
|
|
|
|
|
دمعة متقنة
يمسح بكمّ ثوبه أنفه ساحبا فيه الهواء بقوّة ، فيُسمع احتكاكه بالمخاط عاليا ، بينما عيناه تُغرقان بالدّموع وجنتيه البيضاوتين الحمراوتين المكتنزتين اللتين صقلهما الزّمن حتى صارتا بلمعان و شفافيّة الزجاج فترى شرايينهما دقيقة تتلوى و تلتفّ كالأفاعي بعضها حول بعض في قمّة وجنتيه ، و قمّة أنفه و سفحيه ، حشرج و قال: هُزم العرب و سقطت البلاد.
كنت صغيرا و لم أفهم الكثير ، لكنّني أحسستُ الرُّعب و الحزن في وجوه الكبار و أحاديثهم و همسهم و حركتهم ، فنُقش فيّ ما نالني منه . بعض أحاديثهم كانت تخترق أذني ثمّ عظامي فتخلّفني أشلاء صفراء في فراغ يعوي فيه قلبي بضرباته السريعة العالية ، عاجزا عن الكلام و الحركة : اليهود يخطفون الأطفال و يغتصبون البنات ، يختارون البنات و ليس النساء المتزوجات ، ليهتكوا العرض ، فهم يعرفون أنّنا لسنا خنازير مثلهم لا يهمنا عرضنا !
ففهمت هزيمة العرب و سقوط البلاد بقائمة الممنوعات التي فُرضت علينا نحن الصّغار و على البنات الصبايا ، منعونا من الخروج إلا برفقة الكبار من الرّجال .
محاصرون في البيت ... نضجر ... نختلس بضع نظرات من النّوافذ و في أحيان استثنائية من الشّرفات ، أنا لم أستخدم الشّرفة لقصر قامتي ، جرّبت مِرارا لكن دون جدوى ، فكأن الكبار كانوا على علم بقدوم مثل هذه الأيّام ، فشيّدوها أعلى من قامات الأطفال و أعلى من صدور البنات بعد أن تتكوّر فتصير همّا ، جرحا شرقيّا طازجا تفوح منه رائحة الدّم ، بعد أن كان كرزا شاميّا فوّاحا.
العالم في الخارج غليان وحراك ، الحياة في أوجها ، و نحن خلف الجدران نُنفّذ آداب الطاعة للأب والام و لليهود و للخوف ، ثم اكتشفت أن الأخ الأكبر له سلطته أيضا ، و الجدةو العم و العمّة و الخال و الجار و الصدّيق...الأسماء المدرجة على قائمة أصحاب الأمر و الطاعة تفوق قائمة الممنوعات طولا.
أسأل نفسي : لماذا يُنكّلون بنا ؟؟ لماذايستأسدون على أطفال لا يريدون سوى الرّكض في الشوارع ... و الله لا أريدإلا أن أركض فقط ، و أشعر بحبات المطر فوق جلدي ثم بالشمس تدغدغني... لاشيء أكثر من أن أشعر بالهواء يصفع و جهي و يحرق أنفي متدفّقا فيه ... و الله لا شيء أكثر .. أحدث نفسي .. و أستطرد .. و أسهب و أقسمالأيمان... ثم تغرق عيناي بالدموع ... و الله يا ربي لا أريد سوى أن أحسّكوسط جمال ما خلقت ... تعبر فجأة فراشة أو ذبابة من أمام النافذة حيثأقضي الوقت مع نفسي ... فأسارع قائلا : مثل الفراشة يا ربي مثل الفراشة . فأدرك سريعاأنه طلب ارستقراطي ، فأستدرك بل مثل الذبابة ..
و تنهمر دموعي ... و لا تغيير.. أتعب من البكاء الصامت ، إذ حتى الشهقة قد تؤدّي لمواعظ و دروس من جميع أفراد عائلتي ، تبدأ و لا تنتهي ، فتعلّمت كيف أكتم الشّهقات ، و أجعل النّحيب يُقْلِع عن عادة اكتسبها من المزاريب بعد زخات مطر عنيفة .
تجفّ فوق خديّ الدموع ،تظل دمعة تحاول الدّحرجة لكنها أصغر من أن تسقط ، كافية لتقف فوقرمش واحد أو اثنين .. ثمّ يأتيها المدد : إذا كان وفيرا ، ثقلت و انهمرت، أمّا إذا كان شحيحا ، أحسها فردت ما يشبه الجناحين على باقي رموشي...
فَرِحتُ حين اكتشفت اللّعبة و صرت أمارسها مستمتعا . التصقت بنافذتي لا أبارحها ، أنتزع منها نفسي انتزاعا حتى عندمايُفك الحصار ، و يسمح بالتّجوال برفقة الكبار . أجلس كمن يجلس في محراب ، أستجدي دمعة متوسطة الحجم ، أشعر بها تقف فوق الرمش ثمّتنتفخ و تفرد جناحيها ... ما أروع أن تفرد الدموع أجنحتها... ما أروع أنتجلس صامتا و رموش عينيك تحت جناحي دمعة ... في تلك اللحظة ، تسمع و تحسما لا يسمعه و لا يحسه أحد ... نحيبُ الطبيعة ... كنت اشعر ، و اللهكنت أشعر كيف تنتحب الطبيعة بين يدي و على كتفي ، أمدّ كفي التقط دموعها ... و الله كانت ساخنة!! بعد تمرّسي صرت أحس المادة ، المادة نفسها تشهق وتنتحب في حضني ...
تمرّ الغيوم عالية في السماء منأمام نافذتي و لا تعيرني انتباهها ، و لمّا صرت أسمع نحيب الأشياء حولي ، وأسمع زمزمت النار في عروقها و عروقي ، صارت الغيمات تلوح لي بيديها ... كنانتبادل التّحيّة. عندما تيقّنت من انتظاري لها كعاشق فات موعده لكنّه لا يبرح المكان ، غيّرت مسارها ، تقترب و تعرّج على نافذتي ثمّ تطل برأسها في غرفتي ، تبتسم و تسألني عن حالي و تعتذر عن التأخير بسبب الرّيح كانت مشغولة بتمشيط أشجار الغابة هناك خلف البيوت... تحاولّ المكوثَ ، يستعجلها الرّيح ، أتشبّث باطراف أناملها ، فيشدّها أكثر فأتشبّث بها أكثر ، تقهقه كأنّا ندغدغها ، فأضحك مثلها .. أضحك حتى تنهمر دموعي فتفلت من يدي و تمضي...
بعض المرّات كان يطول انتظاري ، أحتفظ بدمعة متوسّطة الحجم على إحدى رموشي فتلفّني تحت جناحيها .. أغفو و خدّي على حديد نافذتي ، فتأتي الغيمات تقف تنظر إلي ، تترجّل الرّيح و تلبس عباءة نسمات عليلة تتزحلق فوق وجهي ، ثمّ تمد الغيمات أناملهاو تلهو بشعري ، أفيق على قشعريرة لذيذة تسري في عروقي.. أفتح عيني ، أبتسم ، فأفقد جسدي ، أصبح خيط دخانيتمطى في سماء الغرفة ... فتدخل الغيمات ، تلتفّ حولي و... نرقص ... نرقص .. و هي تتلوى ، تشكّل و جوها و أشكالا لاأعرفها ... أدمنت ... لا انكر أنني أدمنت لعبة السّحاب ، كثرت الأشكال و تنوّعت ، فمرة أراها قمرا ومرة أراها وجوها... ضفائرا ... خصلا وأنامل ، شفاه تبتسم ، رموشا مقلوعة تحمل فوق رؤوسها دمعاتيالمُتقنة.. أطفالا ... عشرات الاطفال ... صدور بنات تكوّرت و تعرّت...
أفق ياحكيم ، أفق ، كل ذلك كانو أنت الآن ... عاقل ، إخجل يا رجل ، أين وقارك و اتزانك؟؟؟
ألملم خيوط دخاني و أدخلى قمقمي ، أستعيد جسدي و أشيح بوجهي ، أسرع الخُطى ، لأنّ دمعة متقنة تقفعلى رأس رمش و تفرد جناحيها على باقي رموشي ، أخاف تثقل فتسقط ، فتفضح حالي...
...لاشيء تغيّر ... لا شيء تغيّر ... كل شيء كما كان..
]lum ljrkm ler,f dguf
|
01-10-2018, 12:48 PM
|
#2
|
رد: دمعة متقنة
رح رائع اختيار انيق
تسلم اناملك الراقيه لجمال الانتقاء
يعطيك العافيه يالغلا
|
|
|
01-10-2018, 02:40 PM
|
#3
|
01-10-2018, 03:45 PM
|
#4
|
رد: دمعة متقنة
يعطيك العافية على نقلك
باقات وردي
|
|
|
01-10-2018, 08:16 PM
|
#5
|
رد: دمعة متقنة
’..
آختيَآرَ جَميلَ جِدآ
سَلمتِ علىَ هذهِ الآطَروحهَ الآنيقَهَ
وَسَلِمتَ يُمنَآك المُخمليِهَ لِ جلبهآ المُتميز
جَزيَلِ شُكِريَ لَروحكُ آلوَرد ..
|
|
|
01-11-2018, 01:16 AM
|
#6
|
رد: دمعة متقنة
يعطيك الف عافية
طرحت فأبدعت ننتظر جديدك بشوق
ودي
|
|
|
01-12-2018, 09:14 PM
|
#7
|
01-12-2018, 09:14 PM
|
#8
|
رد: دمعة متقنة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة a7ases
سلمت يدآك..على جميل طرحك وحسن ذآئقتك
يعطيك ربي ألف عافيه..
بإنتظار جديدك بكل شوق.
لك مني جزيل الشكر والتقدير لاعدمناك...
أشكرك على مرورك الرآآئع
تتعطر وتشرف متصفحي بحضورك
لكِ أعذب زهور اليآسمين
دمتِ بكل خير
|
|
|
01-12-2018, 09:14 PM
|
#9
|
رد: دمعة متقنة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صاحبة السمو
يعطيك العافية على نقلك
باقات وردي
أشكرك على مرورك الرآآئع
تتعطر وتشرف متصفحي بحضورك
لكِ أعذب زهور اليآسمين
دمتِ بكل خير
|
|
|
01-12-2018, 09:15 PM
|
#10
|
رد: دمعة متقنة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرة الورد
’..
آختيَآرَ جَميلَ جِدآ
سَلمتِ علىَ هذهِ الآطَروحهَ الآنيقَهَ
وَسَلِمتَ يُمنَآك المُخمليِهَ لِ جلبهآ المُتميز
جَزيَلِ شُكِريَ لَروحكُ آلوَرد ..
أشكرك على مرورك الرآآئع
تتعطر وتشرف متصفحي بحضورك
لكِ أعذب زهور اليآسمين
دمتِ بكل خير
|
|
|
أدوات الموضوع |
إبحث في الموضوع |
|
|
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
المواضيع المتشابهه
|
الموضوع |
كاتب الموضوع |
المنتدى |
مشاركات |
آخر مشاركة |
دمعة متقنة
|
ملاك الورد |
قصص - روآيات - حكايات ▪● |
22 |
12-15-2017 01:37 AM |
عندما تكتشف أن اِناء مشاعرك مثقوب
|
۩۞۩ رآقـيے بطبعيے ۩۞۩ |
زوايا عامه |
13 |
06-01-2017 09:20 PM |
دمعة اشتيُاق..؟
|
حگـَآيآ آلّمطـرُ |
هذيان الروح ▪● |
12 |
03-24-2015 03:37 PM |
الساعة الآن 01:12 PM
| | | | | | | | | |