02-12-2015, 10:40 AM
|
|
|
|
الغفلة عن الغد !
إن شر ما يبتلي به المرء أن يغفل عن غده ، وعمّا ينتظره من مصير لا يدري ما الله - عزّ وجلّ - صانعٌ فيه..!
فالعاقل مَن نظر في العواقب والمآلات ، ولم يُشغل عنها بما زُين له من حب الشهوات ، فأعدّ لغده ما يسره من الباقيات الصالحات ..
والأحمق من انغمس في لذته الحاضرة ، وجعلها منتهي الآمال والغايات ، وغفل عن غده وعمّا ينتظره فيه من سوء المصير ومغبة النهايات .. !
ولقد نعي الله علي أقوام - فقدوا رشدهم ، وذهلوا عن آخرتهم مع سكرة الحياة ولذاتها - فقال جل شأنه: {إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا} [الإنسان: ٢٧]
والحق ؛ إن حب العاجلة والذهول عن الآخرة جعل الكثير من الناس - إلا من رحم ربي - يلهثون وراء الشهوات ، ويعبّون من الملذات ، بصورة أدت إلي اغتيال القيم ، وخراب الذمم ، وإدمان الفساد .. !
وهذا من صنيع هيمنة الفكر المادي - قديما وحديثا - الذي جعل الكثير من الناس يعبدون اليوم الحاضر ، وينسون ما وراءه ..
ولأمر ما ، جاء اهتمام القرآن بدفع الناس وحثهم علي النظر فيما قدموه لغدهم ، وذلك بين أمرين بتقوي الله -عزّ وجلّ - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر : ١٨]
وما ينظره الإنسان في غده ، هو ما يقدمه اليوم لنفسه ، فالإنسان هو الذي يصنع مستقبله بيده ، وما المرء إلا حيث يجعل نفسه .. ، وما يزرعه اليوم يحصده في غده ، إن كان خيرا فخير ، وإن كان شرا فشر .. {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة : ٨،٧] ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية : ١٥]
بل إن ما يقدمه الإنسان اليوم لغده من خير يباركه الله ، ويعظم له أجرا .. {… وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [ المزمل الآية٢٠]
وفي نهاية رحلة الإنسان من تطوافه في الحياة - سلبا كان أو إيجابا - فلم ولن يجد أمامه إلا ما قدمته يداه {.. يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ :٤٠]
ولذا ، ينبغي للإنسان أن يسأل نفسه - وهو ينظر لمستقبله في غده - : هل سأكون غدا من الأبرار أم - والعياذ بالله - من الفجّار ؟!
وهل سيذكرني التاريخ في موكب المقسطين المصلحين الأخيار ، أم في موكب الظالمين المفسدين الأشرار؟.
وهل سأكون غدا ممن سيأخذ كتابه بيمينه فيقول - وهو فرحان مسرور - : {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ..} [الحاقة الآية: ١٩] إلي أن يُقال له - وهو في جنة عالية -: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة : ٢٤]
أم ممن سيأخذ كتابه بشماله فيقول - وهو محسور ندمان - : {.. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ*مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 27-29]
ومما هو جدير بالذكر هنا ، قصة رمزية فيها من الدروس الجليّة بيد أنها تخفي علي القلوب العميّة ..
قالوا : "كان من عادة مملكة من الممالك ، أن تولّي عليها ملكا لمدة ما ، سنة أو نحوها ، ولكنهم يشترطون علي من يقبل الملك والتنعم به، أن يسيروا به في نهاية المدة إلي صحراء مجدبة لا ماء فيها ولا زرع ثم يجعلونه في هذه الصحراء ، لا يبرحها ، ولا سبيل إلي أن يجيئه طعام أو ماء ، حتي يموت المسكين ميتة تعسة من الجوع والظمأ ..
ومر بهم يوما سائح غريب ، فرآهم في حيرة وهرج ومرج ، فسألهم عن أمرهم فقالوا : لا نجد من يقبل أن يكون ملكا علينا ، فقال الرجل : وهل يرفض الملك عاقل ؟ فقالوا له : أتعرف ماذا نشترط علي من يتولي هذا الملك ؟ ، ماذا تكون عاقبته ؟ فقال : وماذا تشترطون ؟ ، قالوا : نشترط كذا وكذا.
فبهت الرجل ، وسكت قليلا ، وقال : أو ما عندكم غير هذا ؟ قالوا : هو ذلك فقط … فأطرق وفكر ودبر - وكان عاقلا أريبا - ثم رفع رأسه وقال لهم : قد قبلت ..
أقبل الرجل علي مُلكه يدير شأنه بسياسته الحكيمة ، ويقيمه علي سنة العدل ، ففرح الناس، وانتظمت أحوالهم، واتسعت ثروتهم .
ولكنه مع ذلك لم تلهه زينة الملك ، وأبهة السلطان عن مصيره الأسود الذي ينتظره في الصحراء المقفرة ؛ فأخذ يعمل جهده لتعمير هذه الصحراء ، فأوفد إليها المهندسين ليخططوا فيها حدائق وبساتين وقصورا، وأرسل العمال والآلات وكل ماهو ضروري لإنجاز هذه المهمة .. وما أسرع ماتم ذلك ، فشقت الأنهار، وجرت المياه العذبة ، وغرست الأشجار الجميلة .. وقام للملك هناك قصر جميل وقصور أخري لمن يحبون الإقامة هناك، حتي صارت الصحراء بذلك جنة فيحاء .
ومضت الأيام والناس يجهلون ماصنع الملك بالصحراء ، وانتهت المدة ، فأقبلوا عليه وقالوا : قد انتهت مدتك أيها الملك ، فتفضل إذاً إلي مصيرك بالصحراء ، فأجابهم في ثقة واطمئنان : نعم …
وعجب الناس لثباته ، فلم يضطرب ، ولم يزغ بصره من الهلع ، وساروا به نحو الصحراء ، وهم في عجبهم هذا لا يدرون سر اغتباطه وسعادته ، إلي أن بلغوا الصحراء ، فماراعهم إلا البساتين ، والحدائق ، والزروع ،والدور قائمة وسط هذا النعيم البهيج .!
فدُهِش الناس ، وأقبلوا علي الملك يسألونه : ما هذا ؟ فقال لهم : إن من تولي الملك قبلي شغلته لذته العاجلة ،عن أن ينظر في مصيره الذي ينتظره في النهاية ، أما أنا ، فلم تشغلني العاجلة ، عن بشاعة المصير المحتوم ، فدبرت له ما دبرت حتي إذا انتهت المدة انتقلت إلي مقام جميل ، فيه الرفاهة والخير الجزيل .
هنالك فرح به أهل المملكة وقالوا له : أيها الملك العاقل ، أنت الرجل الحكيم الذي لا يصلح أن يتولي أمرنا غيره ، فارجع بنا إلي العرش فإنا بك مستمسكون!..".
وفي ضوء ما انتهت إليه هذه القصة الرمزية من دروس وعبر ، نتساءل :
• أليست هذه القصة تعبّر عن واقع كل إنسان في أنه صائرٌ يوما ما - طال العمر أم قصر - إلي القبر ووحشته ، ثم إلي يوم الحشر وشدته.. ؟!
بلي وربي .. ، فإنه لا يعمل لمثل هذا اليوم ويستعد لغده إلا كل مؤمن عاقل ، ولا يتناسي مثل هذا اليوم ويذهل عن غده إلا كل أحمق غافل .
• هل العمل للغد والإقبال عليه ينافي الإقبال علي اليوم الحاضر ؟
كلا ، بل إن تعمير الغد لا يكون إلا بتعمير اليوم الحاضر بالعمل الصالح ، الذي يحقق للبشرية تقدمها وسعادتها ، ويحفظ للإنسانية حقوقها وكرامتها ، كما فعل الملك العاقل الأريب في القصة المشار إليها .
• كم حاكما - ممّن تولوا الحكم - ، أقام العدل ولم تشغله لذته العاجلة عن بشاعة المصير المحتوم الذي ينتظره ..؟
الإجابة في تاريخنا - للأسف - للقلبِ موجعةٌ وللنفسِ مؤلمةٌ ..
رحم الله أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) الذي أقام دولة العدل - التي أتعبت كل من جاء بعده -، فقد جعل - رضي الله عنه - لنفسه شعاعاً من نور ، بدّد به ظلمات الظلم والشهوات ، وسما به عن الانغماس في الحاضر والملذات ، فكان يردد دائما : ماذا تقول لربك غدا ياعمر ؟ !!
hgytgm uk hgy] !
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-12-2015, 12:04 PM
|
#2
|
رد: الغفلة عن الغد !
بارك الله فيك
وجزاك الله عنا كل خير
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-12-2015, 01:33 PM
|
#3
|
رد: الغفلة عن الغد !
بسم الله الرحمن الرحيم
جَزَاك الْلَّه خَيْر الْجَزَاء
وَجَعَل مَا كُتِب فِي مَوَازِيّن حَسنَاتك
وَرَفَع الْلَّه قَدْرَك فِـي الْدُنَيــا وَالْآخــــــرَّة وَأَجْزَل لَك الْعَـــــــطـاء تحياتى وتقديرى
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-12-2015, 05:34 PM
|
#4
|
رد: الغفلة عن الغد !
سلمت يمناك
على روعة وجمال الطرح
بارك الله فيك
وجزاك الله كل خير
ننتظر جديدك بشوق
دمت بخير
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-12-2015, 07:11 PM
|
#5
|
رد: الغفلة عن الغد !
جَزَاك الْلَّه خَيْر الْجَزَاء
وَجَعَل مَا كُتِب فِي مَوَازِيّن حَسنَاتك
وَرَفَع الْلَّه قَدْرَك فِـي الْدُنَيــا وَالْآخــــــرَّة وَأَجْزَل لَك الْعَـــــــطـاء وَدُي قبَلْ رَديُ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-13-2015, 12:13 AM
|
#6
|
رد: الغفلة عن الغد !
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-13-2015, 07:22 PM
|
#7
|
02-13-2015, 07:22 PM
|
#8
|
02-13-2015, 07:22 PM
|
#9
|
02-13-2015, 07:22 PM
|
#10
|
أدوات الموضوع |
إبحث في الموضوع |
|
|
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 09:25 AM
| | | | | | | | | |