11-27-2020, 01:31 PM
|
|
|
|
الهدي النبوي في الوقاية من الأسقام
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.
أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، ألا وإنَّ مِن هديهِ صلَّى الله عليه وسلم: حفظ الصحَّة والوقايةِ من الأمراض بطُرُقٍ وِقائيةٍ تبدأ حتى قبل الوِلادة، فقد أوصى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم باختيار الزوجة الصالحة من أُسرةٍ خَلَت من العُيوبِ الدينيَّة وسلمت من الأمراض، (عن عائشةَ قالت: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وانْكِحُوا الأَكْفَاءَ، وأَنْكِحُوا إليهِمْ») رواه ابن ماجه وصحَّحه الألباني بمجموع طُرُقه ومُتابعاته.
فالوقايةُ مِن المرض تُحقِّقُ مصلحة العقل والبدن، والصحَّةُ تُعينُ على الكسبِ والعملِ والتناسُلِ، فصحَّةُ المسلمِ تُعينُه على حِفظِ ضروريَّاتهِ الخمس: دينُه، ونفسُه، وعقلُه، ونسلُه، ومالُه، ولذلك أمرَ اللهُ باتخاذِ أسبابِ الوِقايةِ لدرءِ خُطورةِ الأمراضِ، قال تعالى: ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]، قال القاسميُّ: (أي: لا تُلقوا أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك، وذلك بالتعرُّضِ لِما تُستوخَمُ عاقبتُه جَهْلًا به) انتهى، وقال تعالى: ï´؟ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ï´¾ [النساء: 29]، قال السِّعديُّ: (ويدخلُ في ذلك: الإلقاءُ بالنفسِ إلى التهلكة، وفعلُ الأخطارِ الْمُفضيةِ إلى التَّلَفِ والْهلاكِ) انتهى.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: الوِقايةُ من الأمراضِ الانتقاليةِ بعزلِ المريضِ عن الأصحَّاءِ، فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) رواه البخاري ومسلم.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: الابتعاد عن موطنِ الوَباءِ، ومن كان في أرضٍ وقَعَ فيها الوباء فلا يَخرج منها، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (الطاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ على طائفةٍ مِن بني إسرائيلَ، أو على مَن كانَ قبلَكُم، فإذا سمعتُم بهِ بأرضٍ فلا تَقْدَمُوا عليهِ، وإذا وقَعَ بأرضٍ وأنتُم بها فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منهُ) رواه البخاري ومسلم.
وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيضًا عن الطاعونِ: (إنهُ عذابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ على مَن يشاءُ، وأن اللهَ جَعَلَهُ رحْمَةً للمؤمنينَ، ليسَ مِن أَحَدٍ يَقَعُ الطاعونُ فيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صابرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أنهُ لا يُصيبُهُ إلا ما كَتَبَ اللهُ لهُ، إلا كانَ لهُ مِثْلُ أجْرِ شهيدٍ) رواه البخاري.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: نهيُهُ عن الأنواعِ الغِذائيَّةِ الخبيثة: قال صلى اللهُ عليهِ وسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، ومَن شَرِبَ الخمْرَ في الدنيا فمَاتَ وهوَ يُدْمِنُها لم يَتُبْ، لم يَشْرَبْها في الآخرةِ) رواه مسلم، وقد أكَّدت الأبحاث الحديثة الأمراض الخطيرة التي يُسبِّبُها الخمر.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أنه (نَهَى أنْ يُتَنَفَّسَ في الإناءِ) رواه مسلم، و(نَهَى عنِ النَّفْخِ في الشُّرْبِ) راه الترمذي وقال: (حسنٌ صحيح)، وقد أثبتَ الطبُّ الحديث الأضرار والأمراض التي يُسبِّبُها النفخُ أو التنفُّس في الإناءِ.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أنه نَهَى (أنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ) رواه البخاري، ومِثلُ القِرْبَةِ كلُّ إناءٍ يُحفظُ فيهِ الماءُ ويُشربُ منه أكثر مِن مرَّة، ففي هذا الحديث النهي عن تعاطي المسلم ما يَضرُّه في صحته أو يضرُّ غيره من المسلمين.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: تغطيةُ الأواني وإيكاءُ الأسقيةِ: قال صلى الله عليه وسلم: (غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقَاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وبَاءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليسَ عليهِ غِطَاءٌ، أو سِقَاءٍ ليسَ عليهِ وِكَاءٌ، إلاَّ نَزَلَ فيهِ مِن ذلكَ الوَبَاءِ) رواه مسلم، فأرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أن يَحفظ المسلم طعامه وشرابه من التلوث الذي قد يضرُّ بصحته، ولقد أثبت الطبُّ الحديث أن الأمراض المعدية تسري في مواسم مُعيَّنة مِن السَّنَةِ، بل إن بعضها يظهر بعدد مُعيَّنٍ من السنوات، بحسب نظامٍ دقيقٍ لَم يُعرَف تعليلُه حتى الآن، ومِن أمثلته: أن الحصبة وشلل الأطفال تكثر في سبتمبر وأكتوبر، وحُمَّى التيفود تكثر في الصيف، أما الكوليرا فإنها تأخذ دورة كل سبع سنوات، والجُدري كل ثلاث سنوات، وهذه الحقائق العلمية لم يعرفها الأطباء إلا بعد اكتشاف الميكروسكوب، ولذلك إذا خالف الإنسان هدي نبيَّنا صلى الله عليه وسلم فلم يُغطِّ إناءه فستنزلُ فيه هذه الأمراض المعدية.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: («أنهُ نَهَى أنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قائمًا»، قالَ قتادةُ: فقُلنا فالأكْلُ، فقالَ -أنسٌ-: «ذاكَ أَشَرُّ أو أَخْبَثُ») رواه مسلم، وقد ذكَرَ الأطباءُ أن الشرب قائمًا يُسبِّب أضرارًا لصحةِ الإنسان، من عُسرِ الهضم، والتوتُّر، وإحداث انعكاسات عصبية في بطانة المعدة، وإمكانية حدوث تقرُّحات للمعدة، واضطراب وظيفة الجهاز الهضمي.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد: ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الوِقايةِ من الأمراض: عدَمُ التوسُّع في الطعامِ والأكلِ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (المؤمنُ يَأْكُلُ في مِعَىً واحِدٍ، والكافرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) رواه البخاري ومسلم، قال ابنُ القيِّم: (امتِلاءُ البطْنِ مِن الطعامِ مُضِرٌّ للقَلْبِ والبَدَنِ، هذا إذا كانَ دائمًا أو أكْثَرِيًَّا، وأما إذا كانَ في الأحيانِ فلا بأْسَ بهِ، فقدْ «شَرِبَ أبو هريرةَ بحضرةِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ من اللَّبَنِ حتى قالَ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أَجِدُ لهُ مَسْلَكًا»، وأَكَلَ الصحابةُ بحضرتهِ مِرارًا حتى شَبعُوا) انتهى، وقد أثبتَ الطبُّ الحديث المخاطر الجَمَّة من اعتياد كثرة الأكل.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: النهي عن استخدام اليد اليمنى في إزالة النجاسة: قال صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (لا يُمْسِكَنَّ أحَدُكُمْ ذكَرَهُ بيَمِينِهِ وهوَ يَبُولُ، ولا يَتَمَسَّحْ مِن الخَلاءِ بيَمِينِهِ) رواه مسلم، واليد اليمنى هي التي يُباشر بها العبد الأكل والشرب والمصافحة، فكان استخدامها في إزالة النجاسة أشد في انتقال الأمراض، فنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: نهيه عن استخدام العظام والروث في إزالة النجاسة لأنهما لا يُطهِّران وهما مِن طعام الجنِّ، قال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: («ابْغِنِي أحْجَارًا أسْتَنْفِض بها، ولا تَأْتِني بعَظْمٍ ولا برَوْثَةٍ» فأتَيْتُهُ بأحجارٍ أحْمِلُها في طَرَفِ ثوْبي، حتى وضَعْتُها إلى جَنْبهِ، ثم انصَرَفْتُ حتى إذا فَرَغَ مَشَيْتُ، فقلتُ: ما بالُ العَظْمِ والرَّوْثةِ؟ قالَ: «هُمَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، وإنهُ أتاني وفْدُ جِنِّ نَصِيبينَ، ونِعْمَ الجِنُّ، فسأَلُوني الزَّادَ، فدَعَوْتُ اللهَ لهم أن لا يَمُرُّوا بعَظْمٍ ولا برَوْثَةٍ إلاَّ وجَدُوا عليها طعامًا») رواه البخاري.
ومِن هديهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: استنجاؤُه بالماءِ مِن التبرُّزِ، فعن أنسِ بنِ مالكٍ (كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَدْخُلُ الخلاءَ، فأَحْمِلُ أنا وغُلامٌ إداوةً مِن ماءٍ وعَنَزَةً يَسْتَنْجي بالْمَاءِ) رواه البخاري، وقد أثبت الطبُّ الحديث أن للتنظُّف بالماء والأحجار فائدة طبية وقائية عظيمة، فالنظافة بالماء تقي الجهاز البولي من الالتهابات الناتجة عن تراكم الميكروبات والجراثيم، كما أنها تقي الشرج من الاحتقان ومن حدوث الالتهابات والدمامل، وفي حالة المرضى عمومًا ومرضى السكري خصوصًا، فلأن بول المريض يحتوي على كمية كبيرة من السكر، فإذا بقيت آثار البول فإن هذا يجعل العضو عُرضة للتقيُّح والالتهابات، وقد تنتقل الأمراض في وقت لاحقٍ للزوجة عند الجماع، وقد يُؤدِّي إلى عُقْم تامٍ، وقد أوضحت دراسة علمية أن ما يخرج من السبيلين يحمل أعدادًا هائلة من السموم والجراثيم التي إن بقي منها أثر في الجسم، سبَّبت له الكثير من الأمراض، ولهذا تقلُّ أعداد المصابين بسرطان الجهاز التناسلي بين المسلمين لاتباعهم هديَ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، وإن من الأهمية بمكان: الاستمرار على الالتزام بالاحترازات الوقائية تجاه فيروس كورونا، تزامنًا مع زيادة عدد الحالات المسجَّلة في دول مختلفة، فاللهَ اللهَ بتقوى الله واتباع هدي نبيِّكم صلى الله عليه وسلم في كل شيء، أسبل الله علينا ووالدينا وأهلينا عافية الدُّنيا والدين.
hgi]d hgkf,d td hg,rhdm lk hgHsrhl hglErhl hgi]n hgkf,d hg,rhdm
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
4 أعضاء قالوا شكراً لـ صاحبة السمو على المشاركة المفيدة:
|
|
|