الحديث عن اكتشفات أثرية في بلادنا أمرٌ في غاية الأهمية، يستوجب العمل في حماية الموروث الأثري الوطني.
تتيح الآثار المكتشفة دليلا على وجود حضارة ازدهرت قبل آلاف السنين أو أكثر، فضلا عن كونها أثارت الشغف العلمي بشأن ومحيطه.
وعن تجارب الشعوب، حدثنا الباحث في الآثار د. كميل ساري من حيفا، الذي يعمل في الفحص والتنقيب عن المكتشفات الأثرية، حول أسباب اهتمامه بعلم الآثار دون غيرها، 'هناك أهمية كبيرة للتبحُر بعلم الآثار، فهو جزء من حضارة الشعوب، وسبب انجذاب كثيرين للموضوع، حتى بات كثيرون يتوجهون لدراسة الموضوع، لشغفهم بمعرفة الماضي، بما فيه من تفاصيل طُمست بعض خصائصها، لكنّها لا تزال ذُخرًا من الماضي وجزءا من حضارات وتاريخ الشعوب
درس د. ساري علم الآثار والتاريخ، وحصل على الدكتوراه في قسم الدراسات البحرية في جامعة حيفا، ويعمل في سلطة الآثار، علمًا أنه عُين في العام 2016، مديرًا لمنطقة الشمال، وعمليًا بدأ العمل عام 1993 ولا يزال يعمل في المجال حتى اليوم.
عن دراسته، قال د. كميل ساري إنه 'منذ الأيام الدراسية كنتُ شغوفًا، بالاطلاع على موضوع الآثار، وبدأتُ أدرُس الموضوع في جامعة حيفا عام 1985، في قسم الحفريات، كمدير للحفريات وكباحث في سلطة الآثار، ثم عُينتُ مفتشًا في المركز، هكذا بدأت أتقدم في السُلم الإداري، بعد أربع سنوات عملتُ فيها مديرًا لمنطقة المركز، وبعدها كنتُ مدير لواء حيفا لأربع سنوات، ثم انتقلتُ لمدة ثماني سنوات كمدير للوحدة المسؤولة عن المراقبة والأبحاث في قسم صيانة الآثار، وقبل عام وتحديدًا في شهر تموز/ يوليو الماضي، كسبتُ المنافسة وعُينت مديرًا في منطقة الشمال، ونلمس اليوم اهتمامًا بدراسة علم الآثار، ففي سنوات الثمانينات كان الاهتمام بهذا العلم قليل'.
وأضاف أن 'سلطة الآثار تأسست عام 1990، وقبلها كان هناك قسما صغيرا في المعارف، واليوم هناك 600 موظف عدا عن العمال، كما أنّ هناك 20% من الموظفين من العرب، وهناك على الأقل خمسة باحثي آثار من العرب، عدا المستشار القانوني وهو عربي'.
دمج الطاقات العربية في عالم الآثار
وقال د. ساري إنه 'مهم جدًا دمج العرب في هذا المجال، لسببين، أولاً موضوع الآثار من المواضيع المهمة جدًا، وتُبرِز أهمية تراث وحضارة هذه البلاد، وثانيًا: دمج قدر الممكن موظفين، ما يُساعِد على أن يكون كل شخص فعال في مجتمعه، وبالتالي يستفيد مجتمعنا، والأمر مرتبط بالتوعية الاجتماعية، فكثيرون منّا يجهلون أهمية الآثار، وعلاقتهم بالتراث والماضي العريق، وكثيرون يعتقدون أن علم الآثار مرتبط فقط بالعثور على الذهب، وكثيرًا ما يُوجه المهتمون سؤالا حول وجود ذهب، وهو السؤال الأكثر ترددًا على لسان المهتمين بعالم الآثار'.
وأوضح: 'نرى اهتمامًا ملحوظًا من قبل الجيل الناشئ، إذ يشدهم الموضوع، لما يكتنفه من إثارة وغموض في الوقت ذاته، ونلمس هذا الأمر لدى وجودنا في المدارس، ففي كل عام لا يقل عن 6 آلاف طالب وحتى عشرة آلاف طالب يشاركون في الحفريات الأثرية، وعندما نسأل الطلاب عن مدى اهتمامهم بالموضوع، وهل هم مستعدون لإعادة التجربة، يجيب نحو 80% من الطلاب أنهم مستعدون للمشاركة مرّة أخرى في الحفريات، وربما يكون هذا الاهتمام نابعًا من الغموض في هذا المجال خاصةً حين يتم اكتشاف أثريات من الماضي الغابر، ولمس التحف ما يزيد الرغبة لدى الطلاب بالمشاركة في الحفريات، ناهيك عن أنّ العمل نفسه في البحث الأثري، يشكّل للآخرين لغزًا للبحث عن الآثار، ومن خلال العمل في هذا المجال، يتم استكشاف ما لم يره الطلاب من قبل. هذا العالم يحمل قصصًا وتاريخًا وتحليلاً عميقًا لاكتشاف الآثار النادرة والتحف'.
وتطرّق د. ساري إلى أمور يُهملها المجتمع بما يتعلق بالآثار التي يجب الحفاظ عليها، بدلاً من طمسها، وقال إنه 'حدث في أحد البيوت في بلدة الطيبة الزعبية، أن قام صاحب البيت بهدم منزله الذي تميّز بوجوده منذ الفترة الأمويّة الإسلامية، وبقي المنزل واقفًا حتى قرر صاحبه هدمه، وهذه خسارة كبيرة للتاريخ والحضارة، إذ كان الأجدر بصاحب المنزل الحفاظ على هذا المعلم التاريخي، لكنه اختار لأسبابه الخاصة هدم البيت ليبني بيتًا حديثًا، علمًا أنّ سلطة الآثار اقترحت على هذا الشخص ترميم البيت وإبقائه على حاله إلا أنه رفض، وربما تخوّف من الفكرة نفسها، ولو أنه قام بترميمه لبقي تحفة فنية غاية في الروعة'.
المكتشفات البحرية
وأكد د. ساري أن 'المكتشفات البحرية مهمّة، إذ أن البحر مهم للإنسان بصورة دائمة، فهناك سُفن عمرها 4 آلاف سنة وربما أكثر، وهناك تحف تُثبت أنّ الإنسان وصل البحر قبل فترة طويلة، وهناك حِقب تاريخية تثبت أنّ الإبحار بدأ في فترة إسكندر المقدوني، وقد جرّب الإنسان الغطس، فوجد حلولا للإبحار، ويقولون أنّ إسكندر المقدوني في حروبه ضد أعدائه كان يحاول أن يغطس ليُغرِق سُفن العدو بهدف طمسها في البحر، لكن كبحثٍ علمي، بدأ يتطور لدينا منذ سنوات الستينات والسبعينات حيثُ أقيمت دورات تعليمية في جامعة حيفا، تمّ التطرق خلالها للآثار البحرية، علمًا أنّ العمل تحت الماء يحتاج إلى معدات خاصة، وفي أعماق البحر يصُعب العمل بسبب الهيجان وغيره من المعالم والتضاريس الخطيرة في جوف البحر.
وعلى مر السنين غرقت العديد من السفن، بينما ارتفع مستوى البحر، وهناك قرى كانت تعيش على شاطئ البحر قبل 4 آلاف سنة، بهدف الاقتراب من البحر، لكن لم يعد هذا الأمر ممكنًا، وبين المكتشفات عثر على أقدم شجرة زيتون في البلاد عمرها 7 آلاف سنة، وهناك أقدم بئر ماء في بلدة كفار سمير، إضافة لوجود آلاف السفن التي غرقت على مدار السنين، وعُثر في الطنطورة على سفينة تحمل كنوزًا بحرية ومعادن، ووُجدت في قيساريا مجموعة تحف من فترة المماليك، وعثر على قارب من الفترة الرومانية في مدينة طبرية'.