عندما يأت ذكر الأهرامات يذهب تفكيرنا على الأغلب إلى الأهرامات المصرية الشهيرة، بينما هناك أهرامات أخرى لا نعرف عنها الكثير، لكنها لا تقل أهمية عن الأهرامات المصرية، وهي الأهرامات النوبية التي بناها حكام الممالك الكوشية القديمة. وفي هذا المقال سنتعرف على هذه الأهرامات، من حيث تاريخها، وموقعها، ومحتوياتها .
فقد كانت منطقة وادي النيل المعروفة باسم النوبة، والتي تقع داخل
السودان في الوقت الحاضر، موطنًا لثلاث ممالك كوشية خلال العصور القديمة. الأولى كانت عاصمتها في “كرمة” (2500-1500 قبل الميلاد). وتمحورت الثانية حول “نبتة” (1000 – 300 قبل الميلاد). وأخيرًا، تركزت آخر مملكة على “مروي” (300 ق.م. – 300 م). وهي مبنية من الجرانيت والحجر الرملي.
وكانت “كرمة” أول دولة مركزية في
النوبة بأشكالها الأصلية الخاصة بالهندسة المعمارية وعادات الدفن. بينما تأثرت المملكتان الأخيرتان، “نبتة” و”مروي”، بشدة بمصر القديمة ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا. كما تنافست ممالك “الكوشي” بدورها بقوة مع مصر اقتصاديًا وعسكريًا. وفي عام 728 قبل الميلاد، وحد الملك “الكوشي بيي” وادي النيل بأكمله من الدلتا إلى مدينة “نبتة” تحت حكمه. وحكم بيي ونسله كفراعنة الأسرة الخامسة والعشرين، ثم انتهت سيطرة النبطان على مصر بعد احتلالها من قبل آشور في عام 656 قبل الميلاد.
وتعتبر الأهرامات النوبية من مواقع تراث عالمي لليونسكو. وحتى الآن تم اكتشاف أكثر من 350 هرم مجمعة في خمسة مواقع في السودان. تم بناؤها في
النوبة على مدى بضع مئات من السنين لتكون بمثابة مقابر للملوك والملكات والمواطنين الأثرياء في نبتة ومروي.
تقع المواقع الثلاثة الأولى حول نبتة في
النوبة السفلى، بالقرب من مدينة كريمة الحديثة. تم بناء أولها في موقع “الكرو”، بما في ذلك مقابر الملك “كشتة” وابنه “بيي”، إلى جانب خلفاء “بيي شباكا” و”شبتكة” و”تنويتاماني”. كما شيد أربعة عشر هرمًا للملكات، وكان العديد منهن ملكات المحارب الشهير. ويمكن مقارنة ذلك بما يقرب من 120 هرامًا أكبر بكثير تم بناؤها في مصر القديمة على مدى 3000 عام.
وفي وقتٍ لاحق، كانت أهرامات النبطان تقع في “نوري”، على بعد 10 كيلومترات شمالًا على الضفة المقابلة لنهر النيل. وكانت هذه المقبرة مكانًا لدفن 21 ملك و 52 أمير، بما في ذلك “أنلامي” و”أسبيلتا”. حيث وضعت جثث هؤلاء الملوك في تابوتٍ ضخم من الجرانيت؛ فقد كان وزن “أسبيلتا” 15.5 طنًا، ووزن غطائه أربعة أطنان. ويعتبر أقدم وأكبر هرم في “نوري” لفرعون الأسرة الخامسة والعشرين “تاهاركا”.
توجد مجموعة صغيرة أخرى مكونة من 9 أهرامات بجانب جبل “البركال” نفسه. وتعد أكثر مواقع الأهرام النوبية شمولًا من نصيب “مروي”، الذي يقع بين عدسة العين الخامس والسادس من نهر النيل، على بعد حوالي 240 كم (150 ميل) شمال الخرطوم. وخلال الفترة المروية، تم دفن أكثر من أربعين من الملكات والملوك هناك.
وبين عامي 2009 و 2012 تم اكتشاف مجموعة جديدة من الأهرامات بالقرب من قرية “سيدينجا”. وتختلف النسب المادية للأهرامات النوبية بشكل ملحوظ عن الصروح المصرية؛ فهي مبنية على مسارات متدرجة من الكتل الحجرية ذات الوضع الأفقي، ويتراوح ارتفاعها بين 6 و 30 مترًا (20-98 قدمًا) تقريبًا، ولكنها ترتفع من آثار أقدام صغيرة إلى حد ما نادرًا ما تتجاوز عرض 8 أمتار (26 قدمًا)، مما ينتج عنه هياكل ضيقة وطويلة تميل عن 70 درجة.
كما تتميز معظمها أيضًا بأنها هياكل ضخمة تتاخم قاعدتها بخصائص كوشية فريدة من نوعها. وبالمقارنة، كان للأهرامات المصرية ذات الارتفاع المماثل آثار أقدام أساسها أكبر خمس مرات على الأقل، وكانت مائلة بزوايا تتراوح بين 40 و 50 درجة.
تم نهب جميع قبور
النوبة في العصور القديمة. وكشفت النقوش الجدارية المحفوظة في مصليات المقابر أن شاغليها الملكيين كانوا محنطين ومغطين بالمجوهرات ووضعوا في صناديق مومياء خشبية. وفي وقت استكشافها من قبل علماء الآثار في القرنين التاسع عشر والعشرين، تم العثور على بعض الأهرامات التي تحتوي على بقايا الأقواس، وريشات السهام، وحلقات إبهام الرماة، وأحبال الخيول، والصناديق الخشبية، وبعض الأثاث، والفخار، والزجاج الملون، وبعض الأوعية المعدنية، والعديد من القطع الأثرية الأخرى التي تشهد على التجارة المروية الواسعة مع مصر والعالم الهلنستي.
كما تضررت أهرامات مروي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حيث قام الطبيب الإيطالي الذي تحول إلى مستكشف وصياد للكنوز “جوسيبي فيرليني” بتفجير قمم حوالي 40 مقبرة أثناء بحثه عن الكنز. وقد تضمن هرم محفور في مروي مئات الأشياء الثقيلة مثل الكتل الكبيرة المزينة بالفن الصخري، و 390 من الأحجار التي تضم الهرم. كما تم اكتشاف بقرة مدفونة بالكامل، مثلما حدث في رنين الصخور التي تم استغلالها لإنشاء صوتٍ لحني.