02-27-2016, 09:47 PM
|
|
|
|
ََ الرحمن الرحيم ََ
الرحمن الرحيم (الرحمن) اسم مشتقمن الفعل (رحم)، والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف والشفقة، وتراحم القوم أي رحمبعضهم بعضا والرحم القرابة.
الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مشتق منالرحمن وهو اسم مختص بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره، فقد قال عز وجل: (قلادعو الله أو أدعو الرحمن) معادلا بذلك اسمه الرحمن بلفظ الجلالة الذي لا يشاركهفيه أحد، ورحمن على وزن فعلان وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة والزيادة في الصفة.
و(الرحيم) .. اسم مشتق أيضا من الفعل رحم .. والرحمن الرحيم من صيغ المبالغة ..يقال راحم ورحمن ورحيم .. فإذا قيل راحم فهذا يعني أن فيه صفة الرحمة .. وإذا قيلرحمن تكون مبالغة في الصفة، وإذا قيل رحيم فهي أيضا مبالغة في الصفة، والله سبحانهوتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.
ولا يظن أحد أن صفات الله سبحانه وتعالىتتأرجح بين القوة والضعف، وإياك أن تفهم أن الله تأتيه الصفة مرة قليلة ومرة كثيرة،بل هي صفات الكمال المطلق .. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات. اقر قول الحقتبارك وتعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ (سورةالنساء ـ40)
هذه الآية الكريمة .. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى ثمتأتي الآية ونلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة (ظلام) .. أي شديد الظلم. ويظن البعضأن قول الحق سبحانه وتعالى: (ليس بظلام) لا تنفي الظلم ولكنها تنفي المبالغة فيالظلم. نقول لهؤلاء: أنكم لم تفهموا المعنى الصحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلمأحدا. فالآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد.
والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق الله .. فلو أصاب كل واحد منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد الهائلة، فإن الظلم يكونكثيرا جدا، ولو أنه قليل في كميته؛ لأن عدد من سيصاب به هائل. ولذلك فإن الآيةالأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى، والآية الثانية نفت عنه الظلم أيضا .. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
نأتيبعد ذلك إلي (رحمن ورحيم).
رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين تشملهم رحمته فيها،فرحمة الله في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهمولا يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير. إذن عدد الذينتشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلق الله بصر النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم،ولكن في الآخرة الأمر مختلف، فالله رحيم بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركونمطرودون من رحمة الله. إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة أقل عددا من الذينتشملهم رحمته في الدنيا .. فمن أين تأتي المبالغة؟
تأتي المبالغة في العطاء وفيالخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة اكبر كثيرا منها في الدنيا .. المبالغةهنا بكثرة النعم وخلودها .. فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة فيالآخرة بخصوصية العطاء وكثرة النعم والخلود فيها. والرحمة الإلهية تشمل ثناياهاالعديد من الصفات، فمن رحمة الله تبارك وتعالى أنه الغفار .. الوهاب .. الرزاق .. الشكور .. الكريم .. الواجد .. التواب .. العفو .. الهادي. ورحمة الحق جل وعلا تغمرالمخلوقات جميعا منذ أن خلقها وإلي أن نقف بين يديه، فيدخلها جنته أو يذيقها عذابه. وإذا تأملنا الكون المحيط بنا تجلت لنا رحمة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة....
فالحق تبارك وتعالى كان رحيما بنا حين خلقنا من العدم المطلق، ودون أن يكون لناسابقة وجود، ودون أن نطلب منه ذلك، وكيف نطلب ولم نكن ساعتئذ شيئا مذكورا كما قالجل وعلا: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكنشيئاً مذكوراً (سورة الإنسان)
وكان رحيما بنا حين أعد لنا هذاالكون الفسيح، موفرا لنا كل مقومات الحياة من قبل أن نظر في مرآة الوجود. فالشمستحافظ على بعد ثابت من الأرض، وهذا البعد الثابت يضمن لنا قدرا ثابتا من الحرارة .. لا يزيد فتقتلنا الحرارة، ولا ينقص فتقتلنا البرودة، والهواء يحيط بنا ويحويالأوكسجين اللازم لعملية التنفس وأكسدة المواد الغذائية كي تنطلق الطاقة التي تكفلللجسم القيام بوظائفه، والماء الذي يمثل معظم مساحة الكرة الأرضية بما له من وظائفغير محصورة في جسم الإنسان، هذا فضلا عن استخدامه في الطهارة التي تقي الإنسان شرالأمراض والآفات.
ومن رحمته عز وجل أنه جعل في الهواء من الخاصية ما يمكنه منحمل الطيور الطبيعية والصناعية وهي الطائرات التي ابتكرها الإنسان في العصر الحديث! وجعل في الماء من الخاصية ما يمكنه من حمل السفن العملاقة التي تحمل الناس بأمتعتهممئات بل آلافا من الأميال إلي أماكن لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس أو غيربالغيها أبدا. فالحق جل وعلا كان يعلم أزلا أن الأرض سوف تعمر بنسل آدم وسيصبح منالضروري أن تستجد وسائل مواصلات أكثر قوة وسرعة تسهل عليه التنقل عبر المسافاتالمتباعدة، فلولا الطائرات والسفن ما كان الإنسان ليصل إلي الأمريكتين أو إلي قارةأستراليا مثلا .. وما كان التعامل بين دول العالم ليصل إلي ما وصل إليه.
إن مرحلة إعدادالكون لم تكن مصورة فقط على توفير مقومات الحياة البدائية التي عاشها الإنسان فيبدء الخليقة .. بل إن الحق جل وعلا قد وضع في الكون عناصر ومواد، وهو يعلم أناستخدامها سيحين بعد آلاف أو ملايين من السنين حينما يزحف العمران على سطح الكرةالأرضية. خذ على سبيل المثال عنصر البترول الذي يمثل أهم مصادر الطاقة والذيتستخدمه الطائرات والسيارات والماكينات المختلفة في دورتها الحركية.
انظر إليسائر العناصر التي استخدمها الإنسان في صناعة المبتكرات الحديثة .. هل وجدت هذهالعناصر في باطن الأرض بمحض الصدفة .. إنه الجهل بعينه أن نتصور كما تصور الشيوعيونأنها موجودة بالصدفة المحضة .. لأن الحقيقة التي قررها القرآن الكريم ويقبلها العقلوتطمئن لها الفطرة السليمة .. هي أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه العناصر،فقد قال جل وعلا: الله خلق كل شيء وهو على كل شيءوكيل "62" (سورة الزمر)
وبعد أن خلقها ادخرها في باطن الأرض حتى يمكنالإنسان من الاستفادة بها في وقت الحاجة إليها .. وحتى يستطيع بنو آدم التواؤم معالظروف الجديدة والمتمثلة في زيادة أعدادهم وانتشارهم عبر جميع بقاع الكرة الأرضية. وإذا تساءلنا: هل كان الإنسان ليستطيع أن ينتقل بين أماكن بينها آلاف الأميال لولاوسائل المواصلات الحديثة؟ وهل كان يستطيع الاتصال بأبناء جنسه المقيمين بالأقطارالمختلفة لولا أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية؟
بالطبع ما كان الإنسانليستطيع ذلك لولا وسائل المواصلات وأجهزة الاتصال .. وما كان أيضا ليستطيع أن يتوصلإلي هذه الاختراعات المبتكرة لولا وجود هذه العناصر التي تدخل في تكوينها .. والتيأعدها الله جل وعلا برحمته سلفا وادخرها في باطن الأرض حتى يحين وقت استخدامها. وبعد أن أعد لنا عز وجل هذا الكون، أعد لنا في بطون أمهاتنا رحما رحيما بنا يأتينافيه الرزق .. بلا حول ولا قوة .. رزقا منه تبارك وتعالى بلا تعب ولا مقابل .. ويقولعز وجل في الحديث القدسي:
(أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمنوصلها وصلته، ومن قطعها قطعته).
ومن رحمته جل وعلا أنه ينبت لنا من الأرضالجدباء طعاما نأكله وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: فانظر إلي أثار رحمت الله كيف يحيى الأرض بعد موتها (سورة الروم ـ50)
ومن رحمته أنه جعل لنا الليل سكنا لنجد فيه الراحة والسكينة بعدعناء العمل، وجعل لنا النهار للسعي والعمل واكتساب القوت فقال عز وجل: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبغوا منفضله} (سورة القصص ـ 73)
ومن رحمته أنه أرسل الرسل بالرسالات السماويةإلي الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلي النور، وأرسل رسوله محمدا عليه افضل الصلاةوأتم التسليم خاتم الأنبياء والمرسلين بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين، فيقولتعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوالعلكم ترحمون "155" (سورة الأنعام)
ويقول سبحانه: أوعجبتم أن جاءكم من ربكم على رجلٍ منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكمترحمون "63" (سورة الأعراف)
ويقول عز وجل: وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "204"} (سورةالأعراف)فالقرآن الكريم الذي أنزل على خاتم النبيين والمرسلين هوالرحمة العظمى التي جاد بها الله عز وجل على بني آدم، فمنهم من قبلها ومنهم منأعرض. القرآن الكريم هو الذي أخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلي نور الإيمان، ونقلهممن العقائد الواهية التي بنيت على الوهم والظن إلي عقيدة قويمة بنيت على اليقينالذي لا يقبل الشك. فمن آمن بالقرآن الكريم واتبع أوامره وانتهى عن نواهيه كان لهنورا وشفاء ورحمة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(سورة النحل ـ 89)
ويقول سبحانه: وننزلمن القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين (سورة الإسراء ـ 82)
ويقول تباركوتعالى: ولقد جئناهم بكتاب فضلناه على علمٍ هدىًورحمةً لقومٍ يؤمنون "52"} (سورة الأعراف)
ويقول الحق سبحانه: تلك آيات الكتاب الحكيم "2" هدىً ورحمةً للمحسنين "3" (سورةلقمان)
ويقول جل جلاله: فقد جاءكم بينةمن ربكم وهدىً ورحمةً (سورة الأنعام ـ 157)
ومن رحمته جل وعلا أنه بينلنا موجبات رحمته، وعرفنا السبيل إلي استجلابها، فقال تعالى:إن رحمت الله قريب من المحسنين (سورة الأعراف ـ 56)
فأوضح بذلك أن رحمته تبارك وتعالى تكون قريبا من عباده المؤمنين به، الطائعينله .. فهؤلاء يتغمدهم برحمته .. فينجيهم من كروب الدنيا ويبعثهم يوم القيامة .. يومالفزع الأكبر .. آمنين. ألم ينج الله عز وجل هودا عليه السلام من قوم عاد بعد أنكفروا بما جاءهم من عقيدة التوحيد واتهموه بالسفاهة وكادوا يفتكون به وبمن اتبعه منالمؤمنين؟ وفي ذلك يقول عز وجل: فأنجيناه والذينمعه برحمةٍ منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين "72" (سورةالأعراف)
وصالح عيه السلام حين أمر قومه ألا يقربوا الناقة وأن يذروهاتأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فعقروها فأصابتهم الصيحة ونجى الله صالحا ومن آمنمعه، وفي ذلك يقول جل وعلا: فلما جاء أمرنا نجيناصالحاً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز "66" (سورة هود)
كما قال عز وجل عن شعيب عليه السلام: ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا وأخذتالذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين "94" (سورة هود)
ولعلنالا ننسى في هذا المدار أهل الكهف وكيف أن الله تبارك وتعالى قد جعلهم عبرة ودليلاعلى أن الإيمان القويم المصحوب بالصدق في القول والعمل يستجلب رحمة الله لتغمرالمؤمن به الملتزم بطاعته ولتجعل له الصعب سهلا. إن قصة أهل الكهف .. هي قصة كل قوميفرون من الطغاة الذين يحاولون حملهم قسراً على الكفر بالله .. فيفروا بدينهم .. لقد اختبأ الفتية في كهف. إن الله سبحانه وتعالى يصفهم في كتابه الكريم بقوله: إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً (سورة الكهفـ من الآية 13)
وبهذه الصفة علمناأن أهل الكهف .. لم يكونوا من الشيوخ الضعفاء أو مجموعة من النساء .. إنما هم فتية .. أي فيهم شباب وفتوة، وأنهم آمنوا بربهم .. أي أنهم فتية مؤمنون بالله .. وأنالله سبحانه وتعالى ـ لما آمنوا به ـ زادهم إيمانا وهدى من عنده .. فالله جل جلالهيزيد المؤمن إيمانا .. ويعينه على الطريق مادام إيمانه صحيحا وقويا .. مصداقا لقولالحق سبحانه وتعالى: والذين اهتدوا زادهم هدىًوآتاهم تقواهم "17" (سورة محمد)
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتناإلي أنه يعين المؤمن على طريق الإيمان فيزيده من فضله. هؤلاء الفتية خافوا علىدينهم وخافوا على عقيدتهم من أن يجبرهم حكامهم على عبادة غير الله .. ففروا بدينهمإلي كهف في الجبل .. يختبئون فيه من الطغاة الكفرة .. والكهف مكان ضيق .. لا يستطيعالإنسان أن يمضي فيها إلا وقتا قصيرا .. واقرأ قول الحق جل وعلا:وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلي الكهف ينشر لكم ربكممن رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً "16" (سورة الكهف)
الحق سبحانهوتعالى يريد منا أن نعلم .. أن هذا الكهف الضيق الذي ـ بكفرنا البشري وتفكيرناالمادي ـ نظن أنه سيضيق عليهم مكانا بمساحته الصغيرة .. وزمانا بأنه لا أحداث فيه .. هذا الكهف إن ضاق عليهم مساحة، فلن يضيق عليهم أنعاما .. فرحمة الله سبحانهوتعالى ستجعل هذا المكان الضيق يبدو رحبا واسعا .. فلا يحسون بضيق المكان والزمنيتوقف فيه فلا يحسون بضيق الزمان .. بل تأتي رحمة الله لتحيط بهم.
إن هذايلفتنا إلي أن كل من يفر بدينه .. إلي مكان غير الذي يقيم فيها، ومهما كان هذاالمكان ضيقا فإن الله برحمته يجعله واسعا رحبا. فإن كان هذا المكان فيه ضيق فيالرزق .. فتح الله للمستمسك بدينه من أبواب الرزق ما يجعله أغنى الأغنياء. وإذا كانهذا المكان يضيق بالغرباء .. أي لا يرحب فيه بغريب .. وضع الله من رحمته في قلوبسكان هذا المكان ما يجعلهم أشد الناس ترحيبا به. وإن كان هذا المكان ضيقا بمن فيهأي مزدحما أوجد الله له مكانا متسعا يعيش فيه.
لقد غمر الله أهل الكهف برحمتهمكافأة لهم على الفرار بدينهم .. فلم يجعلهم يفكرون في أنهم مضطهدون حتى لا يعيشوافي قلق ورعب من أن يلحق بهم الطغاة الكفرة، أو يكتشفوا مخبأهم، كما أزال من حياتهمهم البحث عن الطعام والشراب؛ لأن عملية البحث كانت ستعرضهم لظروف قاسية كل يوم .. هي أن يخرج أحدهم من الكهف ليأتي لهم بطعام وشراب، وهو يتلفت حوله خوفا من أن يراهأحد أعوان الطغاة، فيرشدهم إلي الكهف .. أو أن يتتبعه أحد فيكشف سرهم .. لذلك ألقىعليهم (أمنه نعاسا) أي ألقى عليهم النوم في الكهف .. فلا يشعر بهم أحد، ولا يشعرونبالوقت .. ولا يحتاجون إلي طعام وشراب.
وهكذا نجاهم الله برحمته من كل ضيقدنيوي .. فلا هم أحسوا بضيق المكان، ولا أحسوا بملل الزمان، ولا أحسوا بقلق توقعالخطر، ولا أحسوا بضيق حياتهم .. بل الله تبارك وتعالى برحمته المطلقة اذهب الضيقتماما .. وكانت هناك آيات بقدرة الله تولتهم بعنايته ورحمته. ونبي الله أيوب عليهالسلام حين اشتد عليه البلاء فالتزم الصبر ولم يخرج عن حدود الإيمان القويم فغمرهالله برحمته ورفع عنه البلاء وأعاده إلي حال أحسن من حاله قبل البلاء.
وفي ذلكيقول تبارك وتعالى: وأيوب إذ نادى ربه أني مسنيالضر وأنت أرحم الراحمين "83" فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهممعهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين "84" (سورة الأنبياء)
ويقول جل وعلاعن إدريس وإسماعيل وذا الكفل عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم: وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين "85" وأدخلناهم فيرحمتنا إنهم من الصالحين "86" (سورة الأنبياء)
ورحمة الله لا تقتصر علىالمؤمنين الطائعين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأنفسهم .. وقد رأينا ذلك في قصة العبد الصالح والجدار والتي قال عنها المولى عز وجل: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكانتحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمةًمن ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً "82" (سورةالكهف)
إن الآيات القرآنية الكريمة التي جعلت الإيمان بالله تباركوتعالى وطاعته سببا لاستجلاب رحمته عديدة .. فقد قال جل وعلا: وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون "132" (سورة آل عمران)
وقال جل شأنه: يقولون ربنا آمنا فاغفر لناوارحمنا وأنت خير الراحمين "109" (سورة المؤمنون)
وقال سبحانه وتعالى: فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون(سورة الحجرات ـ 10)
ولعل في سيرة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتمالتسليم خير دليل على العلاقة الوطيدة بين إيمان العبد ودخوله في رحمة الله. فنبيناعليه الصلاة والسلام لا يضاهي في كمال إيمانه وشدة طاعته والتزامه. ولذلك كان صلىالله عليه وسلم مشمولا برعاية الله ورحمته في كل لمحة ونفس منذ أن شرف الوجودبمولده وإلي أن لقى ربه عز وجل .. ألم تشمله الرحمة الإلهية في الغار إذ أوشك أنيعثر عليه كفار قريش؟ وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فيالغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لمتروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم "40(سورة التوبة)
ألم تشمله الرحمة حين التف الكفار حول داره يريدون قتلهوالخلاص من رسالته .. فأعمى الله عيونهم عنه وخرج آمنا مطمئنا إلي حيث غايته، وفيذلك يقول الحق جل وعلا: وجعلنا من بين أيديهم سداًومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون "9"} (سورة يس)
كم من المعاركالضارية خاضها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على رأس أصحابه، وكم من محاولة غادرةماكرة حاكها الكفار والمشركون للخلاص منه ومن رسالته .. ولكن هيهات .. هيهات أنيتحقق ما ينشدون. فالحق سبحانه وتعالى رحمة بالبشرية جمعاء شمل نبيه بعنايته ورحمتهوشمل الرسالة برعايته وحمايته، حتى يخرج الناس من الظلمات إلي النور وقد قال جلوعلا: ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كرهالكافرون (سورة التوبة ـ9)
وقال سبحانه: والله متم نوره ولو كره الكافرون (سورة الصف ـ8)
ولم يكنرسول الله صلى الله عليه وسلم مشمولا برحمة الله فحسب .. بل كان هو نفسه رحمة تمشيعلى الأرض .. ومن يتتبع رسالته وما أحدثته في تاريخ العالم من تغيير سيدرك علىالفور أنه رحمة من الله للناس كافة وهذه الرحمة قد غمرت من آمن به ومن لم يؤمن وأناختلفت في القدر والكيف. وقد قال تعالى:وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين "107" (سورة الأنبياء)
ومن رحمة المولىتبارك وتعالى أنه كتب على نفسه الرحمة كما ذكر في قوله تعالى:كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه (سورةالأنعام ـ12)
وكما قال سبحانه: فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة (سورةالأنعام ـ 54)
وهذه الكتابة لا تنفي أن الرحمة صفة أصلية له .. متعلقةبذاته .. ولكي نفهم ذلك ينبغي أن ندرك أن صفات الله عز وجل لا ترغمه على أن يتصرفوفقا لها .. بمعنى أنه عز وجل رحيم، والرحمة صفة أصليه له، متعلقة بذاته .. ولكننانرى أحيانا أنه ـ سبحانه ـ يعامل بعض مخلوقاته بلا رحمة؛ لأنه إن شاء ذلك فعل .. فهو سبحانه وتعالى لا يحكم على نفسه معاملة خلقه بمنتهى الرحمة .. فكان الفرض منهوعليه، ورحمة الله قد وسعت كل شيء، فشملت المؤمن والكافر، المطيع والعاصي، الحيوانوالنبات، بل وشملت الجماد أيضا .. وقد قال جل وعلا: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعك كل شيء (سورة الأعراف ـ 156))
وقال تعالى: ربنا وسعت كل شيءرحمته وعلماً (سورة غافر ـ 7)
ولعلك تشعر بالرحمة الفياضة إذا تأملتقطة ترضع صغيرتها. أو أسدا يداعب شبله في معركة لا يلحق الصغير منها أذى .. إنهارحمة الله التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة في الكون إلا غمرتها. وقد قلنا مرارا إنالله عز وجل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .. فرحمانيته في الدنيا شملت جميع خلقه .. المؤمن والكافر والطائع والعاصي .. بينما يختلف الأمر في الآخرة، إذ أن رحمته ستشملالمؤمن فقط .. فكما شملتهم في الدنيا باسمه (الرحمن) فإنه سوف يشملهم في الآخرةباسمه (الرحيم) فيغفر لهم خطاياهم ويرحمهم ويدخلهم جنته برحمته، وفي ذلك يقول جلوعلا: أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم(سورة التوبة ـ 71)
ويقول سبحانه: فأماالذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه (سورة النساء ـ 175)
ويقول وقوله الحق: سيدخلهم الله في رحمته إنالله غفور رحيم (سورة التوبة ـ 99)
وإذا تتبعنا اسمه عز وجل (الرحمن)في الآيات القرآنية التي ورد فيها وكذلك إذا تتبعنا اسمه (الرحيم) لتأكد لدينا أنهرحمن الدنيا ورحيم الآخرة. خذ على سبيل المثال قوله تعالى: يا أبت لا تبعد الشيطان أن الشيطان كان للرحمن عصياً "44" يا أبت إنيأخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً "45" (سورة مريم)
لقدورد اسم (الرحمن) في الآيتين السابقتين ولم يرد اسم الرحيم .. وذلك لأن رحمانيةالله في الدنيا شملت جميع خلقه. ولو لم تشملهم جميعا لما أمهل الله عز وجل الشيطانإلي يوم القيامة، ولما أمهل آزر رغم أنه متمسك بشركه وكفره .. وتأمل أيضا قولهتعالى: لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرونبالرحمن (سورة الرعد ـ 30)
فعلى الرغم من كفر الكافرين، وضلال الضالين .. تجد أن الحق جل وعلا يشملهم برحمانيته فيمهلهم ويمد لهم في الوقت لعلهم يذكرونأو يخشون. وبينما تدل الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن على شمول الرحمانية لجميعالمخلوقات في الدنيا، نجد أن اسم (الرحيم) لا يرد في الغالب إلا مع المؤمنينالطائعين أو التائبين النادمين ويتجلى ذلك في قوله تعالى:فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (سورة البقرة ـ 160)
وقوله سبحانه: أولئك يرجون رحمت الله واللهغفور رحيم (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192" (سورة البقرة)
ومنكمال رحمته جل وعلا أنه لا يأخذ الكافر والمشرك والعاصي بذنوبهم على الفور .. بليمد لهم ويمهلهم لعلهم يرجعون. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكنيؤخرهم إلي أجل مسمىً فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً "45" (سورةفاطر)
يأخذ الجميع ثم يتغمد عباده برحمته .. فيقيهم عذاب ناره، ويسكنهمفسيح جناته. وإن كانت رحمة الله عز وجل عامة شاملة في الدنيا كما أوضحنا .. فهذا لاينفي أن المؤمن يختص منها بنصيب متميز. فالرحمن بالكفار والعصاة تتجلى في إبقاءالله لهم وإمهالهم إلي أن يحين أجلهم .. ويتجلى أيضا في أن الله تبارك وتعالى لايرحمهم من نعمه. أما رحمة الله بالمؤمن .. فهي الحياة الكريمة الهادئة المستقرة فيالدنيا والآخرة .. إنها الحياة التي ينعم المؤمن فيها برضاه عن نفسه وعن خالقه وعنحياته .. وحتى ولو ابتلى أشد البلاء .. في صحته أو ماله أو أهله ..
وماذا يبغيالإنسان منا أكثر من ذلك؟
وانطلاقا من هذه الحقيقة اختص تبارك وتعالى أمةالتوحيد الصحيح الكامل .. أمة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم برحمات لاتحصى منها بل من أهمها القرآن الكريم .. الرحمة العظمى .. تلك الرحمة العامة التيقبلوها دون غيرهم من أمم الكفر والشرك .. فغمرتهم دون سواهم .. هذه الرحمة التيتتجلى في القلوب فلا يشعر بها إلا من قبلها .. ويعمي عنها من رفضها وردها فلا يلمسلها أثرا في نفسه ولا في غيره.
ومن هذه الرحمات أيضا أن الحق تبارك وتعالى جعللأمة محمد في قلب نبيهم رأفة ورحمة بهم .. ولقد كان لرحمته صلى الله عليه وسلمبصحابته والتابعين ما لها من الآثار والنعم .. تلك النعم التي لم تنقطع منا بعثتهوإلي وقتنا هذا. فحسبه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه على المسلمين أن من لايرحم لا يرحم .. وأن مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرالجسد بالسهر والحمى .. وقد قال جل وعلا: لقدجاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "128" (سورة التوبة)
ومن هذه الرحمات أيضا أنه عز وجل جعل في قلوبهم رأفةورحمة فيما بينهم مما أشاع الود والترابط بينهم .. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: وجعلنا في قلوب الذين أتبعوه رأفةً ورحمةً (سورةالحديد ـ 27)
ويقول سبحانه أيضا: محمدرسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (سورة الفتح ـ 29)
ومن هذه الرحمات أنه جل وعلا يسر عليهم الحساب حتى يجتازوا الاختبار ويؤدواالأمانة التي حملوها باختيارهم .. فينتهوا إلي النعيم الأبدي الذي لا يعتريه شقاءولا كرب ولا ملل .. فمن جاء منهم بالحسنة ضاعفها له إلي عشرة أمثالها .. وإليسبعمائة ضعف .. ويضاعف فوق ذلك لمن يشاء .. ومن أتى بالسيئة فلا يجزي إلا بها، وفيذلك يقول تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشرأمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون "160" (سورةالأنعام)
كما قال سبحانه: من جاءبالحسنة فله خير منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون "89" (سورة النمل)
ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن اللهغفور شكور "23" (سورة الشورى)
وقال تبارك وتعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل فيكل سنبلةٍ مائة حبةٍ والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" (سورةالبقرة)
وقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الحسناتوالسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هوهم بحسنة فعملها، كتبها الله له عشر حسنات، إلي سبعمائة ضعف، إلي أضعاف كثيرة، ومنهم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها اللهسيئة واحدة.
وفضلا عن ذلك فإنه تبارك وتعالى قد فتح أمامهم باب التوبةوالمغفرة على مصراعيه .. حتى إذا ما أذنبوا فندموا فاستغفروا فرجعوا إليه غفر لهمذنوبهم وتغمدهم برحمته وفي ذلك يقول جل وعلا: قليا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوبجميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53" (سورة الزمر)
ويقول سبحانه وتعالى: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192" (سورةالبقرة)
ويقول جل وعلا: إلا الذينتابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "89" (سورة آل عمران)
ويقول سبحانه: أنه من عمل منكم سوءا بجهلةٍ ثمتاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم (سورة الأنعام ـ 54)
ومن رحمته بهمأيضا أنه فتح أمامهم أبواب الخيرات .. لترجح كفة حسناتهم فينتهوا إلي حيث النعيمالأبدي .. إلي حيث صفاء النفوس المؤمنة صفاء لا يعكره كدر .. ونعيم لا يشوبه انقطاعأو يقطعه ملل. لقد نوع المولى عز وجل لهذه الأمة مصادر الحسنات .. ما بين صلاةوصيام وحج .. وفرض على نفسه أن يكافئ المحسن ولو على ذرة من الخير عملها في وقت منالأوقات، وفي ذلك يقول جل وعلا: فمن يعمل مثقالذرةٍ خيراً يره "7" (سورة الزلزلة)
فالابتسامة في وجه أخيك صدقة .. وإماطة الأذى عن الطريق صدقة .. الكلمة الطيبة صدقة .. اللقمة يضعها المرء في فمامرأته له بها صدقة. أي رحمة بعد ذلك وأي تخفيف؟. إنه سبحانه وتعالى يتلمس لناأسباب النجاة والفوز بالجنة، ويهيئ لنا من أبواب الخير ما يحول بيننا وبين جهنموالعياذ بالله .. فما علينا إلا أن نسلك الطريق وأن نغتنم هذه التيسيرات فنتقيالنار ولو بشق تمرة.
إن كل شيء في الكون رحمة من الله سبحانه وتعالى بخلقه حتىلو تبدي للناظرين أنه عناء وشقاء .. الشياطين .. الحيوانات المفترسة .. الثعابين .. العقارب .. الفجائع التي تصيب الإنسان في الأهل والأحباب .. في الصحة والمال .. كلهذا من رحمة الله بخلقه. فمن حكمته تبارك وتعالى ورحمته أنه أوجد للإنسان أعداءمتعددين يلاحقونه دوما .. حتى إذا ما ضاق بهم ذرعا .. وعجز عن مقاومتهم .. لجأ إليخالقه .. ليكون له طوق النجاة .. ولو أنه عز وجل لم يفعل ذلك لما ذكر الإنسان ربهإلا قليلا.
وهكذا يتجلى لنا أن الرحمة قد تكمن في جوف النقمة .. ولاشك أن كل مايقرب الإنسان من خالقه هو الخير بعينه والرحمة بعينها وأن تجلي للسطحيين أنه نقمةليس لوجودها مبرر. والمؤمن يجب أن يدعو الله دائما أن يتغمده برحمته في الدنياوالآخرة .. فالدعاء لاستجلاب الرحمة من خصال المؤمنين الصادقين المتقين الذين يخشونالله عز وجل ويخشون عذابه لأنهم على يقين أن الله حق وأن الجنة حق وأن النار حق .. ولنقرأ قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعهالها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسين أو أخطأنا ربنا ولا تحملعلينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفعنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "286" (سورةالبقرة)
وقوله تعالى: قال يا نوح إنهليس من أهلك إنه عمل غير صالحٍ فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون منالجاهلين "46" قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمنياكن من الخاسرين "47" (سورة هود)
وقوله تعالى: أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذهديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً (سورة آل عمران ـ 8)
وقوله تعالى: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين(سورة المؤمنون ـ 109)
ولا يظن المؤمن أنه آمن بمحض مشيئته .. ولا يظنالطائع أنه أطاع بخالص قدرته وإرادته؛ لأن الانتقال من الكفر إلي الإيمان، ومنالمعصية إلي الطاعة يكون برحمة الله وتوفيقه واتل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً (سورة النورـ 21)
ورحمة الله عز وجل مطلقة كسائر صفاته، ولقد أشار الحق تباركوتعالى إلي ذلك في العديد من الآيات القرآنية .. فقال جل وعلا: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} (سورة الأعراف 156)وقال سبحانه: قال لا تثريب عليكماليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92" (سورة يوسف)
إنه عز وجلارحم الراحمين وخير الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء .. فهي الرحمة المطلقة التي غمرتكل المخلوقات وغمرت كل البشرية بما فيها من عناصر الكفر بالله والشرك به والمعصيةله والجحود بأنعمه. ومن العجيب أن هذه العناصر الكافرة والمشركة والمعصية تحاولهباء أن تشكك في طلاقة الرحمة .. فيقولون: كيف تكون رحمة الله مطلقة رغم أنه سيدخلبعضا من خلقه جهنم ويذيقهم أشد العذاب؟. محاولين بذلك أن يتلمسوا لأنفسهم مخرجا إذما اكتشفوا بعد الموت أن الله عز وجل حق، وإذا ما اكتشفوا زيف عقائدهم التي أصرواعليها في الدنيا.
وقد بينا في غير موضع سذاجة فكرهم وسطحية عقولهم، وجهلهمبمفهوم الكمال الإلهي .. ونكرر ما ذكرنا من قبل في هذه الجزئية الهامة حتى يعلم منلم يعلم، ويتثبت من علم. لقد قلنا ردا عليهم: أن هذا فهم قاصر .. إذ أن رحمة اللهقد شملت جميع مخلوقاته منذ أن خلقهم من العدم المطلق وتكفل بتوفير مقومات الحياةلهم من هواء وماء وطعام إلي غير ذلك مما لا نستطيع حصره، وفي مقابل ذلك طلب منهمعبادته وطاعته بما هو ميسور لهم من العبادات، وهذه العبادة ليست إلا القيام ببعضالأعمال وامتناع عن بعض .. علما بأن الالتزام بالفعل والامتناع يكفل لهم حياة كريمةهادئة ويحقق لهم الأمن والأمان وسعادة الدنيا والآخرة، فإذا أطاعوا الله فيما أمربه ونهى عنه فستشملهم رحمته في الآخرة كما شملتهم في الدنيا.
وأما من عصى ولميعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط عن نفسه موجبات الرحمة في الآخرة،واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله المطلق الذي يقتضي معاملة كل إنسان وفقالعمله في الدنيا. ولو ساوى الله بين عباده في الحساب وأدخل الجميع فسيح جناته لأصبحظالما لعباده الصالحين الطائعين .. فعدله عز وجل يقتضي أن يكون رحمن الدنيا فتشملرحمته في الدنيا جميع خلقه، وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته في الآخرة عبادهالصالحين الطائعين، بل إن تعذيب النفوس الشريرة التي دأبت على المعصية قد يكون رحمةمن الله سبحانه وتعالى لتطهير هذه النفوس من شرها وعنادها، فإذا أدخلها الجنة بعدذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع قداسة الجنة وقداسة أهلها.
إن الله تبارك وتعالىواحد أحد متعدد الصفات، ولكل صفة مجال للعمل، فصفة الرحمة لها موجبات، وصفةالانتقام لها موجبات، فإذا تحققت موجبات الرحمة حلت الرحمة حيث تحققت موجباتها .. وإذا تحققت موجبات الانتقام الإلهي .. حل الانتقام حيث تحققت موجباته .. ولا تعارضبين هذا وذاك.
وأنه لمن الجهل المتعمد بالكمال الإلهي أن ينتقي الإنسان منالصفات الإلهية ما يوافق هواه فيتشبث بها، بينما يغفل ويتناسى سائر الصفات وكأنهاليست من صفات الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى اللهعليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: "إن رحمتي سبقت غضبي"
وفي رواية "تغلب غضبي" أي غلبت بكثرة آثارها .. بدليل أن قسط الخلق من الرحمناكبر من قسطهم من العذاب، لنيلهم إياها بلا استحقاق، فقلم التكليف مرفوع عنهم إليالبلوغ، وعقوبة العصيان غير معجلة، وحتى مع العصيان فإن الله يرزقهم ويقبل توبتهم. إن الحق جلا وعلا رحمن رحيم في نفس الوقت الذي هو فيه شديد الانتقام وشديد العذاب،ولا تعارض البتة لمن يفهم المسألة على وجهها الصحيح. فسبحان الله وبحمده وسبحانالله العظيم .. الرحيم الذي ينزل إلي السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأولفيقول:
أنا الملك.
من ذا الذي يدعوني فاستجب له؟.
من ذا الذي يسألنيفأعطيه؟.
من ذا الذي يستغفرني فاغفر له؟.
فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر. .
فتبارك ربنا الملك الحق .. الرحمن الرحيم.
|
|
[/quote]
QQ hgvplk hgvpdl
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-27-2016, 09:54 PM
|
#2
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
بارك الله فيك
على روووعة طرحك القيم
مودتي
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-27-2016, 10:10 PM
|
#3
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-27-2016, 10:13 PM
|
#4
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-27-2016, 11:15 PM
|
#5
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
طرح رائع ومميز
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-27-2016, 11:41 PM
|
#6
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
جــزاك الله خيــراً وبـــارك فيــك
جعله الله في موازيـــن حسناتك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-28-2016, 12:26 AM
|
#7
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
جزاك الله خيرا
وجعله الله في ميزان حسناتك
واثابكك الله عليه بجنانه
لروحكك الورد
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-28-2016, 12:46 AM
|
#8
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
لحن
مرور عطر وتواجد راقي
لروحك الجوري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-28-2016, 12:47 AM
|
#9
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
انفاس
مرور عطر وتواجد راقي
لروحك الجوري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-28-2016, 12:47 AM
|
#10
|
رد: ََ الرحمن الرحيم ََ
الغضنفر
مرور عطر وتواجد راقي
لروحك الجوري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع |
إبحث في الموضوع |
|
|
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 12:03 PM
| | | | | | | | | |