"أوله دلع وأخره ولع" تلك هي الترجمة الحقيقية لقضية اليوم، بل هي النهاية الطبيعية للخيانة عبر الإنترنت. وبالرغم من حدوث طفرة إلكترونية كبيرة داخل المجتمعات، ما جعل العالم المترامي الأطراف قرية صغيرة تنصهر وتتقارب ثقافاتها المتعددة، إلا أن هذه الطفرة أنجبت لنا "جنيناً مشوهاً" وهو "الخيانة الإلكترونية"، وإذا كان كثيرون من أفراد المجتمع يستنكرونه إلا أنهم يمارسونه في الخفاء للأسف.
ولا شك أن الفراغ العاطفي وضعف الإيمان يقفان خلف سقوط الكثير من الزوجات في هذا "المستنقع".
تفتح ملف الخيانة الإلكترونية، وتأثيرها على العلاقة الزوجية وتتعرف على آراء المختصين، في محاولة للوقوف على أبعاد هذه القضية وطرق علاجها قبل أن تستفحل.
نداء قلبي
بعيون تملؤها الحيرة بدأت "نوف" سرد قصتها لـ "سبق"، قائلة: شخصيتي رومانسية أميل لسماع عذب الكلمات، تأسرني العبارات العاطفية، تزوجت زواجاً تقليدياً، ومع مرور السنوات افتقدت المعاني الجميلة ودارت أيامي في فلك الروتينية، في خيالي كنت أنسج حلماً جميلاً أعيش به ساعاتي الباهتة.
أثناء بحثي في موقع الفيس بوك وجدت اسمه، كان شاعراً رقيق الإحساس لطالما حلمت به وبرؤيته والانجذاب إلى عالمه الرومانسي، بكل الشوق وجدت نفسي أقبل عليه، تحدثت معه بادلني الحوار أبهرني بأسلوبه الرقيق الذي أحيا فيض مشاعري.
وتضيف: كنت أنتظر الساعات لأقابله على "الشات"، بل حددنا سوياً موعداً للقائنا، أستمد منه طاقاتي العاطفية، كنت أشعر بثقل الساعات، ويقتلني الشوق حتى ألقاه. بعد أن أسترد وعيي مع زوجي وأسرتي وأشعر بمسؤوليتي الأسرية، أصحو من غفوتي وكأني كنت في حضنه، ترتسم على وجهي الابتسامة والتفاؤل، عشقته من صميم فؤادي وبكل جوارحي، كتبت أشعاري بين دفتي أيامي، اقتربنا أكثر وقد تكاملت شخصيتنا، طلب مني رقم تليفوني، على الفور استجبت لنداء قلبي، وسمعت صوته لأول مرة وشعرت بخفقات قلبي وبدأت تسري الدماء في عروقي كأني أحيا من جديد، تعددت المكالمات الهاتفية بيننا وجدت نفسي أفكر فيه كثيراً، وأجد في الحديث معه متنفساً عاطفياً نسيت معه زوجي وشعرت بالفتور تجاهه، ولم أعد أشعر بالرغبة في الاقتراب منه، مع مرور الأيام شعرت بتمزق قلبي وبدأ الصراع بين عاطفتي الجياشة ومسؤوليتي الاجتماعية، لا أدري ماذا أفعل؟
عالم الإغراء والإثارة
لم ينفِ "تركي" إقباله على مواقع الدردشة واعترف لـ "سبق" قائلاً: منذ فترة أعاني من برود عاطفي وجنسي تجاه زوجتي، حتى إن البيت أصبح باهتاً، وفي لحظة يأس فتحت أحد مواقع الدردشة، وجدت نفسي منجذباً لهذا العالم المثير، تعرفت على فتاة لبنانية، تجولت معها في عالم الإثارة، فهي تملك من وسائل الإغراء والإثارة ما جعلني أدمن الحديث معها، فأشعر معها برجولتي وعاطفتي التي ظننت أن الأيام عصفت بهما، وقد تطور الأمر بيننا لأكثر من ذلك حتى أقمنا علاقة جنسية عبر الشات، وجدت فيها ضالتي المنشودة، وظل هذا الموضوع يتمكن مني حتى امتلكني وصرت بالفعل مدمناً لهذه العادة.
وتابع حديثه: بمجرد أن ألمح صورتها.. حروفها.. كلماتها أشعر بالإثارة وتسكنني الرغبة التي أفتقدها للأسف في علاقتي الخاصة مع زوجتي، والآن لم أعد اقترب من زوجتي، وإن شعرت بالرغبة فلا أجد قدرتي على ممارسة الحياة الزوجية، لا أدري ماذا أفعل؟ ولا أستطيع مواجهة زوجتي أو أي شخص آخر بما أعانيه.
انتهاك فاضح
من جهتها عرّفت المستشارة الأسرية الدكتورة أريج داغستاني الخيانة الزوجية بأنها انتهاك فاضح للثقة بين الزوجين، مفرقة بين قناعة الأزواج في تقبل الخيانة الزوجية، فمنهم من يقتنع أن الخيانة هى نهاية المطاف للحياة الزوجية، وهؤلاء الأزواج نسبة استمرارهم ضعيفة للغاية، وهناك من يرى أن الخيانة تصدع في جدار الحياة الزوجية ولكن يوجد لدى الطرفين رصيد في العلاقة ما يؤهلهما لترميم هذا التصدع واستعادة الثقة بينهما مرة أخرى، وهؤلاء نسبة تواصلهم جيدة جداً.
وأوضحت أن وصول الزوجين إلى بر الأمان يعتمد على طبيعة الشريك الخائن الذي لا يخرج عن ثلاثة أنواع: إما أن يكون معترفاً وهذا من السهل التعامل معه، والمغالط في المفاهيم وهو الشخص الذي يتساءل: "ما الخطأ الذي قمت به؟ وهو الذي يتطلب من الطرف الآخر أن يكون على درجة عالية من الوعي والعقل، أو أن يكون نافياً بشكل مطلق للخيانة، وفي هذه الحالة لا بد أن يتعامل الشريك المخدوع على تجنب أي أسلوب للتجسس، بل التركيز الدائم على الأضرار التي تأثرت بها الأسرة.
وأضافت أنه لا مانع في أن يمارس الشريك المخدوع، ذكراً كان أو أنثى، إذا اكتشف الخيانة عن طريق النت، أساليب الإغراء والتشويق لإمتاع الشريك الخائن عبر النت، محذرة الطرف المخدوع من تركيز اهتمامه بالطرف الخائن، حيث إن تركيز الأضواء على الأخطاء يبرزها أكثر فتصبح أكثر وضوحاً.
وأكدت ضرورة التركيز لمعرفة مدى تكرار الخيانة الزوجية، وهل هي جزء من تربية وشخصية الشريك الخائن، أم هي طارئة تبعاً لظروف معينة، مشددة على ضرورة مناقشة أمور العلاقات الخارجية مع الشريك الذي يخون، وتوضيح مدى انزعاج الطرف الآخر من الخيانة والآثار النفسية التي وقعت عليه من اكتشافه للخيانة.
ودعت داغستاني إلى أهمية قضاء وقت بين الزوجين منفردين بعيداً عن الأسرة، مؤكدة ضرورة تجاهل الشريك المخدوع لظهور المشاعر المؤلمة وأن يتيح المجال للإفصاح عنها في وقت آخر كى لا تفقد لحظة تواجدهما سوياً فاعليتها.
وطمأنت طرفي العلاقة بأن الخيانة سلوك وليس وصمة عار لطرف دون الآخر، وبالتالي فالمشاعر مشتركة بين الشريك المخدوع سواء كان الزوج أو الزوجة.
إدمان وقتي
أما المحلل النفسي الدكتورهاني الغامدي فرأى أن المرأة الآن تتواصل عبر المواقع الإلكترونية المختلفة والمنتشرة بشكل كبير، وقبل عشر سنوات لم تكن لديها الفرصة لذلك، وبالتالي أصبح الرجل يجد سهولة في أن يتواصل مع الجنس الآخر والعكس صحيح، وهنا تم إكمال الدائرة ليتواصل الطرفان ضمن ما يعرف بـ "غرف الشات".
وشرح الغامدي الطريقة التي تحدث من خلالها الخيانة الإلكترونية والتي تبدأ بتلقف كلا الطرفين لكلام الآخر وحديثة، ومن ثم يبدأ في وضع صورة خيالية وهمية، وبعدها تنطلق شرارة الاهتمام التي قد تفسر بالإعجاب في حينه، ومنه تتم الخطوة التي تليها وهي التفرد في التواصل مع شخص بعينه لينطلقا إلى مستويات أعلى من ذلك التواصل سواء عن طريق المايك أو الجوال وتبدأ هنا ما تعرف بالعلاقة الإلكترونية المتفردة.
وحول التفسير النفسي الخيانة الإلكترونية قال: هذا سلوك يتوافق مع النوايا لبعض الأفراد، ومنهم من يكون على دراية بما يحتاجه الطرف الآخر من كلمات ليقف موقف المحتضن وبالتالي يمارس فعل العطاء حسب تصوره، أو أن يكون الأمر ذا معنى يعطيه الإحساس بالأنا من خلال العدد الذي يتواصل معه ذلك الفرد بحيث يكون هناك إحساس بالإنجاز اليومي المستمر بأنه الفاعل والمؤثر في الآخرين.
وحول ما إذا كان هذا النوع من الخيانة يعد إدماناً، أضاف الغامدي هو إدمان وقتي، مؤكداً أن العديد من النساء عند البدء في ممارسة هذا النوع من الخيانة يقلن: إنها مجرد مرة واحدة ولن تتكرر، بيد أن الموضوع يزيد ويأخذ منحى آخر يوماً بعد يوم.
وأشار إلى أنه قد يلجأ أحد الطرفين لإدخال الآخرين معه من غير المتخصصين في أدق تفاصيل حياته، وكأنه جزء من التفريغ وطلب التعاطف، دون النظر إلى أن الطرف الآخر سيصبح أسيراً له ضمن التأثيرات المشاعرية والتعاطف القائم بل والمشاركة الوجدانية التي تجعل من الطرفين لصيقين لبعضهما البعض ضمن قصة أوموقف معين ليجدا أنفسهما في نهاية الأمر لا يستطيعان التخلص من هذا السلوك إلا من رحم ربي.
مفهوم فضفاض
فيما تردد المشرف العام على وكالة أخبار المجتمع السعودي هاني الظاهري كثيراً أمام مصطلح الخيانة، مشيراً إلى أنه مفهوم فضفاض ويختلف من ثقافة لأخرى، بيد أن المتفق عليه في مسألة "الخيانة الزوجية" أنها الممارسات الجنسية خارج إطار العلاقة الزوجية الشرعية، ولا يوجد في العالم الافتراضي ما يمكن أن يسمى بالممارسة الجنسية الكاملة ولذلك من الصعب تسمية أي علاقة لاتصل لمستوى الاتصال الجنسي "خيانة زوجية".
وأوضح أن أسباب العلاقات العاطفية التي قد تنشأ عبر الإنترنت مختلفة ومتعددة ولا يمكن حصرها في تقصير أحد الزوجين تجاه الآخر كما جرت العادة، فالمسألة أكبر من ذلك بكثير وهي مرتبطة بالعاطفة والعوامل النفسية وقد تكون خارج إرادة من يقع فها، مؤكداً أن العلاقات العاطفية الإلكترونية موجودة في كافة المجتمعات، فالإنسان هو الإنسان بأحاسيسه ومشاعره.
مغريات العصر
إلى ذلك شدد الناطق الإعلامي بالندوة العالمية للشباب الاسلامي الدكتور محمد بادحدح على أهمية التربية على تقوى الله، التي تعد حصناً في كل زمان ومكان ضد مغريات العصر، مؤكداً أنه لا مفر من الاتصال بالآخرين سواء كان على أرض الواقع، أومن خلال السفر إلى الخارج أو عبر العالم الافتراضي من خلال غرف الشات ووسائل التواصل الحديثة مثل الفيس بوك وغيرها.
وحول دور الزوجة في التعامل مع مغريات العصر طالب بادحدح الزوجات بضرورة المنافسة مع الأخريات بحيث تحرص الزوجة على إسعاد زوجها وتحصينه من الوقوع في الرذيلة، وهي بذلك تخدم المجتمع، محذراً المرأة التي لا تتماشى مع مقتضيات السوق الأنثوي أن تتوارى عن زوجها وأن تفسح المجال له للزواج من ثانية، وطالب في هذه الحالة الزوجة أن تصبح أكثر تسامحاً في تقبلها لتعدد الزوجات في ظل هذا العصر المثير.
ودعا إلى ضرورة اتباع برامج توعية شاملة لكيفية التعامل في الحياة الزوجية عبر العديد من القنوات المختلفة، مثل إبداع منهج دراسي لتوعية الطرفين في كيفية التعامل الشرعي داخل مؤسسة الزواج، فضلاً عن الدور التوعوي لبرامج الإعلام والدور المؤثر للمنظمات الاجتماعية من خلال عقد برامج تأهيلية للمقبلين على الزواج.
وطالب بادحدح الأزواج باتباع وسائل التقنية الحديثة لإحياء مشاعر الحب بين الزوجين، مثل إرسال الزوج رسائل رومانسية لزوجته عبر الجوال، أو إيميلات رقيقة تجدد المشاعر الدافئة بينهما.
العودة إلى الله
فيما رأى المستشار الأسري الدكتور صالح دردير أن الفراغ الذي تعانيه العلاقة الزوجية حين يكون الزوجان أعزبين وهما متزوجان، ولا يشبع كل طرف احتياجات الطرف الآخر من الحب والحنان، من أهم أسباب الخيانة الإلكترونية، مشيراً إلى دراسة رسمية تؤكد أن الصغير يحتاج لأكثر من 10 أحضان يومياً، وأن الكبير يحتاج لأكثر من 4 أحضان يومياً، لأن عدم وجود الأحضان يساهم في إحداث فجوة عاطفية وبعد حناني ويجعل كل طرف يبحث عنه في مكان آخر.
وأشار إلى أن لكل شيء إيجابياته وسلبياته، وينبغي علينا مخافة الله واستخدام النت في ما يصلح دنيانا وأخرانا، ويجب على الزوجين التشارك في الاهتمامات والحديث بشفافية عن المستجدات التي تواجه كل طرف ومن ثم التغلب عليها، ومن حدثت له كبوة فعليه بالعودة فإن لنا رباً رحيماً غفوراً كريماً، يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن كثير، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ولا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقراب الأرض مغفرة ولا أبالي".
واتفق المستشار الأسري علي الشمري مع ما قاله دردير، مؤكداً أن من أكثر الأسباب المؤدية للخيانة وضع خريطة طريق مسبقة لكل علاقة زوجيه جديدة حسب العادات والتقاليد المتوارثة والسائدة في المجتمع، التي لا تجعل الزوجة أو الزوج يتجرأ على الحديث مع شريكه عن رغباته ولا عن الكيفية التي يجب أن تكون عليها العلاقة وربما يخاف كل من الزوجين من الخوض في الأمور الخاصة، محذراً من العواقب الوخيمة التي يمكن أن تقع على الأسرة من جراء الارتباط السلبي بالإنترنت الذي ينتج عنه عزوف عن العلاقة الجنسية في بعض الأحيان.
عقوبات قانونية
وحول إمكانية إثبات الخيانة الالكترونية أكد المحامي والمستشار القانوني عبد الرحمن بن علي بن سعيد القرنوس أن إثباتها يتم بجميع وسائل الإثبات المقررة شرعاً ونظاماً، ومنها ما يتم الاستعانة فيه بالجهات المشغلة للخدمات الإلكترونية من قبل جهات الاختصاص والتحقيق، مشيراً إلى أن العقوبة لها شقين: أحدهما متعلق بالحق العام إذا ثبت وقوع الجريمة والهدف منه تطهير المجتمع من الجرائم والعبرة للآخرين لكي لا يتجرأوا على الحرام، والآخر متعلق بالحق الخاص للزوج الذي تضرر ومن حقه المطالبة به متى شاء ومن حقة التنازل.
وقال: إن العقوبات المترتبة تختلف بحسب نوع الجريمة وملابساتها ووضع مرتكب الجريمة وسوابقه فإن كان من أصحاب السوابق تكون العقوبة مشددة، وعلى القاضي أن ينظر بعين الاعتبار لتكون العقوبة مناسبة للجريمة التي ارتكبت.