11-13-2015, 11:36 PM
|
|
|
|
كفى بالموت واعظاً
استحضار قُرب الرحيل وسرعة انقضاء مدة الحياة من أنفع الأدوية للقلب؛ فإنه يبعث على انتهاز فرص الخير التي تمر مرّ السحاب، والمبادرة بالأعمال الصالحاتِ قبل طيِّ الصحائف والسجلات، ويثير ساكن العزماتِ إلى دار البقاء والتَّنعم بنعيم الجنَّات، ويحثه على تجهيز متاع سفره, ويزهده في الدنيا، ويرغبه في الآخرة.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة».
وعن عبدالله بن عمررضي الله تعالى عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وكان عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
فكفى بالموت واعظاً؛ فهو هادم اللذات، ومفرق الجماعات, وقاطع الأمنيات، وميتم البنين والبنات, وهو الواعظ الصامت يأخذ كل أحد بدون استئذان؛ يأخذ الغني والفقير، والملك وال****، والأمير والصغير، والسقيم والكبير، وهو مقدمة من مقدمات اليوم الآخر؛ فمن مات قامت قيامته قال الله جلّ وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ}[آل عمران:185].
فمهما طال العُمر فلا بد أن يأتي اليوم الذي يكون فيه العبد طريحاً بين أهله، لا حراك له وقد وقعت منه الحسرة، وجفَّت منه العَبرة، وثَقُل منه اللسان، واشتدت به الأحزان، وعلا صُراخ الأهل والولدان، ونادوا بالأطباء للدواء, ووقع القضاء, قال الحق تبارك وتعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ . وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ . وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:83-85], وفي هذه اللحظات ينظر العبد آخر النظرات إلى من كان حوله من الأبناء والبنات، والإخوان والأخوات، وتسبقها الآهات والزفرات، وتعقبها شدِّة السكرات والحسرات، فتخرج الروح وتبقى السيئات والحسنات.
قال التيمي رحمه الله تعالى: "شيئان قطعًا لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الوقوف بين يدي الله".
وقال الدقاق رحمه الله تعالى: "مَن أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث: بتعجيل التوبة، وقناعة في القلب، ونشاط في العبادة، ومَن نسي الموت عاقبه الله بثلاث: بتسويف التوبة، وترك الرضا بالقليل، وتكاسل في العبادة".
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم؛ فالتمسوا عيشاً لا موت فيه".
زر القبور يا عبدالله, وقف وقفة تأمل ومحاسبة؛ فإن مَن في القبور كانوا يمشون على الأرض، واليوم هم في بطنها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني نهيتكم عن زيارة القبور؛ ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب, وتدمع العين, ولا تقولوا هجراً»، فأنت يا عبدالله اليوم تزور القبور، وغداً ستسكنها، تاركاً الدنيا بما فيها إلى ظلمة القبر وضيق اللحد بعد ما كُنتَ في سعة الدور والقصور؛ فسعادة الدنيا والآخرة في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.وختاماً.. قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (إنَّ أخوف ما أخاف عليكم إتباع الهوى وطول الأمل؛ فأما إتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة؛ ألا إن الدنيا ارتحلت مدبرة، والآخرة ارتحلت مقبلة, ولكل واحدة منهما بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).
أبو خلاد ناصر بن سعيد السيف
;tn fhgl,j ,hu/hW gQh hgXfQwQvE fhgl,j .QhyQ ,hu/hW ,QgQh 'QyQn ;tn
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 11:55 AM
|