لن أسكت وسأضع حد فورا
لن أسكت وأقف كالمتفرج وأتركها هكذا
لآبد وأن أقول لها مالك يانفس
مابك يانفس
الحمد لله الذي خلق النفوس فسواها
وألهمها فجورها وتقواها
( قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهّا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهّا )
كلمات لا أحسبها إلا ممزوجة بالصدق وعبارات
لا تنقصها الصراحة
وجهتها إلى أغلى ما أملك
إليكِ أنتِ
نعم أنتِ أنت لا أحد غيركِ
مالك يانفس
أنتِ يا من سكنتِ داخلي بغير حول مني ولا قوة
فأصبحتِ سر حياتي
أنا لا أراكِ لا أسمعكِ
ولكني أحسَُ بك في كل نبض من نبضات قلبي
في كل نفَسٍ يخرج من صدري في كل
حركة من حركاتي
مالك يانفس
إليكِ أنتِ يا من بيدكِ بعد الله عذابي وسعادتي
وفرحي وحزني وضحكي وبكائي
إذا لم أصارحكِ فما فائدة صدقي مع الناس
مالك يانفس
وإذا لم أصدقك فلا خير فيَّ كإنسان
فرصتي في هذه الحياة واحدة فخسارة عليَّ
أن أتركها تضيع من بين يدي
وفرصتي معكِ أنتِ أيضاً واحدة فإن تركتكِ تضيعين
وتنساقين لهواك فقد ضاع مني كل شيء
مالك يانفس
أعرف أنكِ تركضين وتركضين تلهثين
وتبحثين عن السعادة
عن الراحة عن الطمأنينة
وما زلتِ وراءها تركضين وخلفها تلهثين
ولها تطلبين
في غير ما أحلّ الله
فهل وجدتِها
نعم لقد وجدتِها في تلك اللحظات ولكن
كيف صار حالك بعدها
أتذكرين
مالك بانفس
أتذكرين حالك بعدها يوم أصابني ذلك الهمُّ العميق
والضيق الشديد
تلك هي سنة الله
( وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِى فَإنَّ لَهُ مَعِشَةً ضَنكاً )
انظري كل الناس تتكلم كل الناس تضحك
كل الناس تأكل وتشرب وتنام وتتمتع
ولكن
شتان بين هذا وذاك
شتان بين من يتمتع ويأكل ويشرب بالحلال وينام
وهو مرتاح النفس مطمئن البال
وبين من لا هم له إلا كيف يتمتع
بالحلال أم بالحرام لا يهم المهم عنده أن يتمتع
مالك يانفس
إن الدنيا كلها بملذاتها وشهواتها
لا تساوي مثقال ذرة من لذة يجدها العبد في الجنة
قال صلى الله عليه وسلم
( واللهِ ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل
أحدكم إصبعه هذه
وأشار بالسبابة – في اليم – أي البحر –
فلينظر بما يرجع)
فهل يحق لكِ وأنتِ مني أن تستبدلي الذي هو أدنى
بالذي هو خير
فتتلذذي بالخزي والعار ومعصية الجبّار
مالك يانفس
هل يحق لكِ أن تبيعي لذة أبدية بشهوة وقتية
ربما خُتِمَ
على قلبي بسببها
تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذةٍ من
بعدها النار
أم أنكِ نسيت يانفس أو تناسيت
( وَأما مَن خَافَ مَقَامَ رَبِهِ وَنَهَى النفسَ عَنِ الهوَى
فَإنَّ الجَنَّةَ هِىَ المأوى )
مالك يانفس
أتذكرين كم زينت لي من قبيح
وكم هوّنت علي من معصية
وكم أغريتني بشهوة
وكم هونتِ علي ركوب المحرمات
وكم زينت لي شؤم النظرات
أتذكرين كم أشغلتِني عن القرآن المنزّل بمُغنٍٍّ يتغزّل
فبم خرجتُ من هذا كله
وما الذي جنيتُ
ذنوب تتبعها ذنوب وسيئات في إثر سيئات
وبُعد عن رب الأرض والسماوات
يا سبحان الله يتودد إليَّ بالنعم وأبارزه بالمعاصي
مالك يانفس
كأنه لا يراني ولا يعلم سري ومكاني .
وكأن كلامي كله ليس مكتوب
وفعلي ليس محسوب
بل كأني غداً بين يدي الله لست مطلوب
( إن كُل مَن في السَّمَاواتِ والأرض إِلا أتى الرَّحمنِ عَبداً
لقد أحصَاهُم وعَدَّهُم عَدّاً
وَكُلُّهُم أتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَرداً )
مابك يانفس
اعتدتُ بسببك الغفلة فيا بئس ما اعتده
وألفت العجز فيا قبح ما ألفته
فكم ( حيّ علي الصلاة )
قد ذهب صوتها كأني والله ما سمعتها
وكم دمعة تائب جرت تمنيت لو كان على
خدي جريانها
ومع هذا كله لا أراكِ عن مكانك تتحركين
ولا بالمواعظ تعتبرين
مابك يانفس
رأيت أصحاب القلوب الرقيقة فوددت
لو كنت مثلهم .
وتأملت أحوال العابدين فغبطتهم
على عيشتهم
وقرأت أخبار السابقين بالخيرات فدعوت الله
أن يحشرني معهم
استأثروا والله بلذة الدنيا والآخرة
شدوا الرحال فمنهم من بلغ فهو في النعيم مقيم
ومنهم من حذا حذوهم فهو على
الطريق المستقيم
مالك يانفس
أتذكر حال سيد الخلق وخير من وطئ الثرى
صلى الله عليه وسلم وكيف كان يستغفر الله
ويتوب إليه
في اليوم أكثر من مائة مرة وهو المغفور له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر
أنظرى يانفس
وحال أبي بكر رضي الله عنه وكيف كان
سباقاً للخيرات مبادراً إلى الطاعات حتى رجح
إيمانه على إيمان الأمة
وحال عمر رضي الله عنه الذي كان في وجهه
خطّان أسودان
من البكاء خشية من رب الأرض والسماء
وهو الذي كان إسلامه عِزا وهجرته فتحا
وولايته عدلا
انظرى يانفس
وحال عثمان رضي الله عنه الذي كان إذا وقف على
قبر يبكي حتى تبتل لحيته
يفعل ذلك وهو الذي تستحي منه ملائكة الرحمن
وهو الذي لم يكن يفتُر عن قراءة القرآن
انظرى يانفس
وحال علي رضي الله عنه الذي طلّق الدنيا ثلاثاً
فكان يقول
" يا دنيا .. يا دنيا
إليَّ تعرضتِ أم بي تشوقتِ ؟؟ هيهات هيهات ،
غُرّي غيري ، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيكِ ،
فعمرك قصير وعيشك وخطرك كبير
آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق
مالك يانفس
تساءلت
أين أنا منهم ؟؟ وأين أنتِ عنهم
هم قوم قد أوقفهم القرآن ،
وحال بينهم وبين هلكتهم
ترى أحدهم كالأسير في الدنيا ، يسعى إلى فكاك رقبته ،
لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله
حاسَبوا أنفسكم قبل أن يُحاسَبوا
ووزَنوا أعمالهم قبل أن يُوزنوا
وحرصوا على الإستعداد للعرض الأكبر على الله
قد وجهوا للجنة القوافل
واتخذوا أنفسهم مطايا وصالح الأعمال إليها رواحل
فيا نفس .مابك
كيف أنتِ مني غداً وقد رأيتُ ركبهم يسعى نورهم بين
أيديهم وبأيمانهم
كيف بك وقد حيل بيني وبينهم
هل سينفع الندم
وهل ستغني الحسرات
أم هل سينفع طلب الرجوع عند الممات
يا نفس
أما نظرتِ واعتبرتِ بمن هم تحت الثرى من أهل الدنيا
كيف كانوا وكيف صاروا
مالك يانفس
فكيف بك إذا جاءتني السكرة وبلغت الروح
مني التراق
كيف وقد صار إلى ربي المساق
يا لهف نفسي أم كيف بي إذا وقفت مع العباد
يوم التلاق
( يَومَ هُم بَارزوُنَ لا يخفى عَلَى اللهِ مِنهُم شيءُ )
( يَومَ تَأتىِ كُل نفسٍ تُجادِلُ عَن نفسِهَا )
وكيف احتيالي إذا شهدت الأعضاء
من سيلهمني حجتي
من سيدافع عني
قد تبرأ الأصحاب فلا أصحاب
وتقطعت الأسباب فلا أنساب
كل يقول
نفسي نفسي فأين أنت مني في ذلك اليوم
يا نفسي
الدنيا الغرارة قد ولت عني والشيطان الرجيم
تبرأ مني
كيف لم أقم لله حساباً
ولم أخشى له عقاباً
مالك يانفس
من لي إذا حُجبتُ في ذلك اليوم عن ربي
فلم يُزكني ولم ينظر إلي ولم يكلمني
ومن لي إذا نادى المنادي بمن عصى إلى أين إلجائي
إلى أين أهرب
مابك يانفس
وهل انتهى بي الأمل
هل كُتب عليّ أن أجازى بسوء العمل
والقلب ما زال ينبض بطلب المغفرة والرضا
وربي حليم رحيم عفوّ كريم قد نادى في عباده
( لاَ تَقْنطُوا مِن رحمَةِ اللهِ ) .
وأي باب أطرقه غير باب الرجاء
فيا ربّ
يا ذا الجلال ويا ذا الجود والكرم إني أتيتك
أخشى زلة القدم
ذنبي عظيم وأرجو منك مغفرة يا واسع العفو
والغفران والكرم