11-06-2015, 03:40 PM
|
|
|
|
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
الدكتور عثمان قدري مكانسي
أراد الشيخ أن يختبر تلميذه بعد أن قضى فترة بصحبته يعلمه ويرشده ،
ويعرض عليه طرق التربية وفنون التعامل مع الناس ، فقال :
يابني ؛ ما تقول في إنسان أخطأ حين أساء إلى غيره ،
أيُعاقب وحده أم يُجمَل معه في العقوبة غيرُه لقرابته منه ،
أو لانتسابه إلى أهله وعشيرته ، أو لجنسه ووطنه ؟ .
قال التلميذ : بل يُعاقب المسيء وحده ، ومن الظلم معاقبة غيره بسببه ،
فالله تعالى يقول :
" ولا تزر وازرة وزر أخرى " .
قال الشيخ :
أحسنت ، فما تقول لرجل أراد أن يشكرك لجميلٍ صنعتـَه له ،
فأخطأ دون أن يشعر ، أتعود لمعاقبته أم تنبهه؟ .
قال التلميذ :
قد أنبهه إن لزم الأمر ، وأتركه متجاوزاً عنه ، إذ ْ جانبه الصواب حين أراد شكري ،
وقد يكون خطؤه قولاً ، وقد يكون عملاً ، فعليّ تصحيح عمله ، والتجاوز عن قوله .
قال الشيخ :
أحسنت أيضاً – يا ولدي – فما تقول في إنسان أخطأ عن عمد في الإساءة إليك ؟
قال التلميذ :
أعاقبه إن قدِرت ، وأكيل له الصاع صاعين ، ولا أبالي ، فهو يستحق ذلك .
قال الشيخ :
أيدك الله ، يا بني ، فما تقول أخيراً في رجل كان ظاهره غيرَ باطنه .
نفع الناس بقوله ، وضرّ نفسَه ، إذ ْ كان فعلُه غيرَ قوله .
قال التلميذ :
على نفسها جنت براقش ، فهو كنافح المسك على غيره ونافخ الكير على نفسه .
قال الشيخ :
حفظك الله - يا بني – وزادك علماً وحُسْنَ عمل ، إني بك لفخور ،
ولك داعٍ ، وبك مؤملٌ الخير الكثير .
قال التلميذ :
أفلا تذكر لي – يا سيدي – أمثلة على ما امتحنْتني فيه ؟.
كي أستفيد أمثلة تضيء لي دربي ؟
قال الشيخ :
بلى .. فلكل سؤال حادثة رواها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ،
فكانت الضياءَ الذي سلكوا على هداه طريقهم . والمنهج الذي اتخذوه ،
فأوصلهم إلى الهدف الصحيح .
أما مثال السؤال الأول :
فقد قص علينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
أن نبياً من الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً نزل تحت شجرة ،
فما استقر جالساً حتى قرصته نملة ، فاستشاط غضباً ، وقام من فوره ،
فأمر أتباعه أن يرفعوا مجلسه ، ففعلوا ، فنظر إلى أسفل الشجرة ،
فرأى النمل يسير بانتظام ، يحمل قوته إلى بيته أسفل الشجرة ،
ويعمل بدأَب ونشاط ، صاعداً نازلاً ، مغرّباً ومشرّقاً ،
ولعل نملة تأذ ّت حين جلس فوقها النبي ، فقرصته خوف أن يطحنها ،
فلم يتمالك نفسه أن أمر أتباعه أن يُضرموا النار في بيت النمل ،
ففعلوا ، فأحرق النمل ، وقضى على آلاف منه .
فأوحى الله تعالى إليه معاتباً ومعلماً : " فهلاّ نملةً واحدة " رأيتَها تحتك ،
فقتلتَها قصاصاً ؟! ما ذنب ما قتلته حرقاً ، إنه ظلم بيّن ، وتصرّف لا ينبغي أن يكون .
صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق
باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم
قال التلميذ :
هلاّ أوضحت أكثر يا سيدي وبيّنتَ من العبَر والعظات ما يفيد ؟.
قال الشيخ :
هذا واجب العلماء نحو تلاميذهم وعامّة المسلمين يا ولدي .
فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة :
1- أن العقوبة لمن اعتدى وأثم ، أما البريء فلا يُؤخذ بجريرة غيره .
2- وأن النمل – كغيره من المخلوقات – أمم أمثالُنا ، تسبّح الله وتحمده .
فيجب الحفاظ – ما أمكن – عليه .
3- أنه لا يعذِّب بالنار إلا رب النار ، هذا في شريعتنا – معشر المسلمين –
ويعاقَب المسيء فقط .
قال التلميذ :
جزاك الله – يا شيخي – خيراً ونفعنا بعلمك ,....
قال الشيخ : إن مدحتَني بما ليس فيّ قصمت ظهري ... ثم قال الشيخ :
أما مثال السؤال الثاني :
فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفرح بعودة المسيء إلى رحاب عفوه ،
وتوبته عن المعاصي كثيراً ، ومثـّل له بفرح الرجل الذي أضاع راحلته
في الصحراء ،وعليها ماؤه وزاده ، فلما أيس من الحياة أعاد الله إليه راحلته ،
فأخطأ الرجل حين أراد شكرالله تعالى .
قال التلميذ :
وكيف ذاك يا سيدي ؟
قال الشيخ :
سافر رجل وحده في صحراء مترامية الأطراف – والسفر الفذ ّ( الفرد) ليس حميداً
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المسافر وحده ،
فقال : هو شيطان – سافر حاملاً على بعيره ما يحتاجه من ماء وزاد ،
اخترقها يريد الوصول إلى مبتغاه في الطرف الآخر منها ، جدّ السير فيها ،
حتى إذا أدركتـْه القالة ( القيلولة ) ربط راحلته إلى ظل شجرة ونام ،
وكان نومه طويلاً عميقاً ، لم يصحُ منه إلا وقد انفلتت الراحلة ،
وغابت عنه ، فقام مشدوها فزعاً ، يبحث عنها هنا وهناك ، فلم يجدها ..
انطلق إلى أعلى كثيب شرقاً ونظر إلى البعيد ، فلم يجدها ،
وانطلق إلى كثيب في الغرب يرجو أن يعثر عليها ، فخاب ظنه .
هرول في كل الاتجاهات عله يعثر عليها أو على أثرها ، فعاد بخفي حنين .
عاد إلى الشجرة كليلاً مرهقاً ، خسر راحلته ، وخسر معها زاده وماءه ، ،
وأيقن بالهلاك ، فارتمى مكدوداً حزيناً ينتظر الموت ،
ويندب حظه ... وأخذه النوم مرة أخرى .
لما أفاق ، وجد راحلته ، فوق رأسه ، فلم يصدّق حتى أخذ بلجامها ،
وتحسسه مرات ومرات ، فلما تيقن أنه نجا من الموت عطشاً وجوعاً
وعادتْ إليه روحه ، وأخذه الفرح كل مأخذ قال من شدة فرحه يشكر ربه سبحانه :
" اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ؛ أخطأ من شدة الفرح " .
إن الله تعالى أشد سروراً ، وأكثر فرحاً بتوبة عبده وعودته إليه
- إلى التقوى والرشاد - من هذا الرجل بعودة راحلته إليه ...
رياض الصالحين ، باب التوبة
قال التلميذ :
سبحان الله ، لا إله إلا الله ؛ ما أكرم خالقنا ، وما أعظم عفوه ...
تبت إليك يارب ، فاقبلني في عبادك الصالحين
ثم التفت إلى شيخه ، فرأى عينيه تدمعان وشفتيه تلهجان بذكر الله رب العالمين ...
فانتظر قليلاً حتى هدأ الشيخ ... ثم نظر الشيخ إليه ، فقال :
أما السؤال الثالث :
فمثاله ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :
إن امرأة تحجّر قلبُها ، فكأنه قـُدّ من صخر ، وغادرتـْه الرحمة ،
فأمسى كهفاً مظلماً ، لا يعرف للخير سبيلاً ولا للمعاني النبيلة طعماً ،
طرقتْ بابَه الشفقةُ ، فصُدّتْ عنه ، ، وعشعشت فيه الكراهية ونمَتْ ..
لعل هرة أكثرَتْ الدخول عليها ، فطردَتـْها ! ثم طردَتها ،
والحيوان أعجم لا تدفعه سوى غريزته ، تستقطبه الرحمة فيُقدِم ،
ويمنعه الأذى فيهرب . والهرة أَلوفٌ – من الطوّافات – تدخل البيوت دون استئذان ،
فإن رأتْ ترحيباً من أهل الدار أقامت ، وإن رأت إعراضاً ولّتْ .
أمّا أنْ تمسكها هذه المرأة القاسية ، فتربطها وتمنع عنها الماء والطعام ،
وتسمع مواءها ، فلا تكترث ، وأنينها فلا تهتم ، حتى تذبل وتذوي ،
فتموت صبراً ، فهذه غاية القسوة ، ونهاية في الظلم .
كان أولى بها أنْ تتركها في أرض الله تأكل من هوامها وحشراتها ،
تتصيّدها هنا وهناك ، ، ولن تعدم في أرض الله الواسعة ما يقيم أَوَدَها ، ويكفيها مؤونتها .
إن الإسلام العظيم نبّه - فضلاً عن حقوق الإنسان في العيش الكريم والحرية –
إلى الرفق بالحيوان ، فلا يحمـّله ما لايُطيق ، ولا يشتدّ عليه بالضرب ،
ومن لم يكن كذلك فليس له من الإنسانية نصيب .
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة في النار تخدشها هرة ،
فقال : ما شأن هذه ؟
قالوا : حبسَتها حتى ماتت جوعاً ، لا أطعمتـْها ،
ولا أرسلَتـْها تأكل من خَشاش الأرض حتى ماتت ..
والبون واسع بين مَن نزل في البئر ، فسقى ال***َ ،
فغفر الله تعالى له ، وبين هذه المرأة ، نعوذ بالله من مصير كمصيرها .
1- صحيح البخاري
كتاب بدء الخلق ،
باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم
2- صحيح مسلم
كتاب الكسوف
باب ما عرض على الرسول في صلاة الكسوف
وقال الشيخ :
أما السؤال الرابع :
فمثاله ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم مصوراً الذي يأكل الدنيا بعلمه ،
ولا يعرف لله وقاراً ، ولا للآخرة سبيلاً .
قال التلميذ :
فما عاقبة هذا العالم – يا سيدي - ؟
قال الشيخ :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
يُجاء بالرجل يوم القيامة ، فيُلقى في نار جهنم ، ويَلقى من العذاب ما يَلقى ،
فتندلق أمعاء بطنه في النار ، ويحترق أديمُه وأحشاؤه ،
إنه ملأها في الدنيا ما لذّ وطاب من الحرام ، حين أظهر للناس التقوى ،
فغشّهم ، وأبطن الهوى ، وتمادى في الضلالة ، ففضحه الله على هذه الصورة ،
يراه الناس يدور بأقتابه ( أمعائه) في النار ، كما يدور ال**** برحاه ،
فيدنون منه ، ويتعجبون .
من يراه على هذه الصورة – وكانوا يعرفون فيه الصلاح والتقوى في الدنيا ،
فقد كان سَمْتُه سمتَ العلماء ، ومظهره مظهر الأتقياء ،
وكان منظره في الدنيا يدل على الاتزان والوقار ، فما باله الآن هكذا؟!!
- يجتمعون عليه ويسألونه متعجبين : لئن صرنا في النار الآن
لقد كنا في الدنيا نعمل بعمل أهلها فاسقين فاسدين ،
فما بالك اليوم بيننا في النار ؟! كنت تأمرنا بالمعروف ، وتنهانا عن المنكر !
تحضنا على الصدق والأمانة ، ونبذ الفساد والخيانة ، وكنت تأمرنا بصون اللسان ،
وغض البصر ، وحفظ الفرج ، وحُسن الطويّة !!
كنت تنهانا عن الغيبة والنميمة والفواحش ، وتنهانا عن أكل حقوق الناس وتنفـّرنا من ذلك !!
فما شأنك ؟ وما الذي قذفك بيننا؟!
وهناك – والعياذ بالله من هذا المصير الأسود والفضيحة الكبيرة –
حيث لا يستطيع الإنسان أن يُخفي حقيقته ، أو يُدلّس على الناس ،
هناك في النار حيث المستور مكشوف ، والباطن معروف ، ولا مجال للإنكار ،
والتزيي بزي الأبرار ، يقول واصفاً حقيقة حاله في الدنيا بكلمات مختصرة اللفظ ،
واضحة المعنى " كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر ، وآتيه " ...
إن النار مصير مَن يُدعى إلى مكارم الأخلاق ، فيرفضها ، ويغرق في المفاسد ..
وهي – النار - أَولى بمن يدّعي الصلاح ظاهراً ، ويأكل الدنيا بالدين باطناً ..
لقد أساء إلى نفسه ، وخسر ذاته .
وإن حسرته على ما فرّط أشد من حسرة أولئك ، ولا سيّما حين يعلم أنّ مَنْ أخذ بنصيحته نجا ،
وفاز بالجنة ونعيمها ، وفاز برضا الله ورحمته ... وهو ..
هو في نارٍ تلظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى ..
ويرفع الشيخ وتلميذه أيديَهما ، يدعُوانِ:
اللهم اجعل سرّنا كعلانيتنا ، وارزقنا التقوى ،
والصدق في القول والعمل ، ونجّنا برحمتك من النار ... يا عزيز ياغفار .
صحيح البخاري
باب بدء الخلق ،
باب صفة النار وأنها مخلوقة
hgvs,g lpl] wgn hggi ugdi ,sgl hggi hgvs,g v,hih wgn ugdi ,sgl
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 06:46 PM
|