قال الطبري في تفسيره في سورة المطففين 18 – 22:
[القول في تأويل قوله تعالى:{{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}} ........
وقوله :{{ لفي عليين}} اختلف أهل التأويل في معنى عليين فقال بعضهم هي السماء السابعة
ذكر من قال ذلك حدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال سأل بن عباس كعبا وأنا حاضر عن العليين فقال كعب :هي السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين.
حدثنا بن حميد قال ثنا يحيى بن واضح قال ثنا عبيد الله يعني العتكي عن قتادة في قوله إن كتاب الأبرار لفي عليين قال في السماء العليا.
حدثني علي بن الحسين الأزدي قال ثنا يحيى بن يمان عن أسامة بن زيد عن أبيه
في قوله:{{ إن كتاب الأبرار لفي عليين}} قال: في السماء السابعة .
حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى وحدثني الحرث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن بن أبي نجيح عن مجاهد قوله :{{عليون قال السماء السابعة
تفسير الطبري ج30/ص102
حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك
يقول في قوله:{{ لفي عليين}} في السماء عند الله.
وقال آخرون: بل العليون قائمة العرش اليمنى، ذكر من قال ذلك حدثنا بسر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة "كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين" ذكر لنا أن كعبا كان يقول هي قائمة العرش اليمنى.
حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد قال ثنا مطرف بن مازن قاضي اليمن
عن معمر عن قتادة في قوله{{ إن كتاب الأبرار لفي عليين}}
قال: عليون قائمة العرش اليمنى.
حدثنا بن عبد الأعلى قال ثنا بن ثور عن معمر عن قتادة في عليين قال: فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى.
حدثنا بن حميد قال ثنا يعقوب القمي عن حفص عن شمر عن عطية قال جاء بن عباس إلى كعب الأحبار فسأله فقال حدثني عن قول الله{{ إن كتاب الأبرار لفي عليين}}
فقال كعب إن الروح المؤمنة إذا قبضت صعد بها ففتحت لها أبواب السماء وتلقتها الملائكة بالبشرى ثم عرجوا معها حتى ينتهوا إلى العرش فيخرج لها من عند العرش رق فيرقم ثم يختم بمعرفتها النجاة بحساب يوم القيامة وتشهد الملائكة المقربون.
وقال آخرون بل عني بالعليين الجنة ،ذكر من قال ذلك حدثني علي قال ثنا أبو صالح قال ثنا معاوية عن علي عن بن عباس قوله{{ إن كتاب الأبرار لفي عليين}} قال: الجنة.
وقال آخرون عند سدرة المنتهى ، ذكر من قال ذلك حدثني جعفر بن محمد البزوري من أهل الكوفة قال ثنا يعلى بن عبيد عن الأجلح عن الضحاك قال: إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء فتنطلق معه المقربون إلى السماء الثانية قال الأجلح قلت وما المقربون قال أقربهم إلى السماء الثانية فتنطلق معه المقربون إلى السماء الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة حتى تنتهي به إلى سدرة المنتهى ، قال الأجلح قلت للضحاك لم تسمى سدرة المنتهى؟ قال :لأنه ينتهي إليها كل شيء من أمر الله لا يعدوها فتقول رب عبدك فلان وهو أعلم به منهم فيبعث الله إليهم بصك مختوم يؤمنه من العذاب
فذلك قول الله {{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ(19)}}
وقال آخرون بل عني بالعليين في السماء عند الله.
قوله{{ إن كتاب الأبرار لفي عليين}}
يقول أعمالهم في كتاب عند الله في السماء.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن كتاب الأبرار في عليين ، والعليون جمع معناه شيء فوق شيء وعلو فوق علو وارتفاع بعد ارتفاع فلذلك جمعت بالياء والنون كجمع الرجال إذا لم يكن له بناء من واحده واثنيه ، كما حكي عن بعض العرب سماعا أطعمنا مرقة مرقين يعن اللحم المطبوخ كما قال الشاعر: قد رويت إلا الدهيد هينا قليصات وأبيكرينا. فقال: وأبيكرينا فجمعها بالنون إذ لم يقصد عددا معلوما من البكارة بل أراد عددا لا يحد آخره؛ وكما قال الآخر فأصبحت المذاهب قد أذاعت بها الإعصار بعد الوابلينا، يعني :مطرا بعد مطر غير محدود العدد، وكذلك تفعل العرب في كل جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه فجمعه في جميع الإناث والذكران بالنون على و ما قد بينا ومن ذلك قولهم للرجال والنساء عشرون وثلاثون؛
فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا فبين أن قوله لفي عليين معناه في علو وارتفاع في سماء فوق سماء وعلو فوق علو وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة وإلى سدرة المنتهى وإلى قائمة العرش ولا خبر يقطع العذر بأنه معني به بعض ذلك دون بعض؛
والصواب أن يقال في ذلك كما قال جل ثناؤه إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حد قد علم الله جل وعز منتهاه ولا علم عندنا بغايته
غير أن ذلك لا يقصر عن السماء السابعة لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك].
انتهى كلامه.
وأما الفردوس الأعلى فهو أفضل الجنة وأعلاها وأوسطها والعرش سقفه.
وحينئذ على ما ذكره ابن جرير – رحمه الله تعالى- في تأويل "عليين" فقد يكون بينهما عموم وخصوص ، وقد يكون عليون هو نفسه الفردوس الأعلى.
ملتقى اهل الحديث