النَّفْسُ المُطْمَئِنّة هي النفس الراضية فلا تفزع عند الملمات ولا تصخب في المصائب ولا تغالي في الفرح والبهجه . بل هي ساكنه تعرفت على حقيقة الدنيا وحجمها فتعلقت بالاخره. النفس المطمئنة هي المؤمنة المطمئنة بثواب الله، رَضِيَتْ عَنْ اللَّه وَرَضِيَ عَنْهَا، أَمَرَ بِقَبْضِهَا فَأَدْخَلَهَا الْجَنَّة وَجَعَلَهَا مِنْ عِبَاده الصَّالِحِينَ قال الله تعالى:في سورة الفجريَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي [3] [4] قال العلامة القرطبي: (النفس المطمئنة، أيقنت أن الله ربها، فأخبتت لذلك؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي المطمئنة بثواب الله .المؤمنة). وفي مسند الإمام أحمد وغيره عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "إن الملائكة عند احتضار النفس المطمئنة تقول:اخرجي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، قَالَ: فَلَا يَزَالُ يُقَالُ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا فَيُقَالُ فُلَانٌ فَيَقُولُونَ مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ادْخُلِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ". قال الحسن البصري : إن الله تعالى إذا أراد أن يقبض روح عبده المؤمن ، اطمأنت النفس إلى الله تعالى ، واطمأن الله إليها . وقال عمرو بن العاص : إذا توفي المؤمن أرسل الله إليه ملكين ، وأرسل معهما تحفة من الجنة ، فيقولان لها : اخرجي أيتها النفس المطمئنة راضية مرضية ، ومرضيا عنك ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب راض غير غضبان ، فتخرج كأطيب ريح المسك وجد أحد من أنفه على ظهر الأرض . وذكر الحديث . وقال سعيد بن زيد : قرأ رجل عند النبي - يا أيتها النفس المطمئنة ، فقال أبو بكر : ما أحسن هذا يا رسول الله فقال النبي - : " إن الملك يقولها لك يا أبا بكر " . [5] يتركز البحث في معركة الجهاد الأكبر وهو جهاد النّفس حول ماذا يصنع الإنسان ليفوز ويكسب هذه المعركة، فالأهواء كثيرة ونوازع النفس قوية إلى حد أنّها قادرة على جر صاحبها إلى مزالق الهاوية، فإذا هو أخلص عبوديته لله وحده فإنّه حينها يتحقق له الانتصار على كل النوازع المنحرفة أو الشريرة، ويتمكن من هزيمة الأهواء لتكون روحه روحًا مقدسة وعظيمة. ولصعوبة أمر جهاد النّفس وثقله فقد وضع الله تعالى لعباده برنامجًا روحيًا يضمن لهم عملية البناء المتوازن وصيرورة النّفس في المجال القدسي. [6] أما كيف يصل الإنسان إلى هذا المقام المحمود فهو سهل على من يسره الله له ووفقه لسلوك درب الطاعة والتقرب لله جل جلاله رغبة ورهبة بكثرة النوافل، وخير معين على ذلك مراقبة الله في السر والعلن، والإخلاص في العمل، وكثرة الذكر، والتعلق بما عند الله من خير.
وللإخلاص علامات ابحث عنها في نفسك لتعلم أأنت مخلصٌ أم لا، وهي: 1) أن يكون في عناية الله تعالى ومعيته . أي إنه ليس كثيــر التعثُر وأحواله ليست مضطربة أو متباينة، كما قال ابن الجوزي ". إنما يتعثر من لم يخلص" [7] 2) بذل المجهود في الطاعة . 3) أن يكون حريصًا على إسرار الأعمال . إلا على ما ينبغي إظهاره، مثل: الصلاة والدعوة والجهاد. 4) الحرص الشديد على إصلاح العمل وإتقانه وإحسانه . لأنه يعيش لله لا لنفسه، فكل ما يفعله يبذله لوجه الله . 5) وجل القلب وخوفه من عدم القبول .
الصفة الثانية: المتابعة لهدي النبي
فصاحب النفس المطمئنة يتبع النبي حذو القُذة بالقُذة، حتى تطغى محبته للنبي على حب المال والولد وحتى النفس . عن أنس قال: قال رسول الله "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" [متفق عليه] وعلامة الإتباع: شدة الحرص على معرفة سُنَّتِهِ وأحواله وسيـرته، والإقتــداء به .
الصفة الثالثة: الرضــا عن الله تعالى
فعندما يذوق طعم الإيمان يمر عليه البلاء وهو مطمئنٌ ساكنٌ هاديء .. عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا" [رواه مسلم]
الصفة الرابعة: شدة محبة الله تعالى وتعظيمه
فقد صُبِغَت حياته بصبغة جميلة من حسن الظن بالله تعالى، إذا ابتلاه يصبر ويرضى وإذا أنعَمَ عليه يشكر ربِّه ويحمده على نِعَمهِ .. فهو سبحــانه ربٌّ ودودٌ يتودد إلى عبــاده الصالحين، قال تعالى في سورة مريم: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا . وعلامات محبتك لله تعالى هي: 1) الأنس بالله تعالى في الخلوة . 2) التلذذ بتلاوة كلام الله . 3) كثرة اللهج بذكر الله . 4) موافقة العبد ربَّه فيما يُحب ويكره .
الصفة الخامسة: الصدق
ولن ينفعك في التعامل مع الله سوى الصدق، والصدق هو ما يجعلك تعيش مطمئنًا .. عن رسول اللهقال "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة" [رواه أحمد وصححه الألباني، مشكاة المصابيح (2773)] وللصدق أنواع، هي: 1) الصدق مع الله تعالى، ويكون . صدقًا في الأقوال؛ فلا ينطق لسانك إلا صدقًا .وصدقًا في الأحوال؛ فلا تراوغ ولا تتلوَّن . وصدقًا في الأعمال؛ بأن تكون مُخلصًا لله تعالى مُتبعًا لهدي النبي في أعمالك. 2) الصدق مع النفس . بأن يكون بينه وبين نفسه مصالحة فيما يعتقده وما يفعله . وأن ينصح نفسه؛ حتى لا تميـل مع الشهوات وتركن إليها . فيُحاسب نفسه قائلاً: يا نفسُ، أخلصي تتخلصي . واصدقي تصلي إلى شواطيء الطمأنينة وتبتعدي عن الريب والشكوك، 3) الصدق مع الناس . فلا يظهر أمام الناس بوجه مُختلف عن الوجه الذي بينه وبين الله تعالى.