من المعروف ان لكل حرب غنائم يظفر بها المنتصر عادة والغنائم تعرف بأنها ما يؤخذ من العدو عن طريق القتال؛ وقد نظم الدين الاسلامي تقسيمها وفرق بينها وبين الفيء وجعل اربعة اخماس الغنيمة توزع على المقاتلين والخمس لولي أمر المسلمين ليصرفه في مصارفه الشرعية المحددة؛ ولكن القتال في الصحراء لم يبن على مبدأ اسلامي تكون فيه كلمة الله هي العليا ولعل اهم اهداف الغزو في الصحراء هو الكسب والغنائم ذاتها يقول الدكتور محمد زهير المشارقة: "لقد كان الباعث الاساسي على الغزو عند العرب في الجاهلية وما تلاها من عصور هو حب الكسب والحصول على الغنائم التي هي قوام عيشهم او الثأر والانتقام" (1).
ففي كثير من الحروب يكون الحصول على الغنائم نتيجة من نتائج المعارك وليس هدفا في حد ذاته ولكن في غالب معارك الصحراء تكون الغنائم هي سبب المعركة التي تتم المخاطرة لاجلها ودافعها الحاجة ورد غائلة الجوع من جهة والطمع وحب الكسب من جهة اخرى كما قالت الشاعرة:
ياما ازينه يقدم جموع الطماميع
من فوق قبا كنها أم الغزال
وتقول الاخرى موجهة كلامها للاسرى من الاعداء بعد احدى المعارك:
ماذمكم ظفران وعيال ظفران
طماعة لاشك جاكم طماميع (2)
ولاجل تلك الغنائم تجد كثيرا منهم اذا عزموا على الغزو يحرصون على مرافقة العقيد الموفق المحظوظ تفاؤلا به حتى وان كان اصغر منهم سنا او اقل منهم مكانة.
ولتقسيم الغنائم عند ابناء الصحراء قواعد وتنظيمات خاصة يقف على قمة هرمها القائد شيخا كان او عقيدا فله من الامتيازات ما ليس لغيره ولذلك يحظى بنصيب الاسد دائما بل ان له صلاحيات واسعة في تقسيم الغنيمة؛ وهذا ليس بالامر الجيد، فقد كانت العرب قديما تطلق يد القائد في الغنائم حتى ترضيه قال الشاعر:
لك المرباع منها والصفايا
وحكمك والنشيطة والفضول
المرباع: ربع الغنيمة، والصفايا: وهي ما يستصفيه لنفسه منها، والحكم: وهو ما يقرر السيد انه له، النشيطة: وهي مالا يقبل القسمة من الغنيمة، الفضول: وهي ما يبقى بعد قسمة الغنيمة على المحاربين (3).
أقسام الغنائم وانواعها:
والغنائم في حروب الصحراء تنقسم الى ثلاثة اقسام رئيسية:
1- الابل وهي اساس الغزو والمكسب الاهم ولها يكون العزل وفيها ابيض الدفة والعايدة والخزيزة وغيرها؛ ورغم ذلك فهناك فرق في نوع الغنيمة بين الابل ذاتها من ناحية السن والشكل واللون تقول الجدعية في رثاء زوجها:
ما احلاه قدام المناسر يفد
ضار بشلعتهن وسهيل ما طاح
والحق والمفرود ما له يلد
ولا يشلع الا كل شحا ومضياح (4)
2- الخيل التي تؤخذ في ساحة المعركة وفيها القلاعة والمارج وهي كالإبل ليست سواسية فلا بد من المفاضلة في الخيل ايضا يقول الشيخ عقاب العواجي:
وقلايعي من نقوة الخيل عشرين
قب ولا فيهن ثبار ودنا
3- السلاح او سلب القتلى من الخصم من رمح وسيف وبندقية وغيرها.
وهناك غنائم اخرى قد يتم الاستيلاء عليها في بعض الاحيان مثل، العطفة، بيت الشعر، الغنم وغيرها من الحاجيات يقول احدها في مقارنة بين نوعية الغنائم:
حنا نقايصنا هروس وشني
ولا عندنا في باقي القش لومال
خذنا عوضها كل قبا تعني
وعاداتنا نخلي ظهر كل مشوال
في حين ان بعضهم يأنف عن بعض الكسب كما يقول الشيخ ساجر الرفدي:
ماني معودها لكسب الشواوي
ولا رددت فرق البقر بالزوية (5)
وقد كان بيت القصيدة هذا سببا في اعادة اغنام كسبها ساجر في إحدى غاراته الى اهلها؛ مما يؤكد الالتزام الادبي لابناء الصحراء.
كيفية توزيع الغنائم:
بعد توضيح انواع الغنائم لابد لنا ان نتساءل ما هي كيفية توزيع الغنائم؟ ومن الذي يقسمها؟ للاجابة على هذا السؤال فسنرجع الى ما نقله ابن عقيل عن العزاوي في نصه عن السلم والحرب (ديوان الشعر العامي 97/3-115) حيث قال: "وفي المثل البدوي (من طول الغيبات جاب الغنايم) فإذا تم الحرب او الغزو بالربح والغنيمة فكيف تقسم الغنائم وتوزع بين الغانمين؟
يكون هذا تابعاً لما اتفق عليه القوم او جروا عليه والرئيس او العقيد اذا كان شجاعا وبصيرا بأمر الحروب اخذ المرباع المعروف قديما او حسب ما اتفق عليه مع الذين غزوا معه. وهؤلاء لا يشترط ان يكونوا من فخذ واحد او من قبيلة بل قد يتجمع اليه أناس مختلفون لا يجمع بينهم الا قرابة بعيدة او مجاورة وقرابة قريبة والكل على الغريب والبعيد الذي ليس بينهم وبينه عهد.. وهكذا.
والغنائم تابعة في قسمتها لاحكام عديدة ومختلفة تبعا للمقاولات او المعتاد في امثالها ولالك تابعون للعقيد المسمى (منوخاً) وهذا العقيد.. امره حاسم لا يقبل ترددا وهو في الوقت نفسه يشاور اصحابه الذين يجد في آرائهم فائدة فيمضي دون تردد ويقطع فيما يرون القطع فيه.
قواعد عامة لتوزيع الغنائم:
ويستخلص من نص العزاوي قواعد عامة يتم على ضوئها توزيع الغنائم:
* القاعدة الاولى: العقادة وتعني ان للعقيد امتيازات خاصة ونصيباً مفروضاً محفوظاً بحسب الاعراف المتبعة لديهم فلا ينازعه في ذلك منازع ويتفاوت نصيبه ونصيب الغانمين على ما سيجيء في القاعدتين الثانية والثالثة اللتين يتم الاتفاق على احداهما قبل الغزو وبالطبع لرأي عقيد الغزو الاولوية في هذا الشأن.
* القاعدة الثانية: الخشر: وذلك بان يتفق الغزو على ان تكون هذه الغنائم لجميع الغزاة ولقسمتها قواعد تابعة لنوع الغزو وماهي الغنائم.
قال الشاعر محمد الدسم حول ذلك (6):
وخلوا رديين العزوم الزواريب
متبالشين بالحيل والذهانه
وصارن خزايزهم كبار الدباديب
تلقا بهم غير الكتايف بطانه
وعقب اخشروهم بالفذوذ العياديب
بالحشو والافاطر عيدبانه (7)
ورغم ان العزاوي لم يوضح قاعدة توزيع الخشر الا ان الدكتور زهير مشارقة قال: "وتقضي القواعد المتبعة في توزيع الغنائم ان يكون للفارس سهمان ولسواه سهم واحد اما القلايع اي اسلاب القتلى فهي لاصحابها اي للذين قتلوهم. (
اقول: وجعل سهمين من الغنيمة للفارس وسهم واحد لسواه قاعدة اسلامية سارت عليها جيوش التوحيد منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
* القاعدة الثالثة: كل مغيرة وفالها: ومن هذه يتفق الغزاة على ان تكون الغنيمة لغانمها ولا يشاركهم فيها احد الا ان نصيب المنوخ او العقيد محفوظ ومعترف به.
نصيب العقيد:
بعد بيان هذه القواعد العامة لتوزيع الغنائم لابد لنا من ايضاح نصيب العقيد الذي يتفاوت حسب نوع الغزو واتفاقه كما يلي:
* ذكر العزاوي انه في (الركب) يأخذ العقيد النصف اذا كان الكسب من (المرحول) او يكون نصيبه (المرحول) وحده اذا كانت الغنائم مختلطة.
والمرحول اي المخصص للركوب وهو ما يسمونه ابقع ظهر او اشهب ظهر وهو ابيض الدفة: وتعود هذه التسمية الى قطعة بيضاء في وبر دفة الراحلة تحت جانبي سفح السنام - وضلفتي المسامة والشداد هما المسببان لهذه النقطة البيضاء وذلك نتيجة لاحتكاك ضلفة الشداد او المسامة في سفوح السنام اثناء نقل الاحمال او الاسفار وكذلك تحدث نقطتين بيضاويتين على جانبي كليتي الراحلة وسببهما هو الحبل الذي يثبت مؤخرة الشداد على ظهر الذلول ويسمى الحقب وكل راحلة تحمل هذه الصفة لا تدخل بقسمة الغنائم بل هي حق مكتسب لمشيخة الوراثة المرافقة والقائدة للغزو (9).
تقول شاعرة من الصقور في وصف النبيقي الزوين:
لحقك اخو وضحا وربع مواريد
يبون شقح خططن بالدفوني (10)
** القلاعة:
قال العزاوي: وعادة الركب في الغالب ان تكون الغنائم بينهم خشرا ولا يدخل الخشر ما استولى عليه الغازي بصورة القلاعة وهي ان يجندل محاربه ويستولي على فرسه وهذه تسمى قلاعة.
أقول: والقلاعة مصدر مفاخرة ودلالة شجاعة وفروسية فجندلت فرسان الخصم والاستيلاء على خيلهم وسلبهم ليس بالامر الهين خاصة في بيئة تشكل فيها الخيل قوة مؤثرة وسلعة غالية ولذلك نجد ارتباط التعبير عن الانتصار في المعركة غالبا بقلايع الخيل ثم الاشياء الاخرى بعد ذلك يقول الشاعر:
خذنا قلايعهم وخذنا حلالهم
واللاش كسبه فيه وظلال
ويقول الشيخ خلف الاذن:
كم سابق جتنا بالايدي قلاعة
وكم راس راح بسيوف الاولاد
ويقول الشيخ تركي بن حميد:
وكم مهرة قبا تجينا قلاعة
رمينا براكبها وفاخت حبالها
ويقول تركي:
كم ذود مصلاح على رعي الاقفار
ناخذ قلايعهن بروس الرماحي
وفي ساحة القتال قد لا يستطيع الفارس المتميز اصطحاب جميع القلايع معه فيلجأ الى اخذ عنان كل جواد جندل فارسه ويترك الجواد يمرح كما فعل الفارس نومان الحسيني في احدى المعارك (11).
** قال العزاوي: ومن يتناول الغنائم قبل كل احد فيربح نصيبا وتكون له (طلاعة) وهي ناقة او ناقتان الى ثلاثة.
يقول حسن بن عضيب:
وليا لحقناهم والخلايق طفح
قد طيروا منها عزا طلعاتها (12)
وتسمى (حواية)
اقول: والمحوى له صورة ذكرها ابراهيم اليوسف: وهو ان القوم عند وصولها للابل يشهدون بعضهم على بعض على ان من ضرب ناقة بعصاه او ردها عن هواها وعن مسيرها فقد حواها اي ملكها وتكون له ولا ينكرون هذا في سلومهم يقول احدهم حينما شاهد احد الغزاة يضرب ناقته المسماة (ورده) بالعصا ليحويها لتكون من نصيبه:
ليتي على العودة نهار الكراره
واللي ضرب (روده) مكنته بحيني
الموت ملزوم يجرع مراره
كان القدر ما حال بينه وبيني (13)
** وقال العزاوي: "وسربة الخيل لا تختلف عن الركب في حكم الغنائم. وغالب الجمعة ان تتفق على ان تكون (كل مغيرة وفالها) اي ان يكون الكسب لمكتسبه وفي هذه يأخذ العقيد الخزيزة وتسمى ناقة الشداد يختارها من كل الغنيمة ثم يأخذ العوايد وهي ما يسمى ب (ابقع ظهر) ويقال له المرحول ويراعى الطيب مع من يوده فيبره ببعض العطايا او يمنح من ظهرت له قدرة ومهارة والباقي في حالة الخشر يوزع بين الغانمين.
اقول: والخزيزة في اللغة كما جاء في مادة خز:.. واختززته: اتيته في جماعة فأخذته منها واختززت البعير من الابل كذلك (14). ومعناها الاصطلاحي لا يخرج معناها اللغوي وقد تذكر بلفظ الغزيزة ايضا؛ والغزيزة: كما قال ابن بليهد (293:5) غزيزة اي ناقة واحدة اذا استفاد القوم على ناقة قالوا جاءوا بغزايزهم واذا جاء منهم رجل واحد بناقة واحدة قالوا جاء بغزيزته وهذه لغة تستعملها اعراب نجد الى هذا العهد وهي من صميم لغة العرب القديمة (15).
ويتضح المقصود اكثر كما جاء في قاموس البادية: العايدة والغزيزة: هما ناقتان نضرتان من الغنائم المكسوبة وهما من حق عقيد الغزو وذلك تحت طايلة شيخته الوراثية وصاحبة المغازي وقيادته للغزو ولا يكتفي بهذا بل يشارك رفاقه في الغنائم الاخرى (16).
قال خلف بن دعيجاء في ذلك:
خزايزه منا طوال السماحيق
وخزايزي شمط اللحى والعيالي (17)
يقول الشيخ ساجر:
غرنا على ذروات مع فجة النور
وتخرزوهن ناقلين الشلافي
ويقول زيد بن غيام:
الا ياحلي مدرهم باول الماسوق
خزيزة عقيد خضبوهن من الفوه
قال ابراهيم اليوسف: الفوه: الطراثيث الذي تبنت بالنفود مع الغضا وهي حمر ويطحنها الناس اذا يبس يخضبون بهن الكسب مثل الصبغ (18).
اقول: وفي بيت ابن غيام دلالة على ان الخزيزة في العادة تكون مما يركب وليس مما يحلب ومثله قول بداح الحطيم ايضا:
ياشبه وضحا ظهورها قريع شداد
خزيزة عقيد القوم يوم المغويري (19)
ومما يؤكد ان الخزيزة هي ناقة الشداد ماذكره موزل ان ناقة الشداد: هي احسن الجمال للركوب يأخذه العقيد من الغنيمة.
ويدل على ذلك قول براك بن سحمان:
واليا رزقنا الله بذود المغرين
افرق على ربعي بنا بناقة شدادي
بانسف عليها الكور والجاعد الزين
واسجها والها على الله منادي (20)
ويترجح عندي ان الخزيزة لا تسمى ناقة الشداد الا اذا كان قائد الغزو شيخا بالوراثة اما ان كان القائد عقيدا او شيخا ولكن مشيخته ليست وراثية يتكفي بمسمى خزيزة.
ويظهر لي ان العايدة كما ذكر الاصقه ناقة اخرى كالخزيزة ولكنها اقل نضارة منها لان الاختيار للخزيزة يكون اولا وقال موزل: ان العايد ثاني ناقة يغنمها المحارب وعليه فليست العايدة كل (ابقع ظهر) كما ذكر العزاوي حتي وان كانت من المرحول ذلك ان العقيد يقوم قبل قسمة الغنائم بعملية تسمي العزل ومعني العزل: ان يأخذ (العقيد) من الماشية التي كسبت قبل القسمة ما كان ظهرها ابيض دون سواه ولو كان في الجيش من هو اكبر منه (21).
اقول: يظهر ان العزل لابيض الدفة يكون بعد ان يأخذ العقيد الغزيزة ثم العايدة؛ قال سعد بن سرحان الرويس: