سميت هذه الحضارة بذلك الاسم نسبة إلى جزيرة "أم النار" الواقعة في الخليج العربي على بعد عشرين كيلومترًا من مدينة أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، وقد وجدت فيها البعثة الدنماركية عام 1959م ـ لأول مرة ـ المخلفات الحضارية المميزة لهذه الفترة. ووجد الانتشار المكاني الرئيسي لهذه الفترة في الإمارات العربية المتحدة حيث وجدت المستوطنات الساحلية والبرية وتلك التي تقع في جزر الخليج العربي. ويُعدّ موقع تل تاروت في جزيرة تاروت، في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، من أهم مواقع تلك الفترة إضافة إلى مواقع جنوب الظهران.
وقد أفادت التقارير الآثارية المنشورة في حولية الآثار في الإمارات العربية المتحدة بأعدادها الخمسة، أن الفترة من أقوى الفترات الحضارية في الجزيرة العربية السابقة على ظهور الممالك. وتدل على تلك القوة، وفرة المادة الحضارية التي تمثلت بمواد ثابتة مثل العمارة السكنية وعمارة المقابر التي تحتوي واجهاتها على رسوم حيوانات منحوتة كالغزلان وبعض الزواحف مثل الثعابين، وتمثلت كذلك في مادة آثارية منقولة تشتمل على: الأختام، والتماثيل، والنقوش، والآنية الفخارية، والآنية، من الحجر الصابوني وآنية المرمر الأبيض، وخواتم، وأساور، وخلاخيل، وسهام، وشفرات حلاقة، وأزاميل، ومخازر، وصنارات لصيد الأسماك. وبالنسبة للخرز فقد وجد منه كميات كبيرة صنعت من مواد مختلفة شملت: الحجر الصابوني، والعقيق، والأصداف، واللؤلؤ، والحجر البركاني، والصوان، والصلصال.
في نهاية منتصف الألف الثالث، يبدأ ذكر مركز حضاري آخر في الكتابات المسمارية في بلاد الرافدين، مما يشير إلى أن تحولاً قد حدث ولم يلبث أن ظهرت على إثره الحضارة التالية. ويعتقد الباحثون، وعلى رأسهم جيفري بيبي رائد الدراسات ذات الصلة بهذه الفترة، أن هجرات بشرية حدثت من وسط الجزيرة العربية ـ وبخاصة من منطقة اليمامة باتجاه الخليج العربي ـ تبلورت بعد أن اندمجت بالسكان المحليين في ظهور قوة جديدة نقلت الثقل الاستيطاني إلى جزر الخليج العربي وبخاصة جزيرة البحرين في البحرين وجزيرة تاروت في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، كما انتعش الاستيطان الداخلي في البر. وعرفت هذه الحضارة باسم حضارة دلمون.