إن لكل أمة تاريخا تسجله لأبنائها من منطلق عقيدتها، وواقع حياتها، وتدرسه لهم ليكون ناصعاً منسجماً مع ما تتمني تعليمه لأبنائها، وما تريد أن تنشأ عليه أجيالها في المستقبل.
هذا بالنسبة إلى كل أمم الأرض، إلا الأمة الإسلامية الحبيبة الغالية، فإن تاريخها قد لعبت فيه أحياناً الأيدي المنحرفة عن جادة الحق فى الماضي، وحرفته أقلام المستعمرين والمستشرقين وأنصارهما من المتغربين في الحاضر، حتى غدا تاريخاً مشوهاً لا يليق بأمتنا الإسلامية الخالدة، ولا يمت بأي صلة لتاريخنا الإسلامي الحقيقي.
فلقد ابتلي المسلمون بالمستشرقين، والإرساليات، والاستعمار الغاشم الكافر في الماضي القريب، واحتل هذا الثالوث المقيت ديار الإسلام، في غفلة من أهلها، فلم يدع دعامة من دعائم الحياة الإسلامية إلا زلزلها وزعزعها، أو وضع الألغام من تحتها، لعلها تنفجر يوماً ما، فتأتي عليها من القواعد. وعندما حمل الاستعمار العسكري والسياسي عصاه ورحل، كان قد ترك وراءه آثاره وبصماته في جنبات الحياة الدينية، والتشريعية، والفكرية، والخلقية، والعملية، والعلمية، والتاريخية مستعيناً بالإرساليات والمستشرقين.
لقد ترك وراءه رواسب الغزو الفكري والثقافي، الذي عمل عمله في عقول الأجيال الناشئة من أبناء الأمة الإسلامية، وبخاصة الذين لم يتح لهم أن يتثقفوا بالثقافة الإسلامية.
لقد غير عذا الغزو المخطط المدروس، المكون من الثالوث " الاستشراق، الاستعمار، الإرساليات “، كثيراً من المفاهيم الإسلامية الأصيلة، وأحل محلها مفاهيم غريبة دخيلة. ومالم يستطع تغييره من القيم والأفكار، أعمل فيه معول التشكيك والبلبلة، حتى تفقد الامة ثقتها بذاتها وبدينها وتراثها، وبتاريخها، وتصبح أمة بلا أساس ولا جذور، وبذلك يسهل على أعدائها تسييرها إلى حيث يريدون، فإن أبت حطموها بغير جهد.
وتفصيل ذلك انه عندما أهمل المسلمون دينهم، وأخذت الدنيا طريقها بين صفوفهم، أصاب المسلمين ضعف وانقسام وانحلال، أسدل الستار بعضاً من الوقت على عظمة المسلمين.
وكان ضعف المسلمين فرصة لأعدائهم الأوروبيين خاصة، حيث بدأت الهجمات المعادية للإسلام. ولعل أشنع هذه الهجمات ما عرف في التاريخ الإسلامي بالحروب الصليبية التي استغرقت قرنين من الزمن، أصاب فيها العالم الإسلامي خسائر فادحة في جميع المجالات. وظل ذلك الأمر كذلك حتى شاء الله وبعث في المسلمين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأخلصوا للإسلام والمسلمين، وجاهدوا في سبيل الله، جهاداً صداقاً، أدى إلى اندحار الصلبيين الغاشمين، ثم إجلائهم نهائياً عن ديارنا المقدسة الحبيبة الغالية، التي أعزها الله بالإسلام والمسلمين.
وبعد انتهاء الحروب الصليبية بالفشل الذريع من الناحية العسكرية، والسياسية، لم ينقطع الغرب من الانتقام من الإسلام الظافر وأهله بطرق أخري. فكانت الطريقة المثلي لذلك، هي دراسة تاريخ الإسلام ونقده وتشويهه، وتشويه القرآن الكريم، والسيرة النبوية العطرة. ثم نشأت فكرة الاستيلاء على البلاد الإسلامية عن طريق القوة والغلبة حين بدأ العالم إسلامي يضعف دينياً، ثم يتدهور سياسياً وعسكرياً وثقافياً واقتصادياً.
وجاء القرن الثاني عشر الهجري حيث بدأ الغرب يسطو مرة بعد أخرى، على بلد بعد بلد من العالم الإسلامي. وما كاد الغرب ينتهي من استيلائه على أكثر أقطار عالمنا الإسلامي، حتى بدأت الدراسات الغربية المسمومة عن الإسلام وتاريخه المشوه تنمو وتتكاثر، بقصد تبرير سياستهم الاستعمارية نحو هذه الشعوب، وقد تم لهم في القرن الثالث عشر الهجري دراسة التراث الإسلامي، ثم كتابته مشوهاً فاسداً من جميع نواحيه الدينية والتاريخية والحضارية.