يطرح ستيفن كوفي في كتابه الشهير، الذي باع ملايين النسخ عبر العالم، وتُرجم لعشرات اللغات، ومن ضمنها اللغة العربية، "العادات السبع لأكثر الناس فاعلية" العديد من الأفكار والرؤى حول قدرات الإنسان، وكيفية تنميتها، واستغلالها الاستغلال الأمثل، وصولا لتحقيق النجاح على أسس علمية، لا بشكل عشوائي، أو خاضع للمصادفة.
منها أن حياتنا، ليست بأي معنى من المعاني، سلسلة من المصادفات القدرية التي تمرّ بنا كل يوم، وإنما هي عبارة عن قطع أحجية نجمعها، اعتمادا على اختياراتنا وقرارتنا وأفعالنا التي من المفروض أننا مسؤولون عنها.
ومن ضمن الصفات التي اعتبر كوفي أنها تميز الناجحين في حياتهم العملية، "الاستباقية proactivity" وقال إنها التي تدفعك دائما لتحمل مسؤولية نجاحك، وتغيير ظروفك، بدلا من الاستمرار في إلقاء اللوم على ما حولك ومن حولك. وإبراء نفسك من أي ذنب!
وذكر كوفي أن هذا هو عكس ما تفعله الشخصيات التفاعلية (reactive) التي تعتمد على الظروف، وردود فعل الآخرين، لتبرير تصرفاتها، وفي بعض الأحيان فشلهم في تحقيق ما يتمنّون.
فبدلا من الرضاء بالأمر الواقع، كن استباقيًا، وأكثر سيطرة على الظروف التي تتحكم في مستقبلك، فلا مفر أمامك من ذلك، إذا كنت تريد تحقيق نجاح باهر، يلفت انتباه الآخرين، ويجعلهم يؤمنون بقدراتك.
وإن كنت تعتقد أن مؤهلاتك الحالية لا تتيح لك الحصول على وظيفة أحلامك، فاستثمر وقتك وجهدك وإمكانياتك لتكون الشخص الذي تتمنّاه، وحسّن مؤهلاتك باستمرار، بدلا من إلقاء اللوم على الظروف التي تمر علينا جميعا بنفس القدر والكيفية، لكن أحدنا يستغلها لصالحه، وأحدنا يرضخ لها دون مقاومة.
أنت وحدك – في النهاية - من يختار النجاح أو الفشل، فلوحة التحكم بين يديك حتى إن لم تكن تشعر.
ربما ليس ما يوفّره لك القدر الآن هو كل ما تتمناه، أو ما تتصوّر أنك تستحقه، لكن تذكر أن كل لحظة في حياتنا تقدم خيارًا جديدًا، وتوفّر لك فرصة مثالية لفعل الأشياء بشكل مختلف، ولتحقيق نتائج أكثر إيجابية، ربما تكون أكثر نجاحا مما كنت تتمناه أو تتوقعه.
وبقراءة التاريخ، سوف تتأكد بشكل لا يقبل الجدل أن جميع العظماء الذين صنعوا أسماء نرددها حتى اليوم بكل فخر وإكبار، تحدّوا ظروفهم، وكانوا سبّاقين في أخذ المبادرات. ولم يرضوا أن يكونوا رهن ما منحهم إياه القدر.
مرّت الفرص على معاصريهم كما مرّت عليهم، لكنهم هم من انتبهوا لأهميتها وقيمتها، وبادروا بانتهازها، فصنعوا ما صنعوا، في حين بقي الآخرون، يلعنون ظروفهم، ويتعجبون من عدم وجودهم في المقدمة!
لاحظ أن الاستباقية – وفقا لكوفي - لا تعني المبادرة دون خطة واضحة، أو دون حساب الظروف، فهناك فارق كبير بين المقامرة والمغامرة، المقامرة، تكون على غير أساس، وتوقع خسارتها أكبر، أم المغامرة، فتكون بعد دراسة، وحساب واع للمكسب والخسارة، وتكون نسب نجاحها أكبر.
فالذي ينزل الماء وهو لا يجيد السباحة متصورا أنه سيحرز المركز الأول في مسابقة ما، مقامر، وربما يضرّ نفسه في النهاية، أما الذي ينزل الماء وهو يجيد السباحة وإن لم يكن محترفا، فسوف ينجو، وإن لم يحقق المركز الأول هذه المرة، فسوف يحققه في المرة الثانية.
الاستباقية تعني رؤية ما لا يراه الآخرون، وانتهاز الفرص التي لا يعتبرها الآخرون كذلك، والعمل عليها، وبذل الجهد، لاستخراج القيمة منها، والإصرار على جعلها نقطة في صالحنا لا مجرد تجربة مررنا بها، ثم لم نستطع الخروج منها بأي منفعة.
لذا، يكرر ستيفن كوفي، كن استباقيا في الوقت الذي يتراجع فيه الجميع، ويجبنون عن انتهاز الفرصة، كن استباقيا عندما لا يظن الآخرون أنك قادر على ذلك، كن استباقيا عندما تعتقد أن بإمكانك فعل الشيء، بطريقة مختلفة. وسوف تحقق ما ترى أنك قادر على تحقيقه.