نفحات آيمانية ▪● (يهتم بشؤؤن ديننا الإسلامي الحنيف) |
02-18-2015, 01:31 PM
|
|
|
|
لوحات تربوية (1)
شتاتٌ متناثر , و خواطرُ في النفسِ تجيش , و تجاربٌ تبحثُ عن مُتنفّسٍ لها , كانَ الهدفُ واحداً و لا زال , نسعى سوياً من أجل تحقيقه , نُقيمُ البرامج , و ننسّقُ الدروس , و نعقدُ الندوات و الاستضافات , و لا مانع من الترويح أحياناً لننطلق بجدِّ من جديد , و مع طولِ الصحبةِ مقترنةً بالمراس , تتراكم الخبرات , و تنتشي الملكة , و تتفتقُ الأذهان , خصوصاً مع هذا الزخم الهائل من الممارسات و التوجيهات و التجارب التربوية , لتنشئ شخصاً قادراً – على الأقل – على ممارسةِ العمل في الميدان التربوي , و مقارعةِ معضلاته , و كشف دسائسه , و سبرِ أغواره , و إن كان النقصُ و القصور ملازماً للنفس و لا بدّ .
و إذ ذاك .. أحببتُ أن تكون هذه الصفحة مُلكاً لي , أنثر فيها شيئاً مما مارسته و تعلمته , عسى أن أسهم – ولو بالقليل – في دفعِ عجَلةِ التربية , و الرقيِّ بها , أو على الأقل أن أجعل من هذه التجارب و الممارسات , مجال توجيهٍ و نقد , أو مجال مُباركةٍ و تحفيز , سواءً بالإضمار أو بالإظهار , لا سيّما و أن هذه الشبكة تحفلُ بعملاتٍ نادرة في مجال التربية , و قاماتٍ شامخة تبنّت هذا الميدان و أسهمت فيه بشكلٍ أو بآخر .
نصابي سيكون عشرينَ لوحةً , و ما زاد فهو هديّةٌ أقدمها على خجل , مع العلم أنني في هذه الصفحات سأتكلم بشكلٍ متشتت , فقد لا تجد رابطاً بين لوحتين متواليتين , و قد تستغربُ أحياناً من تقديم مهمٍ على أهم , لأنها خواطرُ تجيشُ في النفسِ فأكتبها في حينها , و لربما كانت بعضُ المواضيع حساسة , و بعضها عُرْضة للسخرية عند من لا يفهم التربية , و ختاماً فإن المعنيَّ الأول بهذا الموضوع هم روادُ حِلَقِ تحفيظ القرآن الكريم , ما بين طلابٍ و مشرفين , لأنَّ ما سيُنثرُ هنا ناتجٌ عن طولِ صُحبةٍ لهم , و قد يوجد شيءٌ من التداخل في اللوحات مع مؤسسات تربويةٍ أخرى .
اللهَ أسأل أن يباركَ فيما كتبتُ وما سأكتبْ .
[ اللوحةُ الأولى ]
بالحُبِّ يقود القُبطان دفَّة التربية باقتدار
سألتُ أحدهم – وكان طالباً - : أيُّ الأطياف تلوحُ أمامك بشكلٍ مستمرّ ..؟ فتتمنى أن لو تناجيها و تحاكيها و تسمعُ همسها ..؟
جال في الأفق بعينيه الشاردتين , و قد استرجع من أرشيف الذكريات كثيراً من الذوات و الشخوص , و بعد إدمان التفكير , أجاب منتشياً : و من ينسى أبا ثامر !؟ .
لم يكُن هو الوحيد الذي أجاب هذا الجواب , كلُّ دفعته و أقرانه و من قَرُبَ منهم علوّاً أو دنوّا , يحملون الشعورَ نفسَهُ تجاه أبي ثامر , تراهم يُنصِتونَ له إذا تكلم , و يحتفون به إذا حضر بعد طولِ غيبة , و يسارعون إلى استشارته عند حلول مشكلة , و لا يصدرون عن رأيه أبدا , إنه يحبّهم و يحبّونه , فنال هذه المنزلة الرفيعة ..
عن نفسي .. إن أنسى فلا أنسى أبا محمد , أحببته حبَّاً جمّا , و كذا من هم في سنّي , و كان يبادلنا الشعور نفسه , لا أخفيكم .. لربما غضبَ عليَّ لأمرٍ اقترفته نفسي الأمّارةُ بالسوء , و لربما نلتُ منه التوبيخ بشيءٍ من القسوةِ , و مع ذلك تزداد – والله – محبتي له , لأنه يغضب بحُبّ , و شتان بين غضب الحب , و غضب الغل و الحقد .
الحُبُّ المتبادلُ بين المربّي و المتربي من أعظم الركائز الأساسيةِ التي تقوم عليها عمليةُ التربية , { ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } , ما رأيتُ فيما طبقتُّ , و لا في استقرائي للمربين العاملين في هذا الميدان , أكثرَ نجاحاً و لا إنتاجاً و لا توفيقاً من المربّي المحبوب , الذي يحبّه طلابه , لدماثة أخلاقه و طيب خصالهِ , بل – والله – إن أثره يصلُ إلى بيتِ المتربي دون أن يشعر , و أقولُ هذا الكلام من ميدان تجربة , لا من ميدان تنظير , و يزدادُ هذا الأثر متى ما كان المتربي يتيماً , أو مُطلّقَ الأم , لأنك – غالباً – ستقومُ بدور الأب .
أنا هنا لا أتكلمُ عن الحبِّ المذموم , الذي هو نتاجُ ثقافةٍ سيئة , فهذا النوعُ من الحبِّ يهدمُ و لا يبني , يبور و لا يعيش , يمحل و لا يبقى , إنني هنا أتكلّمُ عن الحبِّ بمعناه النقيّ الكبير , الذي أعيا الأخلاءَ طلبه , و أضاع الأصفياءُ مسلَكَه , أتكلّمُ عن الحبِّ الذي ارتضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجاً له , و عاشَ الصحابةُ في عهد أبي بكرٍ في كنفه لا يتقاضون إلى قاضيهم عمر , مما حدا بأبي بكرٍ أن يغلق باب المحكمة بالشمعِ الأحمر مُدّةَ خلافته , لأن الحبَّ قد فصل في القضيّة , و جعل الأرواح تحلّق عالياً في السماء , إنه حبٌّ علمتُ فيما بعد أن القوم يسمونه ( الحب في الله ) , و هو عنوانٌ كبير , يحمل تحته جملةً كبيرةً من المضامين , تؤدي في الغالبِ إلى حبِّ العمل كبُرَ أو صغُر , كحبِّ احترامِ الصغيرِ للكبير , و حبِّ الشفقةِ من الكبير للصغير , و حبِّ الخير للغير , و حبِّ قضاء الحوائج و .. و .. إلخ , و الخلاصةُ أن لا تُقدمَ على عملٍ – أيها المشرفُ و أيها الطالبُ – إلا و أنت تؤديه بحُبَّـين , الأول (حبٌّ في الله) , و الثاني و هو في الغالب نتيجةُ الحبِّ الأول (حبُّ ذات العمل) , لا أن تؤديه على أنه واجبٌ تنهيه , أو فرضٌ تقضيه , أو صخرةٌ تزحزحها من على رأسك .
بعد ذلك , سنشرع سويّاً في قراءةِ الطُرُقِ و الأساليب التي يمكن من خلالها أن نقتنص قلوب أفرادِ المحضن , حتى نؤثرَ عليهم بشكلٍ أفضل , و لعلها تكون لوحتنا القادمة بإذن الله .
دمتم بعافية .
g,phj jvf,dm (1)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 02:10 PM
| |