هل تَصدُقُ المقولة الّتي نسمعها : مَنْ بَاعَنا ؛ بِعنَاه ؟! هل أصبحنا في زمنٍ نتعامل فيه مع النّاس بالأسوأ ؟ وأصبحنا نُعامل الخلق ، ولا نُعامل الخالق من ورائهم ؟ لماذا لا نتعامل بإحسان ، ونقدّم الخير ونخلص النيّة طلباً لرضا الله لا رضا النّاس ؟ وإن كان الدّفع بالّتي هي أحسن يُحوّل العدو إلى وليٍّ حميم ، فلماذا لا ندفع بالتّي هي أحسن ؟ هل أصبح التّخلي عن الصّداقة سهلاً ويسيراً على قلوبٍ أحبّت يوماً ما .. بصدق ؟! لماذا لا نُنقّب عن صفاءِ قلبٍ أحبّنا يوماً ما ؛ كدّرت صفاءَهُ ظُروفٌ أقوى منه ؟ لكننا لو نَبَشنا في أعماقه وتعاملنا معه بودّ ، لتكشّفَ لنا الذّهب البرّاق ؟ لماذا لا نعتبرُ أنّ جفاءه وبعدهُ .. سحابةُ صيفٍ تنقشعُ سريعاً ؟ وأنّ ظروفاً معيّنةً أجبرته على الــ ( البيع ) والجفاء و البعد ؟ ألا يوجد هناك التماسٌ للأعذار وتقديرٌ للظّروف والأشغال ؟ فــ ربّما هو لم يبعنا حقاً .. لكن عنده ما يشغله عنّا ! ربّما لا زال قلبه ينبض بــ حُبّ تأصّل في داخله ؛ لكنّ مشاغله أكبر مما نتصوّر !
وهل حقّاً تستطيع قلوبنا أن تنسى نبضاتها لمن أحبّتهم في الله بصدق ؟! وهل نستطيع أن ننساهم أو ننشغل عنهم بعد عهدٍ وفاءٍ قطعناه معهم ؟! وحتّى لو تظاهرنا أمام النّاس بأننّا نسيناهم كما نسونا ؛ فهل نُكذّب لهفةُ قلوبنا عند ذكراهم ؟! هل حقّاً نستطيع أن نفكّ رابطةً عقدتها قلوبنا مع قلوبهم في الله و لله ؟
وعلى الطّرف الآخر .. همسةٌ لذلك القلب الّذي يحاول أن يبيع من اشتراه بغالي الأثمان : فلتعلم بأنّ محبّة القلوب لك هي رزقٌ من الله وحده ربّما ساءك أمرٌ ما من هذه القلوب .. فاستنكرت فعلهم لكن إيّاك أن تبيعها أو تفرّط بكنوزٍ ساقها الله إليك لا تعتمد دائماً على أنّهم ( المفروض ) أن يعذروك ويلتمسوا لك الأعذار ولكن اِقتدِ بحبيبك محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين كان يوضّح مواقفه ويبرّر أفعاله لأنّه يعلم أنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم وضّح مواقفك وأظهرْ أعذارك حتّى لا تفهم خطأ وحتّى لا تخسر من أحبّوك بصدق لأجل ضبابِ أزماتٍ تمرّ بك أو كدرِ ظُروفٍ آلمتك ، أو مشاغلِ أشغلتك
وربّما كنت أنت أكبر الرّابحين في هذه الرّابطة الأخويّة فــ ربّما يرفعك الله منازلَ ومراتبَ عالية ، لم تكن لتصل إليها بجهدك وعملك لكن ربّما تصل إليها بدعاء من أخٍ حبيبٍ يتعهّدك بالدّعاء في ظهر الغيب فلا تترك باباً لشيطانٍ يُبعدك عن أرقى علاقة تتقرّب بها إلى الله فإنّ ( أوثق عُرى الإيمان الحبّ في الله ) () فلا تفرّط في رزقٍ ساقه الله لك بلا حولٍ منك ولا قُوّة واسأل الله أن يرزقك الصّحبة الصّالحة ويُعينك على شكر هذه النّعمة بالتّعامل مع الله من ورائهم ، والتماس الأعذار لهم ، ومقابلة الإساءة بإحسان
كلماتي هنا لا أقصد بها صحبة المصالح والزّمالة والظّروف لا أقصد من لم يعقد معنا رابطة أخوّة في الله ، وإنّما كان مروره بنا كــ عابر سبيل .. فذلك يذهب غير مأسوفٍ عليه ..! فمن لم يرفع له بُنياناً في القلوب ، كيف يُريد أن يرتقي منها إلى الثّريا ؟
وإلى كلّ قلبٍ رزقه الله قلوباً في طريقه همساتٌ تنبعُ من القلب :
أحبّوا أحبّتكم .. لكن لا تعلّقوا قلوبكم بهم املأوا قلوبكم بحبّ الله أولاً ثمّ مُدّوا جسور محبّةٍ من قلوبكم إلى قلوب أحبّتكم
تنفّسوا أحبّتكم كــ هواءٍ يحتوي أوكسجيناً ؛ لكن بين ثناياه لابدّ وأن يُوجد ( ثاني أوكسيد الكربون ) ! تذوّقوا محبّتهم كـ كوبٍ من القهوة ، ارتشفوه بهدوء ، ودعوا الرّشفة الأخيرة لأنّ فيها حثالة القهوة ، فربّما شَرِقْتم بها ! تعاملوا معهم بإحسان وحبّ وصفاء والتماسٍ للأعذار ، فربما لن تجدوا أشباههم في أيّ مكانٍ آخر ! اكسبوا لحظاتكم معهم قبل أن يرحلوا ، كــ طائرةٍ لو فاتكم الإقلاع بها ، لفقدتموها إلى الأبد !
أحبّوهم بــ صدق لله وفي الله .. فلعلّهم هم من يرفعوكم إلى جوارهم على المنابر أكرموا رزق الله لكم الذي رزقكم من محبّتكم لبعضكم البعض ، واشكروه على عطائه وثقوا أنّ أشدّكم حبّاً لصاحبه في الله - بصدق - ، أشدّكم حبّاً لله احجزوا لكم مقعداً - ولو صغيراً - بين الجموع في قلوبهم () فلربّما كان ذلك المقعد هو معبركم إلى الجنان !
لا تبيعوهم ( إن كانوا من الصّالحين ) فصحبتهم كنوزٌ تُهدي جوائزها في الدّارين وإن انشغلوا عنكم ، أو ابتعدوا ، أو تقطّعت كلّ سبل الوصال بينكم .. فــ ابقوا دائماً على وفائكم لهم ، ولو بدعوة في ظهر الغيب لتنالوا تأمينَ مَلَكٌ على دعواتكم : ( ولكم بمثل )
فلعلّهم يشفعون لكم يوم يضجّ النّاس بحثاً عن شفيع .. ولا شفيع ..* ولعلّهم يجرّونكم معهم إلى أعالي الجنّات بدلاً من أن تبقوا في أدناها ولعلّ الله أن يكرمكم بكمال الخلود معهم في جنّته بقلوبٍ نقيّة لا تحمل غلّاً ولا حسداً ()*
و ختاماً .. إلى كلّ قلبٍّ أحبّه ويحبّني : احجزوا لي مقعداً في قلوبكم فإنّي .. أحبّكم في الله ()