حينما تخلو إلى نفسك وتتأمَّل حالَ الدنيا، وما وصلَت إليه من خلافات دائمة، وظلمٍ متجلٍّ، ثم تتذكَّر بعض المواقف والأحداث التي تكاد تنطق بغياب
الرحمة والإنسانية عن الكثير من الناس - تجد في نفسك الكثير من التساؤلات التي تهرب منك إجاباتُها؛ فتغرب عن رُوحك شمسُ الأمل، وتُفقِدُك الأحزانُ عدسةَ التفاؤل
حتى تعتاد الظلام ولا تجد مفرًّا، إنه الواقع الذي تعيش فيه بجسدك وقلبك!
وبعد الغرق في التفكير تنتبه لأنين هذا القلب الذي كاد يختنق، فتحاول أن تواسيه، ولكن دون جدوى! كيف يتوارى عن كل هذه المهاجمات ولا تُرتبك نبضاتُه لها؟
يهِنُ منك فؤادُك إلى تَمل منه ومن ألَمِه، فتصفه بالضَّعف، وتأتي تلك اللحظة التي تقرر فيها أن تتخلى عنه؛ حتى لا يؤلِمك نزيفُه مرة أخرى تحت اعتقاد أنك لا بد
أن تصبح أكثر ملائمة للواقع، وإذا بالقسوة التي كانت تؤلِمك، تستعد لتسكنك! فما عاد هناك قلب يتصدى لها! وتنسى أن هذا الفؤاد نعمة وفضلٌ من خالقك،
ولو كان الأفضل أن تعيش بدونه لَمَا خُلِقت به من البداية! هل نسيت تلك الأيام التي أسعدك فيها قلبُك حتى كدت تُحلِّق في السماء، وجعلك تشعر بالكثير من
المعاني الجميلة التي لم تكن لتُدرك عظمتها إلا حينما استشعَرتَها بكل كِيان قلبك؟!
جعلك تشعر بالحب تجاه الكثير من الناس، والعطف تجاه آخرين، والسعادة لأجل البعض، والانتماء لأرواح نقيَّة، وجعلك تُقبل على الحياة مرارًا، وتسعى في الخير أيامًا،
أفي لحظات صغيرة تُنسيك الدنيا كلَّ ذلك؟! إنما تَخدعنا الدنيا؛ حتى نتخلى عن أغلى ما نملِك دون إدراك منا.
فمهما كلَّفك قلبُك من الألم، فلا يحقُّ لك تعطيلُه، يكفي أن تتذكَّر أنه رزقٌ من الله سبحانه وتعالى لك، يحمل الحزن بجانب السعادة، ويتصف بالضَّعف بجانب كونه كلَّ
قوتك، فدائمًا ما يوجد وجهان للقلب الواحد! متى قررتَ التنازل عنه، فستفقد الاثنين معًا، ستفقد الظلام وما يضيء لك الحياة بعد الظلام، ستعيش وأنت تنسى طعم الحياة!
والحقيقة أن تعطيله يزيد الأيام ضيقًا عليك وعلى غيرك.
إنْ كنت ممن دفعتْهم الحياة لذلك يومًا، فأعِد تفكيرك، وأعِد استغلال قوتك العظمى التي قد تُحييك في الدنيا والآخرة، واعلَم أن الله يحيي القلوب بعد موتها، فاجعَل نبضاتك
تلازم كلماتك وأفعالك، لعلك تُعيد معاني الإنسانية، وتُخفف عنك وعن غيرك التألم لفِقدانها