نقطة سوداء..!
تخشى الفقر والمرض والوحدة، وقائمة تطول من المخاوف، لا تعلم أين مقرها ومستودعها، ولكنك تعمل جاهدًا على تجنُّب الاصطدام بها؟
تحاول جاهدًا حماية نفسك، ولكنك تنسى تلك النقطة السوداء، تتسلل في بحر عقلك؛ فيسودّ شيئًا فشيئًا حتى يغلبه السواد.
إنها تلك الخاطرة العابرة، لن أقول فكرة، بل خاطرة سوداء، تعبر كالبرق، تتصيد الفرصة لغياب إدراكك، حتى ترتع في تلك البحور، وتتمدد كما تريد، وتلوث فسحة عقلك..
وحتى أساعدك في تمييزها عزيزي القارئ، إنها خاطرة سلبية، تعاود الظهور بأشكال متعددة، تحاول الدخول لعالمك دون وعي منك؛ لتفرض سيطرتها، وتستعمر سلوكك ومشاعرك؛ فتفسد عليك اللحظة.. يدعمها النزغ الشيطاني، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، ويقويها العقل المشوش والمعتاد على الاستجابة لمثل تلك الوساوس أو الأفكار السلبية.
ونقطة الحبر السوداء تلك إن سمحتَ لها بالتمدد في بوتقة عقلك ستُصبح أيامك ظلامًا؛ فلا ترى إلا من خلال ذلك السواد.
دعني أشير هنا إلى أنها خاطرة خادعة، تبدو للوهلة الأولى أنها فكرة منطقية أو حقيقية؛ فتشدك للاستجابة لها؛ فتتعاطى معها، ثم تجر أخرى حتى تغرق في حوار صامت، يمتص طاقتك، ويثبط عزيمتك، حتى إذا تمكنتْ منك، ووقعتَ في شراكها، وسيطر تأثيرها على مزاجك، قد تلحظ أن ثمة مشكلة تعبث بمسار يومك.. وكلما وصل إدراكك مبكرًا كان ذلك مُعينًا على إنقاذ ما تبقى من يومك، ومن ثَمَّ حياتك.
وحتى أُقرِّب الفكرة، لنتخيل سوية ذلك الموقف: تستيقظ صباحًا بمزاج جيد، وأنت تُسرِّح شعرك خلال روتين بداية يومك تنسكب
نقطة الحبر السوداء كصوت داخلي خافت: "تقوم لشغلك كل يوم بدون فائدة ولا تقدير"، ثم تليها
نقطة أكبر: "لو أترك الدوام أريح، برتاح أكثر"، ويستجيب عقلك أكثر: "أصلاً وش الفايدة من هالشغل إذا الراتب طاير طاير".. وهكذا،
نقطة تلو نقطة.. فتتقلص دافعيتك، وتتلاشى حماستك تلك اللحظة، وتشعر بأنك فقدت شيئًا ثمينًا، لا يمكنك وصفه. وهذه خطورة النقطة السوداء؛ فهي تلوث صفو يومك دون أن تشعر. والمصيبة أن تلك المحبرة لا تنفد، ويمكنها أن تستمر في تلويث عالمك حتى يصبح السواد حالكًا؛ فلا يعود تمييز الحقيقة الحيادية أمرًا سهلاً.
ومكمن المشكلة الحقيقي عندما تُصدِّق وتستسلم، وتتماهى مع الأفكار التي يصدقها العقل؛ فيرسل الأوامر لمشاعرك؛ فتتضايق وتنكمش، وتقلق أو تحزن، أو تغضب، وتأتي بعدها تصرفات متوائمة مع الشعور، تزيد الطين بلة!
الواعي هو من يدرك تلك النقطة الخبيثة قبل أن تعكر شفافية الكأس! يراها، يميزها، وبقليل من التركيز سيعرف أنها تتكرر، ولا تأتي بخير، وأنها تجر لعالم مظلم ومشاعر سلبية؛ فلا يسمح لها بأن تنسكب.
عزيزي الباحث عن الحياة المطمئنة، والظلال الوارفة في راحة البال، أغلق تلك المحبرة تمامًا، وأنقذ عقلك من التكدر، وطاقتك من التسرب، وابتسامتك من المغادرة.
لتكن لديك مصيدة لمثل تلك الأفكار السلبية، انتبه لها، وراقبها عن كثب، ثم دوِّنها وراجعها مرارًا حتى يتعرف عليها عقلك الواعي، ويتصدى لها عند العودة.
وتذكَّر لتلك الفكرة السلبية الوسواسية 4 صفات:
1- متكررة. 2- سلبية. 3- لا يوجد لها حل. 4- يضيق بها صدرك.
تخضع استجابتنا لتلك النقاط السوداء لعوامل كثيرة، منها: مستوى الوعي للفرد بتلك الأفكار، إدراك التأثير السلبي لها عليه، مستوى القلق وعادات العقل.
وختامًا.. تذكر أنه كلما زاد وعيك بتصيُّد تلك الأفكار السلبية، وقلَّت استجابتك لها، ستقلُّ فرص معاودتها تدريجيًّا حتى تختفي! فتكون أنت مَن سيطر على الفكرة، ولم تجعلها تسيطر عليك، وذاك هو انتصار بحد ذاته؛ فأكبر عدو للإنسان هو أفكاره السوداء.. فالقوة أن تقود أفكارك، ولا تجعلها تقودك.
تمنياتي لكم بحياة صافية.