(اللمم): هو ما يلم به الإنسان من شهوات النفس وصغائر الذنوب، وهو شيء عابر أو طارئ تميل النفس إليه من غير قصدٍ له ولا مداومة عليه، وهو يحدث والشخص يسير في شارع أو يتسوق في مول أو يرتاد ناديًا، وهو راكب في المواصلات، وهو في العمل، وهو يتابع قنوات التليفزيون، ويتصفح مواقع الإنترنت وغيره. فاللمم هو ما لا يعتاد ويداوم عليه، وهو أيضًا غير المقصود، والسنة النبوية الشريفة هي الموضحة والمبينة للقرآن الكريم، وقد جاء في صحيح البخاري فيما رُوي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أدْرَكَ ذلكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، والنَّفْسُ تَمَنَّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ أوْ يُكَذِّبُهُ).
وقد أشار ابن عباس رضي الله عنهما إلى ذلك في تفسيره للآية بهذا الحديث، فقال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم ثم ذكر الحديث؛ أي: إن ما جاء بالحديث السابق من قوله صلى الله عليه وسلم هو أقرب شيء يوضح معنى اللمم.
والحديث يبيِّن أن هذا اللمم هو مما كتبه الله علينا في اللوح المحفوظ؛ أي: هو مقدر على كل واحد نصيبه منه، وهو مدركه لا محالة وهو واقع بلا جدال، وهو علمُ إحاطة وكشف من الخالق لمخلوقه الذي خلقه وهو العالم بما يكون منه وما لا يكون، لكن البر الرحيم بعد أن يستثني هذا اللمم من بين الذنوب الكبائر الفواحش يطيِّب قلب عبده بقوله تعالى بعدها: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾، فسبحانه مِن حنَّان منَّان رحيم رحمن.
وحتى لا يغتر بحلمه وفضله وعطفه العبد، يقول تعالى في سورة عبس: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ﴾ [عبس: 17 - 23]؛ أي: لُعِنَ الإنسان الكافر وعُذِّب، ما أشدَّ كفره بربه، ألم ير مِن أيِّ شيء خلقه الله أول مرة؟ خلقه الله من ماء قليل - وهو المَنِيُّ - فقدَّره أطوارًا، ثم بيَّن له طريق الخير والشر، ثم أماته فحدَّد له مكانًا يُقبر فيه، ثم إذا شاء سبحانه أحياه، وبعثه بعد موته للحساب والجزاء، فليس الأمر كما يقول الكافر ويفعل، فلم يُؤَدِّ ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته، فالحديث يحذِّر من التساهل في صغائر الذنوب لأنها مقدمة للكبائر، ولا بد من حصر اللمم في نطاق كونه لَممًا، فهو حادث ومتوقع ومقدور ومكتوب، فلا يداوم الإنسان عليه ولا يستدعيه، فليغض الطرف، وليمسك عليه لسانه، وليستغفر الله، فهذا يُبعد عن نفسه التمني ويُبعدها عن الاشتهاء.