02-01-2015, 03:13 PM
|
|
|
|
حدث الهجرة النبوية .. دلالات خالدة
مقدمة:
ليست السيرة النبوية حكاياتتروى، أو وقائع تحكى بغاية التسلية، وتجزئة الوقت، أو التغني بأمجاد تليدة سالفة،وإنما السيرة النبوية تجسيد عملي لسير وحركة الفرد المؤمن في الواقع المدعمةوالموجهة بالوحي المسددة بتعاليمه.من هنا ضرورة التناول التنزيلي الذي يقرأ وراءالأحداث عبرة وعظة. ويرى وراء الوقائع عناية الوحي الإلهي ومراقبته، وبهذا المعنىتأخذ السيرة النبوية مكانتها المعتبرة المناسبة في مسيرة الدعوة إلي الله لما تكونمصدرا للتأسي والاقتداء والاتباع باعتبارها المنهاج النبوي المجسد لقيم الإسلام فينماذج عينية واضحة هي النتيجة المثلى للتربية النبوية الحانية الرحيمة.
بهذاالفهم العميق نقف عند حدث الهجرة النبوية، نستنبط منه بعض الدلالات الخالدةوالمعاني المتجددة التي تصلنا بالمنبع الثري والأصل الأصيل, منبع التلمذة لسيدالبشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشرف وكرم وعظم.
الهجرة النبوية: محطةالذكرى:
الهجرة النبوية محطة تاريخية جليلة مثلت منعطفا تاريخيا عظيما فيتاريخ الدعوة الإسلامية. إذ بها وجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم البيئةالإيمانية والنصرة الربانية اللتين بهما انتقل الإسلام من عهد الدعوة إلى عهد وضعاللبنات الأولى لعهد الدولة لما وجد الرسول الكريم وصحبه المهاجرون المحضن المستقبلوالرجال الأنصار، فتحقق الأمن النفسي والاقتصادي شرط إمكان العبودية قال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع * وآمنهم من خوف} [ قريش 5.4.3 ] .
وإن خلود معاني القران يجعل من مفهوم الهجرة مفهومامتجددا ممتدا عبر التاريخ شاملا لدلالات خالدة متعددة، وعليه فليست الهجرة النبويةمجرد حركة تاريخية، وواقعة زمانية مظروفة بشروط معينة انتهت وانقضت ومضت، وإنما هيحركة إيمانية دائمة شاملة لمعاني التحول النفسي والاجتماعي الذين يجب أن يلحقاالفرد المؤمن في سلوكه إلي ربه في المعاش والمعاد.
من هذه الدلالات الخالدة المتجددة :
هجر الغفلة :
الغفلة بعد عن الله عزوجل.وانقياد لمتاهات اللذات ومهاوي الشهوات، وأول هجر للغفلة يكون بـ :
• هجرالنفس والقطع معها، والانفلات من زمامها، والابتعاد عن سطوتها، والتخلص منرعوناتها، وفي هذا المعنى يحضر هجر الذنوب والمعاصي والآثام بالتوبة والإنابةوالإقلاع والرجوع إلى باب التواب الرحيم. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلموأبو داود: ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطعالتوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)إنها فعل دائم مستمر في حق الفرد. يغفلفينسى فيزل، فتدركه العناية الربانية فيتذكر ويذكر، فيندم ويهجر ويهاجر ما اقترفتيداه وكسبت نفسه.
• الهجرة إلى مقامات الدين العليا بأن يسعى الفرد المسلم إلىالحصول على مجموع طيب حسن من خصال شعب الإيمان ليتطلع إلى الإيمان ويتشوف إلىالإحسان ليعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فالله يراه رقيب حسيب عليه. ولنيحصل هذا بغير التزود من أعمال الخير وأنواع البر التي تزيد في الطاعات. والهجرةحقا هجرة ما حرم الله وحرم رسول الله.
• هجر العادات الجارفة القاتلة التي تكبلالمرء فيقعد رهين ما اعتادته نفسه الأمارة يستجيب لها يطيعها، يسلس لها القياد فإذاهو كتلة مهملة منسية، مفعول بها منتظرة، قاعدة خاملة مائلة .. بينما هجر هذهالعادات تحرر يكسب المرء إرادة فاعلة وهمة عالية ترقيان به إلى تملك مصيره بنفسهوصناعته لتاريخه. بإذن من الله وبتوفيق منه، هو المالك الخالق القادر.
إن هذاالمعنى الإيماني التربوي للهجرة لا يتحقق إلا بصحبة دالة على الله عز وجل، تأخذ بيدالمؤمن قائدة ناصحة موجهة مربية، لنتذكر في هذا المقام كيف حرص أبو بكر الصديق رضيالله على صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وكيف فرح. وكيف أعد واستعد،وكيف حمى رسول الله في الغار آن تلدغه هوام الصحراء، ولنتذكر ثبات المصحوب الأعظمسيدنا رسول الله (لانحزن إن الله معنا) ويقينه في نصرالله وتأييده ومعيته (ما بالك باثنين الله ثالثهما؟) نتذكر هذا لنعرف صدق الصاحب وحظ المصحوب من الله، .فنعرف آن الهجرة استعداد ذاتيصادق خالص مخلص صالح للتربية على يد مصحوب قريب من الله متبع لسنة رسول الله .
إن الهجرة بهذا المعنى حركة فردية إرادية للإقلاع، ورغبة صادقة للتحولوالتغير، و { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم } .
هجر الفتنة:
هجر ماضي الفتنة إلىحاضر الاستقامة والالتزام بالجهاد ونصرة دعوة الله عز وجل، وفي هذا المعنى يدخل :
• هجر الظلم الأكبر،ظلم الشركوظلماته، بدعوة الناس إلى التخلص من عبادة الأوثان الصنمية والبشرية، وتحرير رقابهممن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ولا يكون ذلك إلا بإقامة العبودية الحقةوالعبادة الصادقة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإماممسلم عن معقل بن يسار : ( العبادة في الهرج كهجرة إليّ ) قال الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين:مفسرا ومعلقا على هذا الحديث : " الهرجالقتل بغير حق.والفتنة أشد من القتل .فمعنى الحديث الشريف أن الصادق عندما يكذبالناس . والمستميت على دينه عندما يفتن المؤمنون ويقتلون هو في درجةالمهاجرين"
[ المنهاج النبوي فصل الصدق تنظيما.ص.178 ] .الشرط الصدق والاستماتة،والزمن فتنة وقتل، لكن الجائزة درجة عظيما هي درجة المهاجرين .
• هجر القعود إلىالجهاد أمرا بمعروف، ونهيا عن منكر، وسعيا حثيثا دائبا لتحكيم شرع الله في مختلفمناحي حياة الإنسان إعدادا واستعدادا لغد الخلافة الموعودة.ويدخل في هذا المجالمحاربة اليأس والهزيمة النفسية، وتبشير الناس بموعود رسول الله . وهو أمر لن يتأتىإلا بوجود محضن إيماني جماعي منظم حامل لمشروع مجتمعي متكامل، ينتظم في سلكه الفردالمؤمن. نستحضر هنا كيف بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع الجديد فيالمدينة المنورة اعتمادا على أسس الإخاء والبذل والتعاون .
نفهم مما تقدم أنللهجرة معنيين متكاملين متداخلين :
• معنى فردي ذاتي تربوي، يجعل للهجرة دلالةالنقلة النفسية لا النقلة المكانة، ويمنحها مفهوم الحركة الذاتية في قلب المؤمن لاعملية انتقال جسمي، ودعنا من الفهوم السطحية النصية التي لا ترى في الهجرة إلاعملية انتقال مكاني، وتسقط حينئذ في قراءة لا تفهم حركة الزمن وتغيره حين تدعو مثلاإلى أن تكون فترة الدعوة ثلاثة عشر سنة وبعدها تأتى فترة الدولة بمغادرة المكان،هذا فهم يحول دون إدراك واع للموقع المناسب للاقتداء من خلال تمثل جيد لقيم القرآنومسيرة السيرة باستحضار الظرفية التاريخية وشروط الإمكان المؤطرة.
• معنى جماعييتنقل به المؤمن من العمل الفردي إلى العمل الجماعي الراشد المنتظم، لما يسلك فيسلك الدعوة إلى الله وفق منهاج واضح الغاية، محدد الوسيلة، مرتب الأولويات، يقويرابطة المودة والأخوة بغيره من المؤمنين تضيع معها أناه المستعلية وذاته المتكبرةالمعجبة بفعلها، فيتواضع لدعوة خلق الله وتغيير ما بهم بعد أن غير في حضن الجماعةالمؤمنة المجاهدة ما بنفسه.
قال الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين ملخصا هذينالمعنيين : "والهجرة المطلوبة في حق الفرد المؤمن والجماعة المجاهدة في عصرنا هجرةمعنوية. أول خطوة فيها هجرة ما حرم الله.ثم فطع ما يربطنا بالماضي قبلالتوبة.وبالتعالي على حاضر الفتنة.وترقب نصر الله بالتخطيط للمستقبل والاستعدادله". [ المنهاج النبوي. الخصلة الثالثة الصدق ص170 ] .
ولنتأمل مغزى عبارة أولخطوة لنفهم آن الأمر عزم وإرادة ومغالبة واقتحام، ثم هو توبة وتعالي وتخطيط. ومع كلهذا توكل على الله وسداد منه سبحانه وتعالى.
خاتمة:
لقد فتح لنا الله جل وعلا - نحن أخوة رسول الله إن شاء الله - الباب على مصراعيه لما قال جل شأنه: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضيالله عنهم ورضوا عنه } [ التوبة : 100 ] لنلج التاريخ وندخل الباب ونصطف فيمصاف الذين استجابوا لدعوة الله، والذين آووا ونصروا رسول الله ودين الله، لما نكونممن اهتدوا واقتدوا، وسمعوا واستجابوا وأنابوا واتبعوا بإحسان.
وإن قيمةالاقتداء حقا ومكانة الاتباع صدقا تحصل لما نريد وجه الله الكريم، ونعمل ليومالرجوع إليه ونذكره الذكر الكثير{ لقد كان لكم في رسول اللهأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } [ الأحزاب : 21 ] .
p]e hgi[vm hgkf,dm >> ]ghghj ohg]m hgkf,dm plhlhj ]hldm
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 09:43 PM
|