إن كنت من عشاق المتاهات والأنفاق السرية، أو من محبي التاريخ والأساطير، نصحبك اليوم في رحلة إلى جبل طارق، تلك المدينة ذات الحجم الصغير؛ حيث لا تتجاوز مساحتها 6.8 كيلومتر مربع. وعلى الرغم من ذلك فهي ممتلئة بالسياح على مدار العام؛ بسبب موقعها وطقسها الممتع وقصصها والأساطير التي تدور حول كهوفها ومغاراتها.
جبل طارق، من أصغر بلدان أوروبا، وتقع في أقصى جنوب «شبه جزيرة إيبيريا» على منطقة صخرية متوغلة في مياه البحر الأبيض المتوسط؛ لذا سميت «مفتاح البحر الأبيض المتوسط».
يطلق عليها محلياً «جبرلتار»، تمتد على مساحة 6.8 كيلومتر مربعاً وارتفاع 426 متراً فوق سطح البحر. ولا يمكن للسائح العربي -على وجه الخصوص- أن يخطو على جبل طارق من دون أن يتذكر كلمات القائد طارق بن زياد المشجعة لجنوده (البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فأين المفر)، تلك الكلمات تصف المنطقة بشكل دقيق، فمضيق جبل طارق عبارة عن ممر ضيق يربط المحيط الأطلسي بالبحر المتوسط، ويفصل أوروبا من جهة إسبانيا عن أفريقيا من المغرب.
لك أن تتخيل أنواع الأمواج النادرة المتدفقة في المضيق والناتجة من تفاعل قوى المد والجزر والرياح وتبخر المياه الإقليمية والدولية.
منطقةٌ تاريخيّةٌ مهمّةٌ
تمتلك جبل طارق على الرغم من صغر حجمها مقومات سياحية رائعة من السواحل والشواطئ والجبال والأجواء الممتعة، فهي تتمتع بمناخ معتدل؛ إذ يبلغ متوسط درجات الحرارة في يناير نحو 13 درجة مئوية إلى 29 درجة مئوية في شهر يوليو.
تجذب جبل طارق الزوار الفضوليين الذين يحبون استكشاف المناطق الغريبة، فالمكان مليء بالأنفاق السرية والمتاهات التي تمتد لمساحات طويلة، والكهوف مثل كهف «سانت مايكل»، ومجموعة كهوف «جورهام» التي أُدْرِجت ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي لمنظمة اليونسكو؛ حيث كان يعيش في هذه الكهوف آخر إنسان بدائي في أوروبا.
كما يمكنك أن تزور صخرة «مؤنس كالبي» لتتعرف إلى واحدة من أعمدة هرقل، التي تجذب السياح البريطانيين على وجه الخصوص والمقيمين داخل إسبانيا، لتستمتع بتلك الصخرة التي تعد فريدة من نوعها كونها تشغل معظم مساحة المنطقة، وهي مكونة من كتلة ضخمة من الحجر الجيري، وترتفع 426 متراً فوق سطح البحر، ويساهم المناخ المعتدل الذي تتميز به المنطقة في استمتاع زوارها بالشواطئ الخلابة على البحر المتوسط، مثل «إيسترن بيتش»، و«كاتالان»، و«ساندي باي».
برامجُ سياحيّةٌ مميزةٌ
يمكنك أيضاً أن تلتحق بأحد البرامج السياحية في جبل طارق التي تحتوي على الغوص لمشاهدة حطام السفن الغارقة، والإبحار بالمراكب الشراعية، والذهاب في رحلة بحرية لمدة يوم ومشاهدة الدلافين، وزيارة محمية «آبر روك» التي يعيش فيها نحو 300 من القرود البربرية، وهي القرود الوحيدة التي تعيش بحرية في محمية طبيعية في أوروبا، التي عادة ما تقوم بسرقة النظارات والمحافظ والأطعمة من السياح!
مغارة هرقل
تجذب مغارة هرقل التي تقع بالقرب من مضيق جبل طارق محبي التاريخ والقصص والأساطير، فلديهم فضول كبير لمعرفة تاريخ تلك المغارة، وسبر أغوارها، وفك لغز الغموض المنسوج حولها على مر العصور. فعند دخول المغارة لأول مرة ستشعر بالغموض والتشويق، فسراديبها الطويلة تمتد لثلاثين كيلومتراً في باطن الأرض داخل مرتفع صخري تتكسر عند مداخله أمواج البحر يومياً عند كل مد. تقول إحدى الأساطير إن أفريقيا كانت متصلة بأوروبا وتفصل المنطقة المتوسطة البحر المتوسط عن المحيط الأطلسي، وفي لحظة غضب ضرب البطل الإغريقي الشهير هرقل الجبل خلال صراعه مع الوحش فانشق لتختلط مياه المتوسط الزرقاء بمياه الأطلسي الخضراء، وتنفصل المنطقة التي تقع فيها نهاية أفريقيا عن بداية أوروبا!
مركز تسّوق
لمحبي التسوق، تشكل منطقة جبل طارق مركزاً للتسوق، وشراء البضائع المختلفة، فيمكنكم التسوق من دون إضافة ضرائب على بضائعكم، وكذلك الاستمتاع بشراء الهدايا من المجوهرات والساعات الثمينة ومنتجات الحرف اليدوية والمشروبات بأسعار جيدة.
أبرز الأماكن السياحية
«يوريا بوينت»
يوجد في يوريا بوينت الواقعة في أقصى نقطة جنوبي شبه جزيرة جبل طارق، منارة «ترينيتي» التاريخية التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وكنيسة «نويسترا سينورا دي يوروبا القديمة» (ضريح سيدة أوروبا). ولمحبي الرياضة يوجد هناك ملعب «الكريكيت» الوحيد في الجزيرة.
محمية جبل طارق الطبيعية
لا شي أروع من مشاهدة أنواع مختلفة من الطيور في محمية جبل طارق الطبيعية، التي تعدّ مكاناً مناسباً لمشاهدة ملايين الطيور التي تتوقف أثناء هجرتها بين أفريقيا وأوروبا.
«تلفريك» جبل طارق
أفضل ما في جبل طارق هو ركوب «التلفريك» الذي شُيّد عام 1966، ويستوعب 30 شخصاً في وقت واحد، ويصل ارتفاعه إلى 673 متراً يصل إلى قمة صخرة جبل طارق.
صخرة جبل طارق
تعد صخرة جبل طارق أعلى نقطة في جبل طارق بارتفاع 425 متراً، وتوفر للسياح فرصة الاستمتاع بمقهى مميز مع إطلالات رائعة على البحر الأبيض المتوسط، ويمكن الوصول إليها عبر ركوب التلفريك.
كهف القديس مايكل
لن تكتمل أي زيارة إلى جبل طارق من دون زيارة كهف «سانت مايكل» المذهل، وهو أكبر كهوف الجزيرة التي يزيد عددها على 150 كهفاً، ويقع على ارتفاع 274 متراً على الأقل فوق مستوى سطح البحر. ويحتوي الكهف على العديد من الأساطير المرتبطة به.
ويمكنك الاستمتاع بحفل موسيقي في كهف الكاتدرائية الرائع، وهو عبارة عن قاعة حفلات موسيقية تحت الأرض تتسع لـ 400 شخصاً لعروض الموسيقى والباليه والدراما.
«سكاي ووك» وجسر «ويندسور» المعلق
يعد «سكاي ووك» أحد المعالم الجذابة؛ حيث يبلغ ارتفاع الجسر حوالي 340 متراً فوق البحر الأبيض المتوسط؛ ما يبث فيك روح الشجاعة عند المشي عليه، كما يمكنك الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة لمضيق جبل طارق.
منطقة جبل طارق عبر التاريخ
جسر «ويندسور » المعلق
تُعد منطقة جبل طارق من المناطق القديمة التي سكنت منذ الأزل، ويعدّ الفينيقيون أول شعب سكن المنطقة، وأسس الرومان مستوطنة فيها بعد الفينيقيين، وبقيت هذه المستوطنة إلى أن سقطت الإمبراطورية الرومانية، وانضمت إلى المملكة الإسبانية إلى أن تم الفتح الإسلامي لها.
قام المسلمون في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بالعبور من المغرب بقيادة القائد الأموي طارق بن زياد، وذلك في 30 نيسان 711م، وطيلة 4 قرون لم يطرأ أي تعديل عمراني على جبل طارق. ولكن اعتباراً من 1150م، وفي عهد السلطان عبد المؤمن، أحد سلاطين الدولة الموحدية، تم إنشاء مدينة وجرى تحصينها، وما تزال آثار المدينة والسور واضحين في القصر المغاربي الموجود فيها. لاحقاً، جرى ضم جبل طارق إلى مملكة غرناطة حتى عام 1309م حين قامت القوات الإسبانية بغزو المدينة، هذا الغزو الذي استمر حتى 1333م، ليعاد السيطرة عليها عن طريق قبيلة بني مرين الذين أعادوها بدورهم في 1374م إلى مملكة غرناطة التي احتفظت بالمدينة حتى سقوطها نهائياً بيد الإسبان في عام 1492م، لينهي بذلك 750 عاماً من الحكم الإسلامي للمدينة.
تعتمد جبل طارق في تنمية اقتصادها على النشاط السياحي، والقاعدة البحرية البريطانية الملكية، والخدمات المالية والملاحة البحرية.
تشكل المنطقة مركزاً للتسوق وشراء البضائع المختلفة من دون إضافة ضرائب عليها، لذلك كبر اقتصادها ودخلها القومي بشكل كبير جداً.
وتتميز المناطق البحرية حول جبل طارق بثروة سمكية ضخمة، وتشتهر الشواطئ بالدلافين التي تظهر في خليج جبل طارق، وهناك 500 من فصائل النباتات المزهرة.
تعدّ المنطقة من أكثر المناطق في العالم من حيث الكثافة السكانية؛ حيث يبلغ عدد سكانها 28 ألف نسمة، ويعيش فيها العديد من الأشخاص ذوي أصول بريطانية، وإسبانية؛ بعضهم أندلسيون، ومن جنسية إيطالية، وخاصةً من جنوة، وبرتغالية، ومالطية، والقليل من المغاربة، والفرنسيين، والنمساويين، والصينيين، واليابانيين، والبولنديين، والدنماركيين.