كانَ أحمد بن طولون
يخرجُ مُتخفِّياً أحياناً ويسمعُ قراءةَ الأئمةِ في المحاريب، فدعا بعضَ عماله يوماً
وقالَ له: امضِ إلى المسجدِ الفُلاني، وأعطِ إمامه هذه الدنانير.
قالَ العاملُ: فمضيْتُ، وجلسْتُ مع الإمام، وباسطْتُهُ في الحديثِ حتى شكا أنَّ زوجته ضربَهَا الطلقُ ولم يكُنْ معه ما يُنفقُ على أمورِ ولادتِها،
وأنَّه صلَّى فأخطأَ كثيراً في القراءة.
فأعطيْتُهُ المال وعُدْتُ.
ولمَّا أخبَرْتُ ابن طولون بالأمر، سألتُهُ:
يا أيُّها الأمير، من أين علمْتَ بأمره؟
فقال: ما كانَ يُخطِئُ من قبل في القراءة، فلمَّا أخطأَ هذه المرَّة عَلِمْتُ شُغل قلبه بشيءٍ من الدُنيا، فأردتُ أن أكفيه!
قاسيةٌ هذه الدُنيا ومريرة، متقلِّبةٌ لا تلبثُ على حالٍ، تجعلُ الحليمَ أحياناً حيراناً، فترفَّقوا!
عندما سألتْ عائشةُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن أشد وأوجع يومٍ مرَّ به، كانتْ تعتقدُ أنه سيُحدِّثُها عن يومِ أُحُد، حيثُ فقدَ عمهُ وثلةً من أصحابه،
وشُجَّ رأسُه، وكُسِرتْ مُقدمة أسنانه، ولكنَّه حدَّثَها عن يومِ الطائف،
يوم رُجِمَ بالحجارة، فمشى هائماً على وجهه -بأبي هو وأُمي- لا يدري أين يسير،
ولم يستَفِقْ إلا وهُوَ في قرنِ الثَّعالب!
قاسٍ هو الخذلان،
إنه يجرحُ الأنبياءَ عميقاً، فكيفَ بالناس!
رُبما مرَّ بكَ مهموم وصاحب دين، ولم يُسَلِّمْ عليكَ،
لأنه بالأساسِ لم يَرَكْ، لقد أعماه همّه، فترفقوا!
وربما قصدْتَ إنساناً في حاجة، فوجدْتَهُ على غيرِ ما تجده عادةً،
فالتمسْ له العُذر، فلعلَّ َما نزلَ به أشد ممَّا نزلَ بكَ،
يحدثُ أن تشغلَنا جروحنا عن مُواساةِ الناس!
العبرة
كونوا نُبلاء لمَّاحين،
اقرؤوا الحاجات في وجوهِ أصحابِها
واقضوها لهم،
وتنبَّهوا للحُزنِ في الصوتِ فاربِتوا على كتفِ صاحبه،
بعض الناس يعزُّ عليهم أن يقصدوا الناس في حوائجهم، فاكفوهم مؤونةَ السؤالِ بحُسنِ العطاء