لا يمكنك أن تخطو في نفس النهر مرتين».. مقولة قصيرة للفيلسوف هيراقليتوس، عاش قبل أرسطو وضاعت معظم فلسفته، وما بقي منها إلا القليل ومنها المقولة بالأعلى، ويقصد بها أن الكون في تغيّر مستمر، وإذا خطوت فيه مرة أخرى فلن يكون نفس النهر في نفس المكان، وفسّرها آخرون أن التركيز فيها هو على الضمير في "يمكنك" أي أنت، فأنت عندما تخطو فيه ثانية فلست أنت، لقد تغيّرت وتحولت إلى شخص آخر، تتغير هوية الفرد على مر الزمن.
الفيلسوف عادة لا يمكن استنباط كل فلسفته من مقولة صغيرة، لكن كما بالأعلى فهناك مقولات صغيرة نستشف منها على الأقل معانيَ كبيرة، سقراط له مقولة شهيرة وهي: «حياة بلا تفكّر لا تستحق العيش"، ليس فقط التفكير العادي، بل التفكر والاستقصاء وتفحّص معنى الحياة، لكي نكون بشراً حقاً علينا استخدام ما وُهِبناه من عقل ونفكر في ما هو أبعد من حياتنا اللحظية واليومية، وترى هذا في تراجم العظماء مثل مالكوم إكس وغاندي، فهم يسبرون مغزى الحياة وموقعهم من الكون.
من أشهر العبارات «أنا أفكر إذاً أنا موجود»،
قالها ديكارت بعد صراع مرير مع العدمية، يشكك ليس فقط في قيمة الحياة بل حتى في وجودها، ماذا يثبت أنها حقيقة؟ ما الذي يمنع أن الشخص يعيش في أوهام؟ لكن بعد فترة انتبه ديكارت أن مجرد تفكيره في هذه الأمور يثبت وجوده، التشكيك والشبهات ليست بالضرورة مرغوبة في ذاتها، لكنها على الأقل تثبت وجود شيء واحد قطعا وهو المُفكر، وساهمت في حفظ عقله من السقوط من حافة العدمية المظلمة، لأنه وصل لمرحلة متقدمة من الشك.
يعلق المفكر ميلان كونديرا على أزمة ديكارت قائلاً:
«من يعتقد أن وجوده لا يثبته إلا تفكيره المتشكك فهو شخص لم يمر بألم الأسنان من قبل!»