نعمة النسيان

نعمة

نعمة النسيان

ما كان الخطأ والنسيان من صفات بني آدم، رفع الله عن الأمة المؤاخذة بهما، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». ونظراً لما يمر به الإنسان من ضغوط، فإن سلاحه دائماً هو النسيان بإيجابياته وسلبياته وهو خارج عن إرادته وهو مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية في حالة إصابته بالمصائب والأوجاع والشدائد والابتلاءات. والإنسان لو لم ينس هذه المصائب لكانت الحياة مظلمة بكل أبعادها وتفاصيلها وسيجد صعوبة بالغة بسبب عدم نسيانها وقال الله عز وجل رحمة بنا: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، «البقرة: الآية 286». مصطلح النسيان وقد ورد ذكر مصطلح النسيان في القرآن في خمس وأربعين آية وخلال تلك الآيات والصيغ يوضح المولى كثيراً من الأمور المتعلقة بمصطلح النسيان من حيث الأسباب التي توقع العبد فيه، والآثار التي تترتب عليه، والطرق التي تفيد في علاجه. والله القائل عن نفسه في محكم التنزيل: (وما كان ربك نسيا)، «مريم: الآية 64»، والقائل للنبي على جهة الإرشاد والتعليم: (واذكر ربك إذا نسيت)، «الكهف: الآية 24»، والقائل لعباده المؤمنين: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)، «الحشر: الآية 19». غفلة والنسيان في الاصطلاح عبارة عن الغفلة عن الشيء مع انمحاء صورته أو معناه عن الخيال، أو الذكر بالكلية، وهو عدم تذكر المعلومات والمهارات والخبرات التي مر بها الفرد وظاهرة طبيعية تحدث لجميع البشر وهو أيضا فقد التذكر أو عدم إمكانية استرجاع المعلومة عند الحاجة إليها. والنسيان صفة أودعها الله في النفس البشرية وقد سمي الإنسان إنساناً لكثرة نسيانه والبعض يسميها «نعمة»، وهي بالفعل نعمة من عند الله يستطيع الإنسان أن يتعدى بها همومه وأحزانه وينسى تلك الجراح التي أحدثتها نوائب الدنيا ومنغصاتها ولا خلاف على أن النسيان نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى على الإنسان. يقول الحكماء لله على الناس نعمتان لا تطيب من دونهما الحياة ولا يهنأ بغيرهما عيش، النسيان والأمل فبالنسيان تندمل الجفون القريحة والحكمة منه كبيرة فهو يخفف الهموم والذكريات المحزنة وراحة للأفكار ويخفف الضغوط الفكرية. عيوب وزلات وهو صفة جميلة بسبب نسيان الأحقاد والأحزان والهموم وأن كل مصيبة عدا الدين تهون وأن لا فرح يدوم ولا سرور، ونسيان السقطات والانتكاسات، وكذلك نسيان الجميل والفضل على الناس وعيوب وزلات الأصدقاء. تمر الأيام والشهور والسنون محملة بالأحداث السعيدة أو التعيسة ومهما كانت، فالحياة تستمر وكل منا يتعرض للبلاء وتتكاثر الهموم ونصل إلى قمة الحزن ويسيطر علينا شعور بأن مصابنا لا يخطر على بال ولا يمر به أحد غيرنا ويذهب الحزن بعد فترة وتأتي فترات سعادة وقتها يعد حزن الماضي ذكرى كان بلاء أو ابتلاء، ولكن الشعور قد تجمد فتلك نعمة من الله هي نعمة النسيان لولاها لبقينا في زمرة الأحزان وغرقنا في بحر الهموم ولولا نعمة النسيان لظل البال مرهقا والفكر في عناء. فقد رزقنا الله نعمة النسيان لننسى آلامنا وجروحنا والعقبات والذكريات المؤلمة في حياتنا ونواصل مسيرتنا ولنا أن نتخيل حالنا من دون هذه النعمة وحزننا عند وقع الشدائد والمصائب في لحظتها هو نفسه شدة الآلام بمرور الأيام والسنين. الأحداث الأليمة كل المآسي أثناء الطفولة من مضايقات أو ذكريات حزينة كفقدان أخ أو أم أو أب أو أخت أو صديق أو تعرضت للضرب والتعذيب أو السجن أو أي شيء آخر في أي مرحلة عمرية فلكل هذه الصفات والأحداث ألم مرير يعيشه الإنسان ويؤثر على حياته بشكل سلبي حينها فلولا أن ميزة النسيان موجودة في البشر ما استطاعوا التكيف والعيش والتغلب على كل الأحداث الأليمة فجعل الله النسيان أداة تصفية وتنقية لكل ما يواجهه الفرد في حياته وتعمل هذه الميزة بطريقة فريدة ومعجزة وملائمة لكي تكون نعمة على صاحبها لا نقمة فهي تعزل عنصر الزمان وعامل المكان لحادثة مؤلمة مر بها شخص ما عن إلهامه الحاضر وذاكرته الآنية إلى مكان بعيد داخل عقله الباطن. الحوادث السابقة وتتحول الأحداث إلى ذكريات وربما إلى نقاط إيجابية عن طريق استخراج المواعظ والعبر والدروس المستفادة من الحوادث السابقة وجعلها حوافز ودوافع نافعة لعيش مستقبل أفضل، بل إن ميزة النسيان تكون دافعاً بعد أن تحول السلبيات إلى إيجابيات وإلى فعل المعجزات وتسطير الأعمال الخالدة فكم شخص تعرض لحادثة مؤلمة عاد بعدها مبدعاً في مجال من مجالات الحياة وفي الغالب يكون نوع هذا الإبداع مرتبطاً بتلك الحادثة التي تعرض لها فسبحان الله الذي جعل هذه الصفة في خلقه.. ومع ذلك كله فإن النسيان قد يتحول كثيراً إلى نقمة إذا نسي المرء ربه أو نسي الفرائض.. أو نسي أيادي الآخرين البيضاء عليه مما يجعله جاحداً منكراً للنعمة.








—-

المصدر: منتديات تراتيل شاعر - من قسم: نفحات آيمانية ▪●

---

kulm hgksdhk