النجاة من الفتن
النجاة من الفتن
لقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم وكان مبعثه وعهده حتى عصرنا هذا علامةً من علامات الساعة واقترابها؛ وقد قال عليه أفضل الصلاة والتسليم: ((بُعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بأصابعه وفرق بينهما))[1]، دلالة على قرب الساعة من مبعثه، وأنه يتخلل هذا العهد الفتن والمحن، وقد بدأت منذ مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وظهور الفرق وانقسام المسلمين، وهذه الفتن تتزايد وتتقوى في تأثيرها على المسلمين من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل؛ كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم: ((فتن يرقق بعضها بعضًا))؛ أي: كل فتنة تظهر تكون أقوى من التي سبقتها، حتى إن الفتنة تصل إلى الكفر والعياذ بالله؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا))[2]، مما يعتبر هذا الحديث تحذيرًا لنا كمسلمين في أخذ الاحتياط والاستعداد لمواجهة هذه الفتن؛ حفاظًا على ديننا وأنفسنا من الوقوع في المعاصي، والدخول في الفتن، وإن من أسباب الوقوع في الفتن التي ذكرها أهل العلم ويجب تجنُّبُها: كثرة الخوض والنقاش في المواضيع المطروحة في الساحة من خلال المجالس أو وسائل الإعلام المختلفة، وتقديم رأي الإنسان على حكم الشرع، والجهل بأحكام الدين، وللنجاة من ذلك هو بالتوجه إلى الله بالدعاء؛ كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن))[3]، وبإخلاص العبادة والتزود بها، واستشعار الأجر المترتب على هذا الفعل في هذا الزمان؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ))[4]، ومعنى الهَرْجِ هنا هو: الفتنة واختلاط الناس والقتال، وأصل الهرج الكثرة في الشيء والاتساع[5]، فالمُشاهد الآن في هذا العصر هو السيل الجارف من الفتن والشبهات والمعاصي بأنواعها من مظاهر اللهو والمجون، وصولًا إلى تقاتل الناس بينهم، وعودة على الحديث السابق ذكره نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى الوسيلة في مقاومة الفتن بالعبادة، ورغَّب في ذلك بذكر الأجر المترتب عليها بأنه يُعادل الهجرة إليه؛ قال الإمام النووي في شرح الحديث: "قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ((العِبادَةُ فِي الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ)) ... المُرادُ بِالهَرْجِ هُنا الفِتْنَةُ واخْتِلاطُ أُمُورِ النَّاسِ وسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ العِبادَةِ فِيهِ أنَّ الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد، وكذلك أنَّ من أسباب النجاة من الفتن الدعاء بالسلامة منها والتمسك بسنة نبيه والتفقه في الدين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ))[6]، واتباع توجيهات العلماء الربانيين فيما يحدث من نوازل ومشكلات في العالم الإسلامي، أسأل الله العلي العظيم أن يسلِّم العالم الإسلامي من الفتن والشرور.
[1] صحيح مسلم (132).
[2] صحيح مسلم (119).
[3] صحيح مسلم (5112).
[4] صحيح مسلم (130).
hgk[hm lk hgtjk
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|