قلعة شنغل – تميزت القلاع التاريخية القديمة بكونها حصوناً للدفاع عن المدن ورعاياها وجنودها والتصدي لكل عدوانٍ، وتختزل حجارتها تاريخها القديم وملاحم الحروب التي خاضتها.
ولكن ماذا عن القلاع التي عملت بشكلٍ آخر؟ فلم تكن حصناً فقط؛ بل ملجأً لكل دخيل لإجارته مع مجالس مختلفة للقضاء والتأديب والإجارة والسكن ومسجدٍ وغيرها من الخدمات؟
حسناً هناك قلاعٌ كذلك بالفعل ومنها قلعة شنغل في مكة المكرمة، فما قصتها ومتى بنيت ومن قِبَل مَن؟! سنتعرف على كل ذلك فتابعوا معنا…
تاريخ بناء قلعة شنغل وسبب تسميتها
تعود قلعة شنغل لقبيلة بدارا البقوم، ويختلف البعض في ترجيح تاريخ بنائها ومؤسسها، فوفقاً لهيئة الآثار في السعودية؛ فإن عمر القلعة قد قارب الثلاثة قرون، ويذهب البعض للقول إن مؤسستها هي الأميرة غالية البدرية البقمية.
ولكن ليس هناك أي مصدرٍ حاسم في هذا الشأن التاريخي، فوفقاً للمؤرخ محمد بن غنام؛ فإن القلعة كانت مكتملة البناء ما بين عاميّ 1150 و 1199 بالتقويم الهجري.
وبذلك يتبين أن القلعة بُنيت في عهد والد الأميرة الشيخ عبد الرحمن بن سلطان البدري، وأما مؤسسها فهو الشيخ راجح بن منفور البدري، وذلك قبل نحو 230 و 250 عاماً.
وأما اسمها الغريب؛ فيعود لأسباب مختلفة أيضاً، فالبعض يذهب للقول إن ذلك الاسم مرتبط بعدم استواء القلعة على الأرض، حيث بُنيت على منحدرٍ مائل، فكلمة “شنقل” تعني مُيّل.
وهناك تفسيرٌ آخر يرتبط بمعنى “السقوط”، أي سقوط الأعداء حول جدرانها.
وربما جاءت التسمية مرتبطة بمفهوم “مفتوح”، ويعود ذلك لبابها المفتوح في وجه كل الدخلاء الذين يلجؤون إليها طلباً للأمان، ولذلك فباب القلعة مُشنقل!
موقع قلعة شنغل وطريقة بنائها
تقع القلعة في تربة، وبالتحديد في قرية اللُبط الواقعة شرقي وادي تربة في مكة المكرمة.
وترتفع القلعة عن سطح البحر بحوالي 1166 متراً، حيث بُنيت على منحدر سلسلة ضلع الصبر الصخري وهو أحد الحدود الشمالية الغربية لحرة البقوم، فكان لها موقعاً استراتيجياً مميزاً يطل على الوادي بأكمله مع ضواحيه.
هذا الموقع الإستراتيجي، مكّن حُماة القلعة من إرسال الإنذارات في حالات تعرضها للخطر، وذلك بما يضمن الدفاع عن الوادي بكل قوة.
تبلغ مساحة القلعة 3160 متراً مربعاً، وأما أسوارها؛ فيصل ارتفاعها إلى سبعةِ أمتار، وليس لها إلا بوابةٌ وحيدة من الجهة الشمالية.
وقد تميزت القلعة بوجود حصنٍ صغيرٍ تابعٍ لها مكون من طابقين ويسمى بـ”الربعة”، وكان له موقعٌ مميز في أعلى ضلع الصبر، خلف القلعة، حتى يتسنى لمن فيه القيام بدور المراقبة بشكلٍ ممتاز.
وفي حالات الخطر؛ كانت تُشعل النار في أعلى الحصن كإنذارٍ لقبائل البقوم.
تم بناء النصف السفلي للقلعة مع القواعد من الحَجَر، وأما النصف العلوي؛ فهو من اللبن وتكون السقف من أعواد الأثل وجذوع النخل والسعف.
ولكن؛ لم يبقَ من السقف الكثير، حيث تهدَّم بعد معركةٍ محلية، وما زالت القلعة بهذا الحال منذ ذلك الحين.
وأما القسم الداخلي من القلعة؛ فمكون من 30 غرفةٍ تتضمن غرفاً للسكن ومسجداً ومجلسَ قضاءٍ وسجناً، وكذلك هناك مخازن للسلاح ومؤونة مع مربطٍ صغيرٍ للخيل، وباحةٍ صغيرةٍ أيضاً.
خدمات القلعة في السابق ووضعها الحالي
كانت قلعة شنغل تُستخدم كحصنٍ للدفاع عن قبائل البدارا وكذلك عن وادي التربة، وقد قدمت خدماتٍ إنسانية جليلة وكثيرة للمستجيرين بها، حيث عُرفت بفتح أبوابها للدخلاء وإجارتهم، وكمجلسٍ للقضاء وفي نفس الوقت كان بها سجناً ومخازن للأسلحة والغذاء.
ويمكن رؤية القلعة اليوم في وادي تربة، كمزارٍ سياحي يحكي قصصاً مختلفة ويروي صمود قبيلة البدارا التي أنشأت هذه القلعة التاريخية وتركت آثاراً ما زالت باقيةً حتى يومنا هذا.