الحكمة من الابتلاء
الحكمة من الابتلاء
البلاء يشمل المسلم والكافر، ومعناه: المصائب والمحن والشدائد، فيقال عن البلاء بأنه الحزن والغم، والبلاء في الاصطلاح: هو امتحان الله تعالى لعباده، وقد يكون حسنًا أو سيئًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 168].
الله سبحانه وتعالى يختبر الإنسان بالابتلاء بالشدائد والنوازل، وقد ذكر سبحانه أوصاف المؤمنين أنهم صابرون شاكرون لله تعالى، يظهرون الجلد والصبر عند المصائب؛ حيث خص الله تعالى الصابرين بالأجر الكبير والمكانة العظيمة في الدنيا والآخرة.
وللابتلاء حكم عديدة، جاء ذكرها وفهمها من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة؛ ومنها:
1- تحقيق العبودية لله رب العالمين: قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].
2- الابتلاء إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض: قيل للإمام الشافعي رحمه الله: أيهما أفضل: الصبر أو المحنة أو التمكين؟ فقال: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتُحن صبر، وإذا صبر مُكِّن.
3- كفارة للذنوب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة))؛ [رواه الترمذي].
4- حصول الأجر ورفعة الدرجات: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المؤمن من شوكةٍ فما فوقها إلا رفعه الله بها درجةً، أو حط عنه بها خطيئةً))؛ [روى مسلم].
5- الابتلاء فرصة للتفكير في العيوب، عيوب النفس وأخطاء المرحلة الماضية... لأنه إن كان عقوبة، فأين الخطأ؟
6- البلاء درس من دروس التوحيد والإيمان والتوكل: لتعلم أنك عبد ضعيف، لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء.
7- الابتلاء يخرج العجب من النفوس ويجعلها أقرب إلى الله.
8- إظهار حقائق الناس ومعادنهم، فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلا في المحن: قال الفضيل بن عياض: "الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه".
9- الابتلاء يربي الرجال ويعدهم: نشأ النبي صلى الله عليه وسلم يتيمًا ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى ماتت أمه أيضًا؛ والله سبحانه وتعالى يذكر النبي صلى الله عليه وآله بهذا فيقول: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، فكأن الله تعالى أراد إعداد النبي صلى الله عليه وسلم على تحمل المسؤولية ومعاناة الشدائد من صغره.
10- عند الابتلاء يميز الفرد بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء المصلحة.
كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها إلا لأني
عرفت بها عدوي من صديقي
11- الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها: والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [السجدة: 21].
12- الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور: وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، أما هذه الدنيا، فنكد وتعب وهمٌّ: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].
13- الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية: فإن هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتهما، ولم تقدرهما حق قدرهما.
14- الشوق إلى الجنة: لن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذقت مرارة الدنيا، فكيف تشتاق للجنة وأنت هانئ في الدنيا؟
فهذه بعض الحكم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء وحكمة الله تعالى أعظم وأجلُّ.
أسأل الله أن يرزق كل مبتلًى الصبر والرضا، وأن يجعل بيوتنا عامرة بالطاعة والعمل الصالح وحسن الخلق، وأن يصلح لنا ولكم الذرية وصلى الله على سيدنا محمد.
hgp;lm lk hghfjghx
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|