يعد قصر العظم في دمشق Azem Palace شاهدًا على تاريخ دمشق منذ القرن الثامن عشر ورمزاً من رموز العمارة الدمشقية بالإضافة إلى كونه متحفًا للثقافة والتراث السوري، الأمر الذي جعله وجهة سياحية حيوية وأحد أهم معالم المدينة العريقة.
موقع ومساحة قصر العظم
قصر العظم هو أكبر وأقدم مسكن خاص في دمشق تم الحفاظ عليه بشكل كامل. تقدر مساحته بما يقرب من 5500 متر مربع. وهو مثال نموذجي للمنازل المعتمدة في بنائها على العمارة الدمشقية من حيث مظهره الخارجي البسيط وأثاثه الداخلي المذهل.
وقد تم اختيار موقعه بعناية فائقة للاستفادة من المكاسب الاقتصادية والتأثير السياسي لاثنين من الأسواق الرئيسية في المدينة: سوق مدحت باشا وسوق البرزوية. إذ يقع القصر في نقطة حيوية بين الجامع الأموي وشارع مدحت باشا، وهي نقطة كانت تمر من خلالها القوافل التجارية في هذه الفترة.
ويعتقد المؤرخون أن القصر قد بُني على أنقاض “القصر الذهبي” لحاكم دمشق المملوكي تينكيز. والذي دمره الغزو المغولي بقيادة تيمورلنك في العام 1401.
ويعتقد أيضاً أن القصر الذهبي نفسه قد بني فوق أنقاض “القصر الأخضر” للخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان 680. وبالعودة للوراء أكثر، يُعتقد أن القصر يقع فوق الآثار البيزنطية والرومانية والهلنستية والفارسية والآرامية القديمة.
بدأ بناء قصر العظم في عام 1749م من قبل حاكم دمشق العثماني أسعد العظم، الذي ينحدر من عائلة سورية حكمت دمشق على مدى جيلين. وقد بناه مستخدمًا أموال عائلته.
استغرق بناء مسكن أسعد باشا العظم عامين واحتاج لأكثر من 800 عامل لإنجازه. ويذكر مؤرخ القرن الثامن عشر البديري، ما ترتب على ذلك من ندرة في العمال ومواد البناء في ذلك الوقت، فضلًا عن انقطاع إمدادات المياه في المدينة نتيجة تحويلها إلى القصر.
زار الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني القصر، أثناء قيامه بجولة في دمشق عام 1898م.
من 1920م وحتى 1946م
ظل القصر مملوكًا لعائلة العظم حتى عام 1920م، بعدها تم بيعه للفرنسيين. حيث تم شراء الرحملك مقابل 4000 جنيه ذهب.
أثناء الاحتلال الفرنسي، أقام المندوب السامي الفرنسي بالقصر.
في العام 1925م، تعرض القصر لأضرار جسيمة جراء القصف المدفعي الفرنسي أثناء الثورة السورية، مما أدى إلى حرق وتدمير قسم كبير منه.
بعد انتهاء الثورة، شرعت الحكومة الفرنسية في إعادة بناء القصر. حيث بدأ المهندسان المعماريان لوسيان كافرو وميشيل إيكوشار أعمال الترميم على الفور.
بعد إعادة البناء، استخدمت الحكومة الفرنسية القصر كمقر للمعهد الفرنسي. وتم تكليف ميشيل إيكوشار بتصميم منزل جديد لمدير المعهد.
من 1946م وحتى الآن
بعد استقلال سوريا عام 1946م، تم حل المعهد الفرنسي وإخلاء المبنى وإعادته لعائلة العظم.
بعد ست سنوات وتحديداً في عام 1951م، اشترته الحكومة السورية مقابل 100 ألف ليرة، وتم تحويله لمتحف للفنون والتقاليد الشعبية.
تم تعيين شفيق إمام مديرًا للمتحف الذي افتتح عام 1954م.
قصر العظم هو المقر الوحيد المتبقي لحكام دمشق القدامى.
يقال أن ممثلي أسعد باشا جابوا دمشق والبصرى والشام بشكل عام بحثًا عن الروائع والتحف الفنية لتزيين القصر بها. ومن ذلك الأعمدة الرمانية التي جُلِبت من البصرى.
استُخدِمت في بناء هذا القصر عدة أنواع من الحجارة منها الحجر الجيري، الحجر الرملي، البازلت، الرخام.
والقصر مثال حي لإحدى سمات العمارة الدمشقية والمتمثلة في استخدام الأبلق (استخدام الحجر الجيري الأبيض والبازلت الأسود بالتناوب).
تم تزيين النوافذ بأعمال شبكية حجرية مزخرفة، واصطفت الأقواس والأعمدة على طول أفنية القصر.
وتتوسط الأفنية نوافير مركزية ذات تصاميم مبلطة بالرخام والحجارة.
أما الغرف الداخلية للقصر، فاستُخدِم فيها بلاط أصغر حجمًا، فبرزت التصاميم الهندسية المعقدة.
تم تغطية الأسقف المركزية بأعمال خشبية معقدة منحوتة ومزينة بتصميمات نباتية وهندسية.
وفقًا لسجلات المحاسبة التي تعود إلى العصر العثماني، فقد تم استخدام أكثر من 1000 شجرة لبناء القصر. كما تم استخدام خشب الحور لبناء السقف متعدد الطبقات.
استُخدم الجص والسنط لإنشاء أسقف زخرفية منقوشة تعرف باسم “العجمي”. حيث تتميز قاعة الاستقبال بسقف مزخرف شديد الفخامة، فضلًا عن الزخارف الرخامية الفخمة والنوافير، وذلك لكون هذا المكان مخصصًا لاستقبال ضيوف الوالي.
تضمنت الزخارف أيضًا استخدام الخط العربي في كتابة بعض الآيات القرآنية، النصوص الفلسفية، الأشعار، الحكم. بينما غابت الزخارف الهلالية لأنها لم تكن مستخدمة في ذلك الوقت.