'كنا في طفولتنا نصف المدرسة بأنها بيتنا الثاني، لكنها اليوم تحولت لبيتنا الأول، فنحن نقيم فيها منذ سنتين، لكننا للأسف نعيش أصعب أيامنا هنا، ونضطر لانتظار بعض المساعدات التي بالكاد تسد رمقنا'.
بهذه الكلمات تحدثت أم نجيب، وهي نازحة من مدينة داريا بريف دمشق الغربي، ومقيمة بمركز إيواء في جديدة عرطوز بعد أن فقدت زوجها بعد إصابته بقذيفة هاون، وباتت تعتمد اليوم هي وأولادها الأربعة على مساعدات ضئيلة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ومنذ تصاعد حدة المعارك في محيط العاصمة السورية دمشق اعتبارا من يوليو/تموز 2012 نزح مئات الآلاف من المناطق المشتعلة كالغوطة الشرقية ومخيم اليرموك وداريا والحجر الأسود إلى وسط العاصمة وبعض الأرياف الآمنة، وأقامت العائلات ذات الإمكانات المادية المتواضعة ضمن مراكز إيواء بدمشق وريفها.
وتشرف كل من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومحافظة دمشق على عشرات المراكز الموجودة في أحياء دمشقية كالزاهرة ومساكن برزة والمزة، إضافة لمشروع دمر وضاحية قدسيا والتل والدوير، وهي عبارة عن مدارس تم تخصيصها لاستقبال العائلات، ويضم كل منها حوالي 250 شخصا.
بيع المساعدات
ورغم تقديم العديد من المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية مساعدات كبيرة لهذه المراكز فإن النازحين المقيمين فيها يشكون أوضاعا معيشية صعبة للغاية، وعدم انتظام توزيع المواد الغذائية في الكثير من الأحيان، فيما يقول ناشطون إن السرقة والبيع هما مصير أغلب هذه المساعدات، على حد اتهامهم.
وبحسب الناشط أبو بكر الشامي، فإن الوزارة تشرف على هذه المراكز عن طريق لجان مختصة تقوم بتوزيع المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري الذي يشرف بدوره على الأمور الصحية بالتعاون مع الهيئة الطبية الدولية.
ويقول الناشط الدمشقي للجزيرة نت 'تتنوع أساليب سرقة المساعدات، فهناك لجان تابعة للمحافظة تحصي عدد العائلات المحتاجة وتتلاعب بها كيفما تشاء، في حين تتعرض السيارات المخصصة لتوزيع المساعدات -ما عدا سيارات الهلال الأحمر- لمصادرة كميات كبيرة من قبل الحواجز التابعة للنظام'.
ويضيف 'أما الجمعيات الخيرية التي تقوم بدعم المراكز فيتبع معظمها لأشخاص مرتبطين بالنظام بشكل غير مباشر، وأغلبهم من زوجات الضباط والمسؤولين، كالأمانة السورية للتنمية التي تشرف عليها سيدات المجتمع الراقي وتعمل تحت رعاية محافظة دمشق وبعض التجار'.
وتمنع محافظة دمشق وبالتنسيق مع مسؤولين أمنيين توزيع أي مواد ضمن المراكز دون موافقتها والتنسيق معها، وذلك لضمان الحصول على حصة مما يتم توزيعه، حيث تم رفض الكثير من العروض المقدمة من تجار ورجال أعمال امتنعوا عن التعاون معهم، خاصة خلال شهر رمضان الفائت، حيث يرغب الناس بمساعدة العائلات المحتاجة.
ويؤكد الشامي أن رفوف العديد من المحال التجارية في دمشق تمتلئ بالمساعدات المسروقة التي يمكن تمييزها بسهولة بسبب وجود شعار الأمم المتحدة والهلال الأحمر عليها، وتباع بشكل علني دون رادع، في حين تمتلئ شوارع العاصمة -خاصة الأماكن التابعة للشبيحة واللجان الشعبية- بالشوادر المخصصة للخيم والتي طبع عليها شعار المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
محاولات للعمل
ولا ينفي الشامي قيام بعض العائلات ببيع بعض مخصصاتها من المساعدات بسبب الفقر والحاجة لشراء مواد أخرى ضرورية، إلا أن قانون المراكز -الذي يمنع إخراج أي مواد- يفرض على العائلات بيع المساعدات لعناصر الأمن المتواجدين على الأبواب الرئيسية أو لأشخاص ذوي نفوذ داخل المكان.
ويحاول الكثير من النازحين الذين خسروا ممتلكاتهم وأعمالهم البحث عن فرص عمل، حيث تساعدهم بعض الجمعيات على تأمين هذه الفرص عن طريق تأهيلهم لها.
وتقوم تلك الجمعيات -بحسب الشامي- بتنفيذ دورات حرفية لتعليم الشباب بعض المهن كالحلاقة وصيانة الأدوات الكهربائية، وتعليم النساء بعض المهن اليدوية، مما يساعدهم على الحياة بكرامة وتجنب الإذلال في انتظار المساعدات.[/COLOR]