05-03-2022, 03:29 PM
|
|
|
|
|
المدرسة العادلية الكبرى في دمشق
تعد المدرسة العادلية الكبرى نموذجًا فريدًا لما كانت عليه المدارس في العهد الأيوبي، وما زالت شهرتها منذ بنائها إلى الآن. تقع في دمشق القديمة، بين بابي الفرج والفراديس، مقابل المكتبة الظاهرية. وتنسب للسلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، والد الملوك الأيوبيين وأخي صلاح الدين الأيوبي. وقد اتُخذت مقرًا للمتحف الوطني أيام الانتداب الفرنسي ثم أصبحت مقرًا للمجمع العلمي العربي، وهي اليوم تابعة لمجمع اللغة العربية.
الموقع الجغرافي للمدرسة العادلية الكبرى
تقع المدرسة العادلية الكبرى في دمشق القديمة، منطقة العمارة الجوانية (باب البريد بين بابي الفرج والفراديس)، مقابل المكتبة الظاهرية.
من هو الملك العادل الأيوبي؟
تنسب للملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب, والد الملوك الأيوبيين وجدهم, وأخي صلاح الدين الأصغر. شارك العادل أخاه في جميع غزواته, وكان اليد اليمنى له, وبعد وفاة صلاح الدين الأيوبي ببضع سنين, استطاع العادل أن يستولي على مملكة صلاح الدين كاملة ما عدا حلب, وعين أولاده ملوكًا عليها, وقاد معهم الكفاح ضد الصليبيين من مصر إلى طوروس.
وقد بقي بعد أخيه أكثر من ربع قرن يقارع الصليبيين, وقد شاء القدر أن تسقط دمياط بأيديهم سنة 615هـ، فتأثر العادل لذلك، ثم لم يلبث أن توفي ودفن في قلعة دمشق في العام المذكور, ثم نقل سنة 619هـ إلى تربته في العادلية الكبرى حيث لا يزال يرقد فيها إلى اليوم.
لمحة تاريخية عن المدرسة العادلية الكبرى
أول من باشر ببناء المدرسة نور الدين محمود الشهيد, وكان ذلك سنة 568هـ,حين كان يعدها للشيخ القطب النيسابوري الشافعي, حكى العماد الأصفهاني الكاتب في سنة 568هـ: "وفيها وصل الفقيه الإمام الكبير قطب الدين النيسابوري وهوفقيه عصره ونسيج وحده، فسر نور الدين به وأنزله بحلب ..، وشرع نور الدين في إنشاء مدرسة كبيرة للشافعية لفضله وأدركه الأجل دون إدراك عملها لأجله". قال أبو شامة في الروضتين: "قلت: هِيَ الْمدرسَة العادلية الْآن الَّتِي بناها بعده الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب أَخُو صَلَاح الدّين وفيهَا تربته، وَقد رَأَيْت أَنا مَا كَانَ بناه نور الدّين وَمن بعده مِنْهَا وَهُوَ مَوضِع الْمَسْجِد والمحراب الْآن. ثمَّ لما بناها الْملك الْعَادِل أَزَال تِلْكَ الْعِمَارَة وبناها هَذَا الْبناء المتقن الْمُحكم الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي بُنيان الْمدَارِس".
وقد بدأ ببناء المسجد والمحراب, ثم توقف العمل فيها بعد وفاته سنة 569هـ. وفي سنة 612هـ, أزال العادل ما بناه نور الدين, وبنى المدرسة على هيئتها اليوم, وتوفي قبل أن تكتمل, فأتمّها ولده المعظم سنة 619هـ. قال ابن شداد: "أول من أنشأها نور الدين محمود بن زنكي وتوفي ولم تتم فاستمرت كذلك، ثم بني بعضها الملك العادل سيف الدين ثم توفي ولم تتم أيضا، فتممها ولده الملك المعظم وأوقف عليها الأوقاف ..، ودفن فيها والده ونسبها إليه". وقال الأسدي في تاريخه في سنة 568هـ: وفيها شرع نور الدين في عمارة مدرسة الشافعية، وضع محرابها فمات ولم يتممها، وبقي أمرها على ذلك إلى أن أزال الملك العادل ذلك البناء وعمل مدرسة عظيمة فسميت العادلية".
افتتحت المدرسة العادلية رسميًا في احتفال كبير بحضور المعظم، وكبار العلماء والقضاة في أواخر سنة 619هـ. وفي عام 699هـ. قال عبد القادر بدران: "وَأول من درس بهَا القَاضِي جمال الدّين الْمصْرِيّ وَكَانَ درسا عَظِيما حضر عِنْده السُّلْطَان الْمُعظم فَجَلَسَ فِي الصَّدْر عَن شمال الْمدرس، وَجلسَ الْجلَال الحصري عَن يَمِينه، ثمَّ انتظم الْجمع من مثل ابْن الصّلاح والأمدي وَابْن سني الدولة وَكثير من الْعلمَاء والأمراء والكبراء حَتَّى امْتَلَأَ الإيوان بِالنَّاسِ. وَكَانَت هَذِه عَادَة الدُّرُوس الرسمية فِي تِلْكَ الْأَزْمَان. وَكَانَت المناقشات والمناظرات تَدور على أُصُولهَا ويشتد الْخلاف بَين الْفرق وَقد بقيت بَقِيَّة من تِلْكَ الْعَادة إِلَى زمننا هَذَا، وَلَكِن صَار التدريس اسْما بِلَا جسم وجهلا بِلَا علم، فَلَا مناقشات وَلَا مناظرات، بل غَايَة أَمر الْمدرس أَن يسْتَأْجر من يؤلف لَهُ الدَّرْس ثمَّ يسرده وَلَا يفهم معنى مَا يَقُول".
وعن تاريخها يقول عبد القادر بدران: " وَحكى ابْن كثير فِي تَارِيخه إِن العادلية خربَتْ سنة 704هـ، وَيظْهر من كَلَامه أَنَّهَا كَانَت قبلهَا معطلة، وَلم يكن أحد يحكم بهَا بعد وَاقعَة قازان حَيْثُ إنه خربها ثمَّ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور (704هـ) جددت عمارتها فَعَادَت لَهَا أَيَّامهَا، ثمَّ انحطت عقب وقائع تيمورلنك، فخلت من المدرسين وتناولتها أَيدي المختلسين كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن قَاضِي شُهْبَة فإنه يَقُول: وَمن وقائع تيمورلنك إِلَى زَمَنه -يَعْنِي سنة 838هـ- لم يدرس بهَا أحد. وَكَانَ جملَة من درس بهَا من قبل تِسْعَة عشر مدرسا، وأنشأ الْوَاقِف بهَا مشيخة إقراء وَنَحْو. وَليهَا جماعات من الْفُضَلَاء ثمَّ تقهقرت أحوالها إِلَى مَا بعد الْألف. فتولاها بعض المدرسين ثمَّ اشْتهر الشَّيْخ شهَاب الدّين أحْمَد المنيني بِالْعلمِ وَالْفضل فدرس بالسميساطية وَجعل سكنه بهَا. وبسبب كَثْرَة مخالطته للكبراء وأرباب المناصب توجه عَلَيْهِ تدريس العادلية الْكُبْرَى وتولية السميساطية والعمرية فانتقل إِلَى العادلية وَلم يزل بهَا إِلَى أَن توفّي سنة 1172هـ، فاستولى أَوْلَاده على الْمدَارِس الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة. ثمَّ انْتَقَلت إِلَى أَوْلَادهم إِلَى زمن مُحَمَّد أَفَنْدِي المنيني مفتي دمشق فاستولى عَلَيْهَا وَاتخذ العادلية بَيْتا للسُّكْنَى وَجعل مَسْجِدهَا إسطبلا للدواب وَتصرف فِيهَا وَفِي أوقاف الْمدَارِس الثَّلَاثَة كَيْفَمَا شَاءَ وَشاء لَهُ الْهوى، ثمَّ مَاتَ فأكمل الِاسْتِيلَاء وَلَده توفيق أَفَنْدِي. وَبقيت إِلَى الْآن -أعني إِلَى سنة 1127هـ- تَحت سيطرته ونفوذه، وَفِي أيامنا جعل مَسْجِدهَا مخزنا لبيع الفحم وَاتخذ أعوانه مِمَّن يعيشون من أكل أَمْوَال الْأَوْقَاف سِلَاحا للمدافعة عَنْهَا ليعينهم هُوَ وشيعته على المدافعة عَمَّا اختلسوه من الْأَوْقَاف {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14]، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون} [إبراهيم: 42]".
من هذا النص يتبين لنا أن المدرسة العادلية تعرضت للدمار على يد قازان, وهُجِّرت, ثم جُدِّدت وافتتحت رسميًا في رجب سنة 704هـ, وعادت المدرسة سيرتها الأولى. ثم دمرت ثانية سنة 803هـ على يد تيمورلنك، فأعيد بناؤها للمرة الرابعة. وفي العهد العثماني تراجع أمرها وانحلت أوقافها, وكادت تنهار, وقد نشرت صور في حدود سنة 1325هـ، تبين مدى الخراب الذي أصابها, حتى إن اللجنة التي زارتها سنة 1328هـ ذكرت أنه لا يوجد فيها طالب واحد وأنها بيد توفيق أفندي المنيني. وفي عهد الإنتداب الفرنسي اتخذت مركزًا للمتحف الوطني السوري حتى سنة 1936م عندما أصبحت مقرًا للمجمع العلمي العربي.
قال كرد علي: " وقد حرقت هذه المدرسة مرتين الأولى في فتنة غازان التتري سنة 699هـ مع ما حرق من مدارس المدينة، والثانية في سنة 778 هـ ولعلها أحرقت في فتنة تيمور أيضا 803هـ هذا عدا ما تناوبها من تناوبها من الزلازل. ومع هذا لم يزل حائطها القبلي وحائطها الشرقي قائمين، أما الجدران الآخران الغربي والشمالي فقد خربا وما بني بجانبها جديد. ومن الأسف أنا لم نعثر فيها على كتابة ولو ضئيلة تدل على شيء من تاريخها ووقفها وإنشائها، حتى ولا على قبر الملك العادل الذي نبش على ما يظهر في القرن الأخير لأخذ الذخائر التي كانت تدفن مع الملوك والعظماء. وكانت فيها خزانة كتب مهمة. والعادية اليوم العضو الأثري المهم من تلك المدارس التي كانت في القرون الوسطى مفخر الشام والإسلام".
وقد نعت ابن بطوطة المدرسة العادلية في رحلته فقال عند كلامه على مدارس الشافعية: "وللشافعية بدمشق جملة من المدارس أعظمها العادلية وبها يحكم قاضي القضاة وتقابلها المدرسة الظاهرية. وبها قبر الملك الظاهر، وبها جلوس نواب القاضي".
العادلية الكبرى مأوى عباقرة العلماء والفقهاء والأدباء
وقد شهدت المدرسة العادلية الكبرى أحداثًا جسامًا، ونزل بها عباقرة العلماء والفقهاء والأدباء, فكانت سجلًا لتاريخ دمشق عبر العصور. قال بدران: "وَفِي تَرْجَمَة ابْن خلكان أنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ فِي العادلية، وَكَانَ يحضر كثير من الْعلمَاء مِنْهُم جمال الدّين ابْن مَالك فَإِذا وجدت جملَة مشكلة من جِهَة الْأَعْرَاب تكلم فِيهَا وكتبها حَتَّى أكمل كِتَابه فِي إِعْرَاب مُشكل البُخَارِيّ وَهُوَ كتاب عَظِيم الْفَائِدَة".
قال محمد كرد علي مبينا قيمة المدرسة العادلية: "وفي العادلية وضع المقدسي (أبو شامة) تاريخ الروضتين في أخبار الدولتين، وفي العادلية عمل ابن خلكان تاريخه المشهور، وعلى باب العادليةكان يقف ابن مالك النحوي ويدعو الناس لحضور درسه، ينادي هل متن متعلم هل من مستفيد، والتاريخ يعيد نفسه، وفي العادلية نزل ابن خلدون فيلسوف العرب أوائل المائة التاسعة. وكأن المولى تعلقت إرادته فقضى أن لا يخلي العادلية والظاهرية من علم ينشر، وأدب يذكر، فاختارهما مباءة للمجمع العلمي يقيم فيهما سوق العلم والأدب بعد الكساد على النحو الذي كانتا عليه منذ وضع أساسهما نور الدين بن زنكي والظاهر بيبرس".
فهذه المدرسة من أعظم مدارس الشافعية بدمشق وكان يحكم قاضي القضاة ويجلس نواب القاضي بالمدرسة الظاهرية المناوحة لها. درس بها وسكنها جلة من العلماء، منهم ابن خلكان والجلال القزويني والعلاء القونوري وأبناء السبكي وكمال الدين التفليسي وابن مالك النحو وابن جماعة، وممن درس بها وسكنها الشهاب أحمد المنيني صاحب التآليف المشهور من أهل المئة الثانية عشرة وسكنها ودرس بها أولاده من بعده. وقد أخذها المجمع العلمي العربي لما أسس في سنة 1919م وجعلها مقر ورمّها بما يقربها من الهندسة الأصلية.
- وفي العصر الحديث نزل فيها كبار الأدباء والمفكرين والشعراء الأعضاء في المجمع العلمي العربي، وبعد تحول المجمع العلمي إلى "مجمع اللغة العربية" تراجع شأن العادلية لتراجع شأن المجمع نفسه، الذي انتقل من المدرسة وأبقاها لتكون مخازن لمخلفاته، وربط المدرسة الظاهرية معه أيضًا, فصارت المدرستان الكبيرتان من بعض متعلقات المجمع الذي كان في يوم من الأيام أكبر مؤسسة علمية في سورية.
الوصف المعماري للمدرسة العادلية الكبرى
تعد المدرسة نموذجًا لعمائر العهد الأيوبي، فهي تعتبر من أهم المباني من حيث التخطيط ورصانة البناء، والعناصر المعمارية المتقنة الصنع. طرأ على مخططها الأصلي بعض التعديل ولكن أقسامها الرئيسية وعناصرها الهامة ما تزال تحافظ على وضعها الأصيل. ومن ذلك واجهتها الشرقية والجنوبية وبوابتها وصحنها وتربة منشئها وواجهة الحرم وبعض إيوانها الكبير الشمالي.
البوابة تمثل هندسة فريدة لا تشبه البوابات المألوفة في العصر الأيوبي، تتألف من فجوة ترتفع بارتفاع الواجهة الحجرية، مسقوفة بعقد من الحجر في وسطه حجر متدل كالمفتاح يقسم عقد الإيوان إلى قوسين صغيرين من الحجارة المقرنصة. في وسط هذه الفجوة باب، يحيط به إطار من مداميك حجرية متناوبة بين اللونين الأسود والأبيض، تعلوه زخارف حجرية.
يؤدي الباب إلى دهليز واسع مسقوف بقبوة يليه باب ثان على محور واحد مع الباب الخارجي مفتوح على إيوان مرتفع مطل على صحن سماوي مربع الشكل (18 × 17 م) مبلط بالحجر ويتخلله لوحات من الزخارف الهندسية، ويتوسطه بحرة ماء مربعة (8،5 × 8،5 م) في زواياها حنايا نصف دائرية ، تتوزع حول الصحن عدة قاعات وإلى الجنوب باب يؤدي إلى ضريح الملك العادل وآخر يؤدي إلى غرف الطابق العلوي.
يحيط بالصحن من الجهة الجنوبية المصلى وهو قاعة مستطيلة، كانت مسقوفة بثلاثة أقبية متقاطعة مازالت آثارها باقية وفيها محراب مزين بمقرنصات تنتهي بصدفة. واجهته مؤلفة من باب عال في الوسط، وعلى كل من جانبيه شباكان وكلاهما ينتهي بقوس مدبب. ويقابله في الجهة الشرقية إيوان صغير مفتوح على دهليز الباب الرئيسي للمدرسة. وعلى جانبه الشمالي توجد غرفة وعلى جانبه الجنوبي يوجد باب آخر للتربة.
أما الجهة الغربية فقد جددت كليًا في العصر الحديث، وتتألف من ثلاث غرف تستخدم كمستودعات، وتحتل التربة الزاوية الجنوبية الشرقية بين المصلى والدهليز والتي تضم قبر الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب المتوفي سنة 616هـ/ 1219م وتعلوها قبة محمولة على عقود حجرية، وفي كل جدار ثلاثة عقود متراكبة تبرز على بعضها لتصغير قطر القبة، ويلي الأقواس ما يسمى برقبة القبة وهي مؤلفة من شكل مثمن الأضلاع. يحتل زاوية البناء مقرنصات ويتناوب معها أربع مجموعات من الشبابيك في كل منها شباكان. ثم تأتي طاسة القبة وهي ليست نصف كروية وإنما متطاولة ذات مقطع مدبب، للتربة شباكان يطلان على الشارع في الجدار الشرقي وآخران في الجدار الجنوبي، بينهما محراب مماثل لمحراب المصلى.
أما الواجهات المطلة على الباحة فهي من الحجر، خالية من الزخارف ويوجد في الجهة الشمالية إيوان كبير وعلى جانبيه بابان يؤديان إلى ملحقات المدرسة وغرفها. ويلاحظ بأن المبنى خال من الزخارف، تسيطر عليه البساطة باستثناء الباب الذي تقدم وصفه.
hgl]vsm hguh]gdm hg;fvn td ]lar hguh]gdm hg;fvn
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ صاحبة السمو على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 08:43 AM
|