فهو أولاً: رجاء حيي، مكبوت، ومحبوس استشففته
تحت دموع بعض الزوجات الفضليات!
وهو ثانيًا: سؤال خجول، استقرأته؛
وهو يحاول على استحياء من صاحبته،
أن يترجم بعض أحاسيسها الدفينة القاسية،
التي تراكمت على مر سنين العشرة.
ثم هو ثالثًا: صرخة صامتة؛ سمعتها، وهي تتجاوز
جدار الجليد الزوجي، وتخترقه؛ لتسمع من يفهم،
وتستوضح من جرَّب؛ لأن يرحم هذه المشاعر المؤلمة الدفينة،
التي حبستها هذه الحياة الزوجية الثلجية.
المنظومة البشرية المحترمة!
باقة صغيرة من الأبناء الأحباب، أكبرهم يدرس في إحدى
كليات ما يسمونها بكليات القمة المرموقة!
أما عن الزوج؛ فهو رجل طيب خلوق، محترم، وملتزم،
ويقدس حياته الزوجية - كما يقولون - ويحب زوجته وأبناءه حبًا جمًا،
ينتسب إلى أسرة طيبة محترمة، وذو مركز اجتماعي محترم،
عائد مادي محترم؛ أهَّل هذه الأسرة لمعيشة كريمة محترمة،
وله علاقات اجتماعية - أيضًا - محترمة.
فهو إذن منظومة بشرية محترمة متحركة.
بقعة خجولة.. على ثوب أبيض
ولكن.. هل تدرون ما المشكلة التي أثمرت هذه الهموم المتراكمة -
في اللاوعي عند الزوجة الفاضلة - من طول هذه العشرة المباركة والمحترمة؟!
وما هذه البقعة الداكنة الخجولة والقاسية في
هذا الثوب المحترم الكريم؟!
إنها - وقد نعتبرها - من بعض جوانب هذه المنظومة البشرية المحترمة،
وقد تكون من سمات هذه الشخصية المحترمة.
إنها - ويا للعجب - عدم القدرة عن التعبير عن هذه المشاعر الكريمة المحترمة.
فالمشاعر موجودة وغنية، ويطفح بها قلبي الزوجين، بل والأسرة كلها!
والحب ينشر ظلاله على أجواء هذا البيت الكريم!
ولكنه الفقر المدقع.. والشح البالغ.. والبخل الشديد.
فهو الفقر في ترجمة هذه المشاعر الفيّاضة إلى لمسات حانية.
وهو الشح في التعبير عن مكنونات القلوب السامية إلى كلمات ودودة.
وهو كذلك البخل في تحويل هذه المشاعر الدفينة الراقية إلى سلوكيات دافئة!
سلام عليك.. أبا الأنبياء
يا الله! الآن، والآن فقط، تذكرت رد أبي الأنبياء إبراهيم
(عليه السلام): {وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (البقرة: 260).
وتذكرت المغزى التربوي الراقي لقوله (صلى الله عليه وسلم):
«نحن أحق بالشك من إبراهيم؛
إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى
وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (البقرة: 260)، ويرحم الله لوطًا،
لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبث في السجن
طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي».
فماذا عن الرسائل السلبية لهذا الفقر المشاعريّ
والشح التعبيري؟
ونقصد بها تلك التراكمات النفسية القاسية؛ التي تتولد
في العقل الباطن أو اللاوعي عند الزوجة؛ كرد فعل لسلوكيات الزوج المبهمة، عندما ينعقد لسانه عن مجرد النطق بكلمة تطمئن
رفيقته على شعوره نحوها، وتتحجر نظراته عن مجرد نظرة ود تسعدها،
وتخبرها بمدى حبه لها. وتتسمَّر جوارحه عن مجرد لمسة
حانية تشعل حرارة جوانحها الرقيقة، وتشل يديه عن مجرد
لمسة ودودة تشعرها بتقديره لها.
والأخطر من هذا هو أن تتراكم هذه الرسائل المحبطة داخلها،
على مر السنين؛ من جرَّاء هذا التبلد التعبيري، ثم تظهر من حين لآخر،
على جوارحها وسلوكياتها الظاهرة على هيئة سلوكيات
معوجَّة غير محسوبة النتائج. تظهر وكأنها انفجارات براكينية،
وذلك لأدنى ولأوهن سبب، كأنها (القشة التي قصمت ظهر البعير).
فهل كانت هذه القشة ثقيلة وقاسية ومدمرة لهذا الحد،
أم أن هذا البعير المسكين قد نأى بحمله،
وفاض به الكيل، وأصبح عنده القابلية الشديدة للكسر،
ففار تنوره، وانفجر في وجه أحب الناس وأعزهم وأقربهم وأجملهم؟!!
ولا ننس دور { الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}
(الناس: 4، 5) في بث مثل هذه الرسائل السلبية،
والإلقاءات الإبليسية، والسموم الشيطانية.
وسنفاجأ بأن معظم هذه الرسائل ما هي إلا تساؤلات دفينة،
تحتاج إلى صراحة وحوار وشفافية وثقة، وهذه التساؤلات هي:
1 - هل حقًا هذا الرجل الطيب يحبني؟!
2 - هل هناك أهم مني في حياته؟!
3 - هل أنا لا أستحق كلماته الدافئة؟!
4 - هل يستكثر عليَّ اللمسة الحانية؟!
5 - ما أسباب تحفظه معي؟!
6 - هل يبخل عليَّ بعلامة ليطمئن قلبي؟!
7 - لماذا هذا البرود والتبلد المشاعري؟!
والخطورة أن تنقلب هذه الرسائل إلى تأويلات من جانب الزوجة
لأي سلوك من الزوج؛ حتى ولو كان بسيطًا وتافهًا،
حتى لمجرد صمته وخرسه التعبيري.
فماذا كانت رسالتي إلى هذه المهمومة الفاضلة؟!
وهي كذلك رسالة إلى كل من يعاني من رفيق حنون
حبيب عطوف، ولكنه لا يجيد فن أو مهارات التعبير عن المشاعر!
أولاً - لنبحث معًا عن الأسباب
وأسباب هذا البكم التعبيري عند الزوجين؛ سنقسمه إلى قسمين رئيسي:
1. فقد تكون طبيعة شخصية فى الزوج؛ أي أنه لا يمتلك
القدرة على التعبير عما بداخله عمومًا؛ فهو كتومٌ، كتومٌ.
2. أنه يظن هذا التعبير عيبًا في حقه كرجل، وأن التعبير ينافي الرجولة.
3. أنه يستشعر أن هذا البوح يقلل من قدره في نظر الآخر واحترامه له.
4. أنه يخجل خجلاً زائفًا: أي يخجل أن يعبر لزوجته عن مشاعره.
ونقول زائف؛ لأنه خجل ليس في موضعه.
5. أن يستشعر الزوج - أو الزوجة - أن الآخر سيسيء
فهم هذا التعبير ويعتبره جرأة و(بجاحة).
6. أن يترجم هذا الفن في التعبير عن مكنونات النفس؛
أنه لا يصح في هذا السن، وأن العمر لا يسمح. أي
(نحن كبرنا على هذه المراهقة)!
7. استشعاره أن التعبير عن الأحاسيس، ليس له ضرورة؛
فيقول: «الزوجة تعرف جيدًا أنني أحبها».
(وهل أنا قصرت في طلباتهم المادية من مسكن كريم،
وأكل وشرب وفير، وملبس وثير؛ ليحتاجوا إلى هذا الكلام الفاضي).
o القسم الثاني: أسباب خارجية وبيئية:
1. الآبائية؛ أي طبيعة وراثية عائلية.
2. رسالة تمرد: أي إعلان أخرس بالعصيان الزوجي على الزوجة.
3. رسالة عدم رضا: فلعلها تراجع نفسها.
4. رسالة رد فعل: أي واحدة بواحدة يا زوجتي العزيزة والبادي أخرس.