حاجتنا إلى القــوة الروحيـــة
مصادر القوّة الرّوحيّة عند المؤمن:
1- إيمانه القويّ بالله:
فهو وحده مصدر النصر }إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكّل المؤمنون{.
ولهذا فالاعتصام به يشحذ العزائم ويعين على مواجهة كلّ التهديدات }وما لنا ألّا نتوكّل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكّل المتوكّلون{.
فهو يؤمن بما يلي:
أ- بأنّ النصر وعد الله للرّسل والمؤمنين:
}إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد{، }وإنّ جندنا لهم الغالبون{، }وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين{، ولا يتحقّق ذلك إلا بفضل ما ينعمون به من الصلاح وقوة الإيمان والتوكل والثقة بنصر الله }يا أيّها الّذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم{.
ب- بأنّ النصر ليس بالعدّة والعدد، بل بتوفيق الله والإعداد في حدود الاستطاعة:
}كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصّابرين{، }قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار{، وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئنّ إلى هذه الحقيقة، وتثق في ذلك الوعد، وتعدّ للأمر عدّته التي في وسعها، وتصبر حتى يأذن الله، ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيّب في علم الله.
فإن كانت الفئة الظالمة أكثر مالاً فإن الله تعالى يقول: }إنّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرةً ثمّ يغلبون والّذين كفروا إلى جهنّم يحشرون{.
وإذا كانوا أشدّ مكراً فالله تعالى يقول: }قل الله أسرع مكراً إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون{.
وإذا كانوا أمنع حصوناً وأكثر حشوداً فإن الله تعالى يقول: }هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنّوا أنّهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرّعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار{.
إنّ المؤمن القويّ يدرك أنه إنما يسير بمعونة الله لا بقدرته الذاتية: }فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً إنّ الله سميعٌ عليم{.
ج- بأنّ الإيمان بالله حبل النّجاة من المهالك:
}فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون{، فهؤلاء الناجون العاملون لنصرة هذا الدين هم الصفوة المتميزة بإيمانها، التي استحكم الإيمان في قلوب أفرادها، فكانوا جديرين بنصر الله، وبالنجاة من عذابٍ حاق بقومهم، وهذه هي سنة الله في هلاك المفسدين ونجاة المؤمنين على مدى الزمان والعصور }ثمّ ننجّي رسلنا والّذين آمنوا كذلك حقّاً علينا ننج المؤمنين{.
د- بأنّ المعونة الإلهيّة مرتبطةٌ بقوة الإيمان:
}هو الّذي أنزل السّكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السّماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً{، فسياق الآية يربط بين زيادة الإيمان وجند السماء والأرض، وأنها كلّها بيد الله يسخّرها كيف يشاء، وفي ذلك إشارةٌ للربط بين جند الله التي تنصر أولياءه وقوة الإيمان، وهي تشعر بأنّ النصر والتمكين إنما يرتبط بقوة الإيمان، فيقترب بقوّته، ويبتعد بضعفه.
2 – إيمانه بأنّه على الحقّ، وقد تكفّل الله بنصر الحقّ:
فهو لا يعمل لشهوةٍ ولا لمنفعةٍ ذاتيةٍ، ولكنه يعمل للحقّ الذي قامت عليه السموات والأرض، وهو منتصرٌ لا محالة }بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ ولكم الويل ممّا تصفون{.
ولذلك فإنه لا يخاف من تهديد الباطل: }الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل{، فلا مجال للحرص أو الخوف اللذين يضعفان النفوس }قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والّذي فطرنا فاقض ما أنت قاضٍ إنّما تقضي هذه الحياة الدّنيا. إنّا آمنّا بربّنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السّحر والله خيرٌ وأبقى{.
وهذا يملأ قلبه يقيناً بما يلي:
أ- السّلطان والتّمكين وعد الله لأهل الحقّ في أرض الله:
}قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين{، فهذه الرؤية من موسى عليه السلام تقترب من المؤمنين كلما ازدادوا قرباً من الله، واشتدّ إيمانهم، وقوي يقينهم، وكان في دينهم صلابةٌ تقود إلى الصبر والتضحية في سبيل الله، وعندها يكون النصر والتمكين، مهما بدا أنّ القوة الماديّة غير متكافئةٍ، حتى إنّ المنافقين ليهزؤون بهذا اليقين الذي يملأ قلوب المؤمنين }إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكّل على الله فإنّ الله عزيزٌ حكيمٌ{.
ب- لا سلطان للكفر على الإيمان:
}ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً{، لا لاستئصالهم وإبادتهم، ولا لإذلالهم والتسلط عليهم؛ ما داموا مؤمنين صادقين أشدّاء في إيمانهم، وكلما كان الإيمان قويّاً كلما كانت الثقة بالنصر أكبر، وكلما كان النصر أقرب.
ج- لا سبيل للوهن مع الإيمان:
}ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين{، }وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحبّ الصّابرين{، }فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم{، وإنها لكبيرةٌ في حقّ المؤمنين الصادقين أن يجد الوهن طريقه إلى قلوبهم فيبادروا بطلب السّلم والمهادنة مع الأعداء.
د- القوى الكونيّة تقاتل مع المؤمنين:
}يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً{، }بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين{، }إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ{، فكلما كان الإيمان قويّاً بوعد الله فإنّ الكون كلّه يقف بأمر الله تعالى إلى جانب المؤمنين ليدفع عنهم كيد أعدائهم، فيكون النصر إلى جانب الفئة المؤمنة.
3- إيمانه بالقدر:
فلن يصيبه إلا ما قّدر الله عليه }قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون{، وكل ما يجري سبق به القلم من قبل }ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسيرٌ. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم{، وهذا الإيمان يملأ القلب بالجرأة والإقدام والبسالة والشجاعة في مواجهة الخطوب، حتى لو أدّى ذلك إلى بذل الأرواح، وهو يقرأ قوله تعالى: }أليس الله بكافٍ عبده ويخوّفونك بالّذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هادٍ. ومن يهد الله فما له من مضلٍّ أليس الله بعزيزٍ ذي انتقامٍ{.
وبهذا الإيمان بالقدر يتحقّق الأمن النفسيّ للفرد ويتحقّق الأمن الاحتماعيّ للأمة، }الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون{، إنّ الذين يحصل لهم الأمن المطلق هم الذين يكونون مستجمعين لهذين الوصفين: الأول: الإيمان وهو كمال القوة النظرية، والثاني: }ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ{ وهو كمال القوة العملية، وفي ذلك حسمٌ للصراع مع الحياة.
4 – استمساكه بأخوّة الإيمان، وأنه جزءٌ من كل: فقوّته بوجوده في وسط البناء الإيمانيّ الكبير، كما في الحديث المتفق عليه: «إنّ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً» وشبّك أصابعه.
وعند أبي داود: «...، فعليك بالجماعة فإنّما يأكل الذّئب القاصية».
وعند أحمد: «إنّ الشّيطان ذئب الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشّاردة، والقاصية، والنّاحية».
وعند عبد بن حميدٍ: «إنّ الشّيطان ذئب ابن آدم، كذئب الغنم، وإنّ ذئب الغنم يأخذ من الغنم الشّاة المهزولة والقاصية، ولا يدخل في الجماعة، فالزموا العامّة، والجماعة والمساجد».
وعند أحمد: «... والجماعة رحمةٌ، والفرقة عذابٌ».
وعند الترمذي: «... عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة، فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة...».
فالمسلم يوقن أنه قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه، فإذا رآهم قويت نفسه، وإذا رأى تنافسهم في الخير قويت همّته.
5 – إيمانه بالآخرة، وبأنّ الدّنيا ليست سوى مرحلةٍ مؤقّتةٍ لا تلبث أن تزول:
ولهذا لا يتشبّث بالدنيا ولا يتعلّق بحطامها حتى لا تصرفه زينتها عن طلب الحياة الحقيقيّة }وما هذه الحياة الدّنيا إلّا لهوٌ ولعبٌ وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون{، }اعلموا أنّما الحياة الدّنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج فتراه مصفرّاً ثمّ يكون حطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوانٌ وما الحياة الدّنيا إلّا متاع الغرور{.
ويعيب القرآن على من رضي بالحياة الدنيا من الآخرة فدعاه ذلك إلى القعود عن نصرة الحقّ }ياأيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلّا قليلٌ{.
وما من شكٍّ أنّ هذا المصير الأخرويّ يسهم في حسم الصراع بفوز الحقّ وأهله على الباطل وأهله، إذ ينعم أهل الحقّ بالجنة ونعيمها ويشقى أهل الباطل بالنار وجحيمها، وهذا الحسم يدركه كلّ من له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، أما من ختم الله على قلبه فقد لا يدرك هذا المصير ولا هذا الحسم إلا بعد أن يلقى المصير المؤلم يوم القيامة، يوم يقول: }ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت{، ولكنّ هيهات، فليس الأمر على ما يشتهي، وهم في النار ماكثون.
ph[jkh Ygn hgrJJ,m hgv,pdJJJm hgrJJ,m ph[jkh