بني ملال من المدن المغربية التي تغنى بجمالها وطبيعتها الشعراء والفنانون. مدينة تميزت بطبيعتها الفاتنة وبعيون الماء فيها، وعلى جنباتها. «تونس الخضرا.. يا بني ملال»، تماما كما تغنى بها مطربو الفن الشعبي. بني ملال، هي أشجار الزيتون والماء المنساب عبر أحياء المدينة صافيا ونقيا. ثم إن بني ملال هي المنطقة التي يتجاور فيها الأمازيغي والعربي دون اكتراث بالنقاشات المفتوحة في الصالونات واللقاءات الثقافية والسياسية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وصفحات الصحف، حول الحقوق الثقافية وما إليها من كلام بارد. بني ملال، بعربها وأمازيغييها، هي المنطقة التي لخصها الفنان محمد رويشة، فنان الأطلس بعبارة.. «شلح وعربي حتى يعفو ربي»، أي «أمازيغي وعربي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».
قصر «عين أسردون» المجاور للعين، يقف شامخا على المرتفع مثل حارس وفي للخضرة والمدينة والتاريخ بني ملال، هي المدينة والإقليم، وهي عروس الأطلس، وعاصمة جهة تادلة أزيلال، التي تقع وسط المغرب، بين جهات الشاوية ورديغة من الشمال الغربي، وسوس ماسة درعة من الجنوب، ومكناس تافيلات من الشمال الشرقي، ومراكش تانسيفت الحوز من الجنوب الغربي، أي أنها توجد في منتصف الطريق بين مدينتي فاس ومراكش، وعلى مسافة 200 كلم من الدار البيضاء، فيما تنفتح على الجنوب المغربي، عبر مدينتي الراشيدية وورزازات.
لبني ملال تاريخ يلخص لسهل تادلة، بموقعه الجغرافي المهم، الذي ظل، على امتداد القرون والسنوات، منطقة صراع لفرض النفوذ بين الأسر الحاكمة التي تعاقبت على حكم المغرب، قبل أن تتوالى سنوات الاستعمار وأيام الاستقلال.
تمتلك بني ملال، خاصة، وجهة تادلة أزيلال، عامة، إمكانيات سياحية هائلة، ترتبط، أساسا، بالسياحة الجبلية، وبطبيعة فاتنة تتشكل عبر سهل تادلة الغني بمؤهلاته الطبيعية وخيراته الفلاحية.
يتركب «عين أسردون» من كلمتين، الأولى عربية والثانية أمازيغية. وتعني أسردون بالأمازيغية «البغل»، وبالتالي يصبح الاسم «عين البغل»، فكيف ارتبط البغل بهذا المنبع الساحر والشلالات البديعة؟! تروي حكاية تاريخية، وهي ليست أسطورة، أن رجلا من قبيلة آيت سخمان عاد من سوق مدينة بني ملال على ظهر بغله ومر بالمكان الذي توجد به عين المياه، ورأى التبن يخرج مع الماء من تلك العين، وخمن أن أكياس التبن التي ضاعت خلال نقلها من البيدر تدحرجت من أعلى إلى حيث ينحدر الماء من الجبل، وربما يكون التبن الذي يأتي من الماء جزءا من تلك الأكياس. ولتأكيد افتراضه أجرى تجربة بنفسه، حيث ألقى التبن في نفس المكان الذي سقطت فيه الأكياس الأولى، وفي اليوم الموالي شاهد التبن يخرج مرة أخرى من نفس العين. وتضيف الرواية أن الرجل أغلق المنبع في الجبل بالصوف، ونزل في محاولة ابتزاز قبائل كانت تقطن في بني ملال مقابل إطلاق الماء، لكنهم لم يرضخوا للابتزاز بعدما عرفوا المكان الذي يتم من خلاله التحكم في ماء العين، وتعرض الرجل لبطش تلك القبائل، وسميت العين ببغل ذلك الرجل المغبون. تقع شلالات «عين أسردون» في المنطقة السهلية التي تتمدد فيها مدينة بني ملال، حيث تنساب المياه نزولا على شكل شلالات وتشكل منظرا بديعا، خصوصا أن الخضرة تحيط بالمكان، ومع تدفق مياه الشلالات يصبح الطقس منعشا في الصيف، ومعتدلا في الشتاء.
ولعل من مفارقات المنطقة أن المياه تنبع من الجبال التي يقطنها في الغالب أمازيغ (بربر) وتستفيد منه قبائل عربية أو مستعربة لأنهم يسكنون السهول الفلاحية الصالحة للزراعة. ويؤرخ جمال «عين أسردون» في بعض جوانبه لتمازج العرب والأمازيغ، ويتمثل هذا التمازج الحضاري في هندسة الحدائق التي تمتد من منبع «عين أسردون» وتحيط به، وتشكل نسخا لحدائق في غرناطة وباقي المدن التي كانت مزدهرة في الأندلس. وما زال هذا المنبع الساحر يحافظ على التصميم الهندسي لتلك الحدائق التاريخية وإن تغيرت ألوان الزهور واختلف الزوار. زوار منبع «عين أسردون» ليسوا فقط من سكان بني ملال، بل هم من داخل وخارج المغرب، حيث يزور سياح أوروبيون المغرب فقط من أجل مشاهدة «عين أسردون» شلالات المياه، ومنظر تدفق مائها، والحدائق البديعة التي تحيط بها. وهؤلاء لا يكترثون لقصة «عين أسردون»، بل منهم من لا يعرف شيئا عن مدينة بني ملال، إذ باتت «عين أسردون» وشلالات المياه والحدائق المخضرة ضيفا وشتاء أشهر من المدينة نفسها.
وإذا كانت منطقة أزيلال تعرف بشلالات «أوزود» الشهيرة، فإن الحديث عن منطقة بني ملال، غالبا، ما يقرن بـ«عين أسردون» ومدارها السياحي، الذي يعتبر من بين المزارات السياحية الرائعة بالمغرب، ويزوره آلاف السياح المولعين بالسياحة الجبلية والماء والخضرة والظلال الوارفة.
وليست «عين أسردون» وحدها ما يميز منطقة بني ملال، والجهة ككل، فهناك هضبة آيت بوغماز الشهيرة، و«عيون أم الربيع»، وغيرهما، مع الإشارة، هنا، إلى أن الحديث عن وجهة بني ملال لا يمكن إلا أن يقرن بوجهة أزيلال.
ورافق النشاط السياحي بالمنطقة إنجاز بنية تحتية لاستيعاب أعداد السياح المتزايدة، حيث توجد بالمدينة والنواحي، وحدات فندقية في مستوى استقبال السياح الراغبين في خدمة تساير تطلعاتهم وتمنحهم إمكانات مهمة للزيارة والسياحة، نذكر منها فنادق «الشمس» و«تازركونت» و«أوزود» و«البساتين»، ثم إن المنطقة معروفة بهدوئها وقدرتها على توفير الأمن والأمان لزوارها.
وتشترك أزيلال وبني ملال في جبال الأطلس الشامخة، التي تبرز في خلفية مدينة بني ملال بشكل رائع، فيما قمة «تاسميط» تغري بالتسلق، أما المدار السياحي لـ«عين أسردون» فيتموقع على ربوة صغيرة، حيث شلالات المياه التي تؤثث لها حدائق ساحرة، فيما القصر المجاور للعين يقف شامخا على المرتفع مثل حارس وفي للخضرة والمدينة والتاريخ. وتمثل «عين أسردون» فخر بني ملال وأحد عناوينها الكبرى، حيث يستشهد بها أهلها وناسها تقديما وتعريفا بالمدينة والمنطقة. «عين أسردون»، التي تمتد سواقيها عبر تفاصيل المدينة مثل الشرايين التي تغذي الجسد.
وهناك أكشاك لبيع المواد الغذائية، وأخرى لتقديم خدمات هاتفية، ومقاه، مع دعوات للنقش بالحناء أو لشراء بطاقات بريدية تلخص للمدار وطبيعة المنطقة عبر صور صغيرة في حجمها، لكنها كبيرة في المشاعر والذكريات التي تختزنها.
السياح الأجانب تجدهم، في «عين أسردون»، يتجولون في هدوء لافت. الكاميرا في اليد، فيما العين ترصد متعة فاتنة. السياح، القادمون من مدن الضباب والثلج، يحتفون بالمناظر الطبيعية التي يوفرها المدار السياحي مثل أطفال صغار. يبتسمون طوال الوقت، فيما يكثرون من أخذ الصور. في الواقع، هم يلحون في تصوير الناس والطبيعة والبنايات، كمن حل بكوكب غريب عليه، فرغب في القبض على تفاصيل كل ما يشاهده ويراه أمامه من فتنة وجمال. «عين أسردون عرفت على مدار السنوات كمقصد للعائلات، خلال فصل الصيف، حيث كانوا ينصبون خيامهم من دون نظام يحفظ للمدار جماليته، ويحبب السياح والزوار في المكان.. أما، اليوم، فيجري العمل على استثمارها وتسويقها سياحيا وفق شروط تساير استراتيجية تبدو مدروسة، عبر جعل بني ملال مدينة حدائق وخضرة، مع تلميع صورتها وتقديمها كوجهة سياحية يمكنها أن تمنح تنويعا جميلا للمنتوج السياحي المغربي».
هذه الإضافة، التي ستقدمها وجهة بني ملال للمنتوج السياحي المغربي،لن يكون المدار السياحي لـ«عين أسردون» إلا أحد عناوينه الجميلة والبهية.