المطلب الأول: صومُ التطوُّعِ المُطلَق
يُستحَبُّ صَومُ التطوُّعِ المُطلَق، ما عدا الأيامَ التي ثبت تَحريمُ صِيامِها.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ رَضِيَ الله تعالى عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((من صام يومًا في سبيلِ اللهِ، باعَدَ اللهُ تعالى وَجْهَه عن النَّارِ سَبعينَ خريفًا)) (1) .
المطلب الثاني: صَومُ التطوُّعِ المُقَيَّد
الفرع الأول: صومُ سِتَّةِ أيامٍ مِن شَوَّال
يُسَنُّ صَومُ سِتَّةِ أيامٍ من شوَّال بعد صومِ رَمضانَ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّةِ (2) ، والحنابلةِ (3) ، وهو قَولُ بعضِ الحَنَفيَّة (4) ، وداودَ (5) ، وقولُ كثيرٍ من أهلِ العِلمِ (6) .
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي أيوبَ رَضِيَ الله تعالى عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من صامَ رَمَضانَ، ثم أتبَعَه ستًّا من شوَّال، كان كصيامِ الدَّهرِ)) (7) .
2- عن ثوبانَ رَضِيَ الله تعالى عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صيامُ شَهرِ رَمَضانَ بِعَشرةِ أشهُرٍ، وسِتَّةُ أيَّامٍ بَعْدهُنَّ بِشَهرينِ، فذلك تمامُ سَنَةٍ)) (8) .
الفرع الثاني: الأيَّامُ الثَّمانيةُ الأُوَلُ مِن ذي الحِجَّة
يُستحَبُّ صَومُ الأيَّامِ الثَّمانِيَةِ الأُوَلِ مِن شهرِ ذي الحِجَّة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (9) ، والمالكيَّة (10) ، والشَّافِعيَّة (11) ، والحَنابِلة (12) ، وهو قول الظَّاهرية (13) .
الدليل: مِن السُّنَّةِ:
حديث: ((ما العمَلُ في أيَّامِ العَشرِ أفضَلُ مِن العمَلِ في هذه)). قالوا: ولا الجهادُ؟ قال: ((ولا الجهادُ، إلا رجلٌ خرج يخاطِرُ بنَفسِه ومالِه فلم يرجِعْ بِشَيءٍ)) (14) .
وجه الدلالة:
اندراجُ الصَّومِ في العَمَلِ الصالحِ الذي يُستحَبُّ في هذه الأيَّامِ (15) .
الفرع الثالث: صَومُ يومِ عَرَفةَ لغَيرِ الحاجِّ
يستحَبُّ لغَيرِ الحاجِّ صَومُ يومِ عَرَفةَ، وهو اليومُ التَّاسِعُ مِن ذي الحجَّةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (16) ، والمالكيَّة (17) ، والشَّافِعيَّة (18) ، والحَنابِلة (19) ، وهو قَولُ الظَّاهرية (20) .
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صيامُ يومِ عرفةَ، أحتسِبُ على اللهِ أن يُكَفِّرَ السَّنةَ التي قَبْلَه، والسَّنةَ التي بَعْدَه (21) )) (22) .
الفرع الرابع: صومُ شَهرِ اللهِ المُحَرَّم
يُستحَبُّ صَومُ شَهرِ اللهِ المُحَرَّم، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (23) ، والمالكيَّة (24) ، والشَّافِعيَّة (25) ، والحَنابِلة (26) .
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبى هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه يرفَعُه، قال: ((سُئِلَ- أي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أيُّ الصَّلاةِ أفضَلُ بعد المكتوبةِ؟ وأيُّ الصِّيامِ أفضَلُ بعد شَهرِ رمضانَ؟ فقال: أفضَلُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ المكتوبةِ، الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ. وأفضَلُ الصِّيامِ بعد شَهرِ رَمَضانَ، صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحَرَّم)) (27) .
الفرع الخامس: صَومُ يومِ عاشوراءَ
يُستحَبُّ صَومُ يومِ عاشُوراءَ، وهو اليومُ العاشِرُ مِن شَهرِ اللهِ المُحَرَّم.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَدِمَ المدينةَ فوجَدَ اليهودَ صيامًا يومَ عاشُوراءَ، فقال لهم رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما هذا اليومُ الذي تصومُونَه؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجى اللهُ فيه موسى وقَومَه، وغَرَّقَ فِرعَونَ وقَومَه، فصامَه موسى شُكرًا؛ فنَحن نصومُه، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فنَحنُ أحَقُّ وأَوْلى بمُوسى منكم، فصامَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَرَ بِصيامِه)) (28) .
2- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صيامُ يومِ عاشُوراءَ، أحتسِبُ على اللهِ أن يكَفِّرَ السَّنةَ التي قَبْلَه)) (29) .
ثانيًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ (30) ، والنوويُّ (31) ، وابنُ حجر (32) ، والعينيُّ (33) .
الفرع السادس: صومُ يومٍ قَبْلَ عاشوراءَ (تاسوعاءَ)
يُستحبُّ مع صيامِ عاشوراءَ صَوْمُ يومٍ قَبلَه، وهو اليومُ التَّاسِعُ مِن شَهرِ اللهِ المحرَّمِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة (34) ، والمالكيَّة (35) ، والشَّافعيَّة (36) ، والحَنابِلة (37) .
الدَّليل منَ السُّنَّة:
- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لئِن بقيتُ إلى قابلٍ، لأَصُومنَّ التَّاسِعَ)) (38) .
الفرع السابع: صَومُ أكثَرِ شَهرِ شَعبانَ
يُسَنُّ صَومُ أكثَرِ شَهرِ شَعبانَ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة (39) ، والمالكيَّة (40) ، والشَّافِعيَّة (41) ، وطائفة من الحَنابِلة (42) .
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1. عن عائشةَ رَضِيَ الله تعالى عنها قالت: ((ما رأيتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثَرَ صيامًا منه في شَعبانَ)) (43) .
2. عن أبي سَلَمةَ قال: ((سألتُ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها عن صيامِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: كان يصومُ حتى نقولَ قد صام، ويُفطِرُ حتى نقولَ قد أفطَرَ، ولم أرَهُ صائمًا من شَهرٍ قَطُّ أكثَرَ مِن صيامِه مِن شَعبانَ؛ كان يصومُ شَعبانَ كُلَّه، كان يصومُ شَعبانَ إلَّا قليلًا (44) )) (45) .
الفرع الثامن: صومُ الاثنينِ والخميسِ
يُستحَبُّ صَومُ يَومَيِ الاثنينِ والخَميسِ مِن كلِّ أسبوعٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (46) ، والمالكيَّة (47) ، والشَّافِعيَّة (48) ، والحَنابِلة (49) ، وهو قول الظاهرية (50) .
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يصومُ يومَ الاثنينِ والخَميسِ، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: إنَّ أعمالَ العِبادِ تُعرَضُ يومَ الاثنينِ والخَميسِ، وأُحِبُّ أن يُعرَضَ عملي وأنا صائِمٌ)) (51) .
2- عن أبي قتادة رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عن صَومِ الاثنينِ، فقال: فيه وُلِدْتُ، وفيه أنزِلَ عليَّ)) (52) .
الفرع التاسع: صومُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ
يُستحَبُّ صِيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (53) ، والمالكيَّة (54) ، والشَّافِعيَّة (55) ، والحَنابِلة (56) ، وهو مذهبُ الظَّاهرية (57) ، وقولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ (58) .
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدَعُهنَّ حتى أموتَ: صومِ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ، وصلاةِ الضُّحى، ونومٍ على وِترٍ)) (59) .
2- عن مُعاذةَ العَدَويَّةِ أنَّها سألت عائشةَ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُ مِن كُلِّ شَهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ؟ قالت: نعم. فقُلتُ لها: من أيِّ أيَّامِ الشَّهرِ كان يصومُ؟ قالت: لم يكُنْ يُبالي من أيِّ أيَّامِ الشَّهرِ يَصومُ)) (60) .
3- عن مُعاويةَ بنِ قُرَّةَ عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ: صِيامُ الدَّهرِ وإفطارُه)) (61) .
الفرع العاشر: استحبابُ صِيامِ أيَّامِ البِيضِ
استحَبَّ الجُمهورُ: الحَنَفيَّة (62) ، والشَّافِعيَّة (63) ، والحَنابِلة (64) ، وجماعةٌ من المالكيَّة (65) أن يكون صيامُ ثلاثة أيامٍ مِن كلِّ شَهرٍ في الأيَّامِ البِيضِ (66) .
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن ابن مِلحان القيسيِّ، عن أبيه قال: ((كانَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمرُنا أن نصومَ البِيضَ: ثَلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخَمسَ عَشرةَ، قالَ: وقالَ: هُنَّ كَهَيئةِ الدَّهرِ)) (67) .
الدليل من الآثار:
- عن موسى بن سلمةَ أنَّه سأل ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عن صيامِ أيَّامِ البِيضِ، فقال له ابنُ عبَّاسٍ: ((كان عُمَرُ يَصومُهنَّ)) (68) .
الفرع الحادي عشر: صومُ يَومٍ وإفطارُ يَومٍ
يُستحَبُّ صِيامُ يومٍ وإفطارُ يومٍ، وذلك في الجملةِ (69) .
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أحَبُّ الصَّلاةِ إلى الله صلاةُ داودَ عليه السَّلامُ، وأحَبُّ الصِّيامِ إلى اللهِ صِيامُ داودَ: وكان ينامُ نِصفَ اللَّيلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينامُ سُدُسَه، ويصومُ يومًا ويُفطِرُ يَومًا)) (70) .
وجه الدلالة:
الحديثُ يدُلُّ على أنَّ صَومَ يومٍ وإفطارَ يَومٍ، أحَبُّ إلى اللَّهِ تعالى مِن غَيرِه، وإن كان أكثَرَ منه، وما كان أحَبَّ إلى اللَّهِ جَلَّ جَلالُه؛ فهو أفضَلُ، والاشتغالُ به أَوْلى (71) .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أُخبِرَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أقولُ: واللهِ لأصومَنَّ النَّهارَ، ولأقومَنَّ اللَّيلَ ما عِشْتُ، فقُلتُ له: قد قلْتُه بأبي أنت وأمي، قال: فإنَّك لا تستطيعُ ذلك، فصُمْ وأفطِرْ، وقُمْ ونَمْ، وصُمْ مِن الشَّهرِ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ فإنَّ الحَسَنةَ بعَشْرِ أمثالِها، وذلك مِثلُ صِيامِ الدَّهرِ. قلتُ: إنِّي أطيقُ أفضَلَ من ذلك. قال: فصُمْ يومًا وأفطِرْ يَومَينِ. قلتُ: إنِّي أُطيقُ أفضَلَ من ذلك. قال: فصُمْ يومًا وأفطِرْ يومًا؛ فذلك صيامُ داودَ عليه السَّلامُ، وهو أفضَلُ الصِّيامِ. فقُلتُ: إنِّي أُطيقُ أفضَلَ من ذلك. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا أفضَلَ مِن ذلك)) (72) .
ثانيًا: الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ (73) .
الفرع الثاني عشر: التطوُّع بصومِ يومٍ واحدٍ
مَن صامَ يومًا واحدًا لله تعالى، أُجِرَ عليه، وذلك في الجُملة.
الدَّليل من الإجماعِ:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ (74) .