الخطّ العربيّ من علوم اللّغة العربية فما علاقته باللّغة العربية؟
كل لغة من لغات العالم قائمة أصولها على آلتين (اللّسان والقلم) حتى قيل: القلم أحد اللّسانين، وخَلقُ القلم كان قبل الإنسان، بل هو من أول المخلوقات، بل قيل: هو أوّلها، في خلاف معروف بين أهل العلم، هل كان خلقه قبل العرش أو هو بعده؟ ولكنَّ للخط العربيِّ شأنًا آخر، ليس كنظيره في سائر اللّغات، فقد تفنّن فيه الكاتبون حتى بلغوا به من الجمال آيتَه، ومن الكمال غايته، وما كان ذلك الجمال والكمال إلا من بركة الكتاب الحكيم الذي تنافس فيه من وهبهم الله جمال الخط فكتبوا بأيمانهم ما تبتهج له النفس وتلذّ العين.
وما من كاتبٍ معتبرٍ إلا وله دراية باللّغة العربية وقوانينها التي يحتاج إليها لرسمه وضبطه وإعرابه،وأكثر الخطاطين في هذه الأزمان مقصّرون في هذه المعرفة الضروريّة، وكلّ راقم في قرطاس كلاما على قانون العربية فإنما يقدم لوحة حسنٍ وجمالٍ تزرع محبة العربية في قلوب الناس فيقولون: سبحان من علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم .. لقد صنع الخطّ العربي في بلاد الترك- وفيهم مشاهير الخطاطين- ما لم تصنعه جامعات ولامجامع، فالخط العربي بهيئته وشكله دالّ على لغة الضاد وداعٍ إليها بجمال وجهه، وسلطان جماله، فكيف يخفى عليك أن لا تستطيع أن تخدم لغة الضاد بهذه الصنعة الصامتة الناطقة، ألم تعلم أنّ من طرق تعليم اللّغة العربية -واللّغة العربية معربةٌ في أكثر ألفاظها- أن يتعلمها المتعلم برسم أحرفها وشكل ما أشكل منها؟ فإنه إن تعلم ذلك عرف وجوه الإعراب وأدركها بأسرع الطرق وأيسره، هذا إذا كان يُعنى بأسباب مواضع الشكل والضبط، وأما إذا كان مقلّدا فالله يخلف علينا وعليه، فما كان التقليد في علم إلا شانه، ولا في ذهن إلا خانه، ولا في حضارة إلا أخّرها، ولا أمةٍ إلا سخّرها.